"صورة واحدة قد تدمّرك".. أول واقعة ابتزاز بـ"فيديو مفبرك" تهز مصر وتكشف كابوس الذكاء الصناعي

سجلت مصر أول واقعة ابتزاز من نوعها باستخدام مقطع فيديو مُفبرك جرى تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مُعلنة بذلك دخول البلاد إلى مرحلة جديدة من الجرائم الرقمية التي تضرب سمعة الأفراد وتستهدف حياتهم الخاصة بشكل مباشر وصادم.
القضية تفتح الباب أمام العديد من الأسئلة، أهمها: من يضمن أن الضحية القادمة لن يكون أحدًا منا؟
جريمة فبركة مكتملة الأركان
وقعت الجريمة بعدما تلقى شاب تهديدات بنشر فيديو فاضح منسوب إليه، رغم أنه لم يقم بتصويره أو المشاركة في أحداثه، إلا أن الصور والمشاهد بدت حقيقية إلى حد كبير، ما وضعه في موقفٍ عجز فيه عن الدفاع عن نفسه، قبل أن يقرر اللجوء إلى أجهزة الأمن لوقف الفضيحة.

أكد خبراء في الأمن الرقمي أن مثل هذه المقاطع يتم تركيبها باستخدام صور شخصية متاحة عبر حسابات التواصل الاجتماعي، إذ يمكن أن تستيقظ لتجد نفسك بطلًا في فيديو إباحي لم تشارك فيه، وصاحب فضيحة لم ترتكبها، وذلك باستخدام تقنية تُعرف باسم "Deepfake" أو "التزييف العميق".
فقد يتحول أي شخص إلى ضحية ابتزاز وتشويه سمعة دون أن يملك وسيلة لإثبات براءته أمام سيل من المشاهدات والتعليقات. والكارثة أن مصر سجّلت مؤخرًا أول حالة ابتزاز باستخدام فيديو مفبرك بتقنيات الذكاء الاصطناعي، لتُعلن بذلك دخولنا رسميًا إلى عصر الجريمة الرقمية التي لا تعرف حدودًا.
وبات من المتوقع أن يجد أي شخص نفسه في مشهد لم يعيشه من الأساس، إذ لم يعد ارتكاب الفعل شرطًا لتلحق بك الفضيحة؛ فمجرد صورة عادية قد تكون بداية كابوس.

وتشير الدراسات إلى أن هذه الحوادث لا تقتصر على الشخصيات العامة أو المشاهير فقط، بل يمكن أن تطال موظفًا عاديًا، أو طالبة جامعية، أو حتى ربة منزل.
فالمجرم لا يحتاج إلى أكثر من بضع صور، ليصنع منها مادة جاهزة للابتزاز، ثم يبدأ في الضغط على الضحية مقابل المال أو بهدف إذلالها علنًا.

خبيرة تحذر: صورة عادية قد تتحول إلى فضيحة
بدورها قالت الدكتورة إيناس عبد العزيز، خبيرة الأمن الرقمي، أن الـ Deepfake، هو بداية الحيلة الرقمية
وهو تقنية قائمة على الذكاء الصناعي والشبكات العصبية، تقوم بتحليل آلاف الصور ومقاطع الفيديو لشخص ما، ثم تعلّم تفاصيل وجهه وصوته وحركاته الدقيقة، قبل أن تعيد تركيبها على شخص آخر في فيديو جديد، وتكون النتيجة فيديو مزيف يبدو واقعيًا لدرجة مرعبة، ويمكن أن يظهر فيه شخص يتحدث بما لم يقله أو يمارس أفعالًا لم يفعلها، أو حتى يسمع صوته في مكالمة هاتفية لم يجرها يومًا.
كيف يعمل التزييف
وأكدت خبيرة الأمن الرقمي، أن تقنية الـ Deepfake تعتمد على خوارزميات معقدة تتعلم شكل الوجه وحركة الشفاه ونبرة الصوت، ثم تدمجها مع مقطع فيديو آخر، والخطر أن النتيجة قد تكون مقنعة لدرجة يستحيل على المواطن العادي التمييز بينها وبين الفيديو الحقيقي، مشيرة إلى إن خطورة هذه الظاهرة تكمن في قدرتها على تحويل أبسط الصور إلى أداة للتشهير.

وأوضحت أن أي صورة يضعها الشخص على حسابه يمكن أن تُستخدم لتلفيق مشاهد لم يشارك فيها مطلقًا، مشيرة إلى أن كثيرين يظنون أن الخطر يهدد المشاهير فقط، بينما الحقيقة أنه يطول الجميع.
وأضافت أن خط الدفاع الأول أمام هذه الجرائم هو الحذر في التعامل مع الصور الشخصية؛ فكل صورة تُنشر على فيسبوك أو إنستغرام، أو حتى تُرسل في محادثة خاصة، قد تتحول إلى مادة خام لصناعة فيديو مفبرك. أي شخص مُعرض، سواء كان فنانًا، أو موظفًا، أو طالبة جامعية.
كيف تحمي نفسك؟
كما شددت على ضرورة وعي الأسر والشباب بخطورة هذه المقاطع المفبركة، مؤكدة أنه يجب تجنب نشر صور شخصية حساسة أو في مواقف خاصة.
يُنصح بتفعيل إعدادات الخصوصية في الحسابات الإلكترونية، وعدم مشاركة الصور مع الغرباء أو عبر تطبيقات غير آمنة. وفي حال التعرض للابتزاز، لا يجب دفع أي أموال، بل التوجه فورًا إلى مباحث تكنولوجيا المعلومات.
الرأي الأمني: خطر على المجتمع بأكمله
وفي السياق ذاته، قال اللواء أشرف عبد العزيز، الخبير الأمني، إن خطورة الأمر لا تقف عند حدود التشهير، بل تمتد إلى تهديد الأمن الاجتماعي بأكمله.
وأكد أن أجهزة مباحث تكنولوجيا المعلومات ترصد مثل هذه الجرائم وتتابعها، مشيرًا إلى أن القانون المصري يُجرّم نشر أو ترويج أي مواد فاضحة أو مفبركة، ويُعاقب عليها بالحبس.
وأضاف أن سرعة تطور هذه الأساليب تفرض على الدولة تحديث التشريعات بشكل عاجل، لتتضمن نصوصًا واضحة تُجرّم إنتاج وبث المقاطع المفبركة تحديدًا، واعتبارها جريمة مكتملة الأركان يُعاقب مرتكبوها بعقوبات مشددة، مؤكدًا أن المسألة لم تعد رفاهية، بل أصبحت تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.
وأوضح الخبير الأمني: "على المستوى العالمي، تم رصد مئات الآلاف من المقاطع المشابهة في دول مختلفة، استُخدم معظمها في الابتزاز أو التشهير، وشهدت عدة دول وقائع مأساوية، أبرزها حالات انتحار لمراهقات بعد تداول فيديوهات غير حقيقية لهن، بينما عانى آخرون من العزلة والوصمة الاجتماعية رغم براءتهم التامة من كل ما نُسب إليهم.
وفي أوروبا، أكدت تقارير أمنية أن أكثر من 90% من هذه المقاطع استُخدمت لتشويه سمعة النساء على وجه الخصوص، ما يجعل الخطر مضاعفًا في المجتمعات المحافظة، التي قد تدفع فيها الضحية ثمنًا باهظًا من سمعتها وحياتها الأسرية والاجتماعية."

وتابع الخبير الأمني: "المنظمات الدولية بدورها حذّرت من تزايد هذه الجرائم بمعدل غير مسبوق، مشيرة إلى أن واحدًا من بين كل ثلاثة شباب حول العالم مهدد بالتعرض للابتزاز الرقمي خلال حياته.
أما في المنطقة العربية، فقد ظهرت حالات متفرقة لشخصيات عامة وخاصة وجدت نفسها وسط موجة تشويه لم ترتكب ما يبررها."
كما حذّر الخبراء من أن المستقبل قد يكون أكثر خطورة إذا لم يتم التعامل مع هذه الظاهرة بحسم وسرعة، فالمجرم لم يعد بحاجة إلى سلاح أو مواجهة مباشرة؛ بل يكفيه جهاز حاسوب متصل بالإنترنت ليصنع جريمة مكتملة الأركان، قادرة على تدمير حياة إنسان بريء.