في ذكرى رحيله الـ55.. جمال عبد الناصر قائد غير مجرى التاريخ المصري والعربي

في مثل هذا اليوم من عام 1970، رحل الزعيم جمال عبد الناصر، القائد الذي غير مجرى التاريخ المصري والعربي، تاركا خلفه إرثا سياسيا واجتماعيا كبيرا، كان عبد الناصر رمزا للنضال والتحرر، وحمل على عاتقه آمال وتطلعات شعبه في بناء دولة عادلة ومستقلة، وفاته المفاجئة تركت فراغا كبيرا في المشهد السياسي، وأثرت بشكل كبير على مسار الأحداث في المنطقة.
منذ هزيمة يونيو 1967، بدأت مسيرة جمال عبد الناصر في الانهيار التدريجي، حيث توالت الأحداث بسرعة وأدت إلى نتائج غير متوقعة، كانت الهزيمة القاسية بمثابة صدمة كبيرة لكل من عبد الناصر والشعب الذي بذل جهودا كبيرة لبناء الجمهورية، وتركت بصمة مؤلمة على قلب الزعيم.
نهاية مشوار جمال عبد الناصر
يمكن القول إن جمال عبد الناصر، انتهى مشواره بشكل مفاجئ، فالرجل الذي سيطر على المشهد السياسي العربي منذ ثورة يوليو 1952 وحتى وفاته، وظل محط أنظار الجميع، كان يحظى بتأييد شعبي كبير، وفي الوقت نفسه واجه العديد من التحديات والهزائم السياسية، لتنتهي حياته بتتويج لرحلة طويلة من الصراعات والانكسارات التي حملت في طياتها أسباب وفاته المبكرة.
يونيو 1967: نقطة التحول الفارقة
كانت يونيو 1967، نقطة تحول فارقة في حياة جمال عبد الناصر، حيث أحدثت الهزيمة صدمة كبيرة، تجاوزت كونها مجرد نكسة عابرة، كان عبد الناصر يعي تماما حجم الهزيمة، ويمكن وصفها بأنها زلزال سياسي ونفسي دفع الأمة العربية إلى دوامة من الإحباط والتراجع.
بعد الهزيمة، ألقى جمال عبد الناصر خطاب التنحي الشهير، حيث أعلن تحمل المسؤولية كاملة، لكن الجماهير المصرية الغفيرة التي تجمعت مطالبة ببقائه منحته دفعة قوية وأعادت له الأمل، ورغم هذا الدعم، ظلت آثار الهزيمة عالقة في نفسه وجسده، وعاش بعدها تحت ضغط كبير لإستعادة الكرامة المفقودة، مما أثر على صحته بشكل واضح وملموس.
تحديات عبد الناصر الداخلية والخارجية
لم تكن الحرب وحدها هي العبء الذي حمله عبد الناصر، بل وجد أيضا أن التحالفات التي بناها خلال فترة صعوده لم تكن كافية لتحمل الأزمات، تعرض لخيبات أمل من بعض الأنظمة العربية، وظهرت ترددات في مواقف حلفائه السوفييت، في حين قدمت الولايات المتحدة دعما مطلقا لإسرائيل، مما زاد من تعقيد موقفه.
واجه عبد الناصر، تحديات كبيرة مع شركائه في السلطة، إلى جانب أزمات اقتصادية حادة نتجت عن تكاليف الحرب ومشاريع التنمية الطموحة، كانت هناك فجوة كبيرة بين الطموحات الكبيرة والقدرات المحدودة، وبين التوقعات الشعبية الملحة، والواقع السياسي المتقلب، الذي كان يفتقر إلى الاستقرار.
حرب الاستنزاف وتأثيرها على صحة عبد الناصر
بعد الهزيمة، اتجه عبد الناصر نحو حرب الاستنزاف (1968-1970) على جبهة قناة السويس، سعيا لإعادة بناء الجيش واستعادة الروح المعنوية للشعب، مع الضغط على إسرائيل لإدراك أن احتلالها سيكون له عواقب وخيمة، ورغم أن هذه الحرب أرهقت العدو، إلا أنها أثقلت كاهل مصر أيضا، ومع استمرار المواجهات العسكرية، تدهورت صحة عبد الناصر بشكل ملحوظ، حيث زادت نوبات المرض والإرهاق المستمر، ومع ذلك، بقي مصمما على المقاومة، وكأنه يسعى لإثبات وجوده السياسي رغم التحديات الصحية والضغوط المتزايدة.
جهود عبد الناصر لاحتواء الصراع في الأردن
كانت أحداث أيلول الأسود في الأردن (1970) الضربة الأخيرة التي أنهكت عبد الناصر، حيث نشب صراع عنيف بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية، مما دفعه لتولي دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة، في تلك الفترة، شهدت القاهرة اجتماعات متوترة ومضنية، حيث بذل عبد الناصر جهودا كبيرة لاحتواء الصراع، إلا أن تلك الجهود أثرت بشدة على صحته.
شهد توقيع اتفاق القاهرة بين الملك حسين، وياسر عرفات لحظة انتصار سياسي لعبد الناصر، لكنها كانت أيضا لحظة استنزاف لطاقته، ظهر عبد الناصر متعبا للغاية، حيث غمر العرق وجهه أثناء توقيع الاتفاق أمام الكاميرات، وهو يحاول جاهدا الحفاظ على رباطة جأشه وقوته المعهودة.
اللحظات الأخيرة في حياة عبد الناصر
في ظهر يوم 28 سبتمبر، أنهى عبد الناصر استقباله لقادة الوفود العربية المشاركة في القمة، وكان واضحا عليه التعب الشديد، بعد ذلك، عاد إلى منزله في منشية البكري، حيث التقى أسرته وتناول فنجانا من القهوة، بعد ذلك، شعر بآلام حادة في صدره.
سقط عبد الناصر، على الكرسي فجأة، وباء الأطباء الموجودون، ومنهم الدكتور الصاوي حبيب والدكتور محمود جامع، في محاولات يائسة لإنقاذه، لكن الأزمة القلبية كانت أقوى من كل الجهود، وبعد لحظات من الارتباك والقلق في المنزل، فارق عبد الناصر الحياة عن عمر يناهز 52 عاما.
انتشر خبر وفاة عبد الناصر، بسرعة البرق في مصر والعالم العربي، حيث تجمع الملايين في جنازة مهيبة تعد الأكبر في القاهرة، جسدت ردود الفعل المتنوعة من بكاء وصمت، وتدفق الجموع من كل مكان، عمق المكانة الخاصة التي احتلها عبد الناصر في قلوب الملايين، رغم التحديات التي واجهها، لتبقى ذكراه خالدة في وجدانهم.
حياه جمال عبد الناصر
كان عبد الناصر شغوفا بالقراءة، وخاصة في مجالات الفلسفة والتاريخ، مما ترك أثرا عميقا على رؤيته السياسية وفكره، بالإضافة إلى ذلك، كان مولعا بالرياضة، وبرز اهتمامه بكرة القدم، حيث لم يكن فقط مشجعا بل كان يمارسها بنفسه أحيانا، وعلى الصعيد العائلي، تميز عبد الناصر بعلاقة قوية مع أسرته، فكان زوجا مخلصا وأبا محبا، ويحرص على مشاركتهم في مختلف الأنشطة وقضاء الوقت معهم.
كان عبد الناصر عضوا بارزا في مجموعة "الضباط الأحرار" التي قامت بثورة 23 يوليو 1952، والتي أدت إلى إنهاء الحكم الملكي في مصر وبداية عهد جديد في تاريخ البلاد، ومن أبرز المواقف السياسية لعبد الناصر كان تأميم قناة السويس في عام 1956، حيث استعادت مصر السيطرة الكاملة على القناة، مما عزز السيادة الوطنية، بالإضافة إلى ذلك، كان عبد الناصر من أشد المؤيدين للوحدة العربية، وقد تجسد ذلك في محاولاته لإقامة الجمهورية العربية المتحدة مع سوريا، سعيا لتحقيق التكامل والتعاون بين الدول العربية.
تميز عبد الناصر بتواضعه، حيث فضل العيش في منزل بسيط بدلا من الإقامة في القصور الرئاسية الفاخرة، مما يعكس التزامه بالقيم البسيطة والابتعاد عن مظاهر البذخ، وعلى الصعيد الاجتماعي، عمل عبد الناصر جاهدا على تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال سياسات إصلاحية، مثل توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين، وإقامة المصانع لتوفير فرص عمل للشباب، بهدف تحسين مستوى المعيشة، وتقليص الفجوات الاقتصادية، كما كان عبد الناصر مدافعا قويا عن حقوق الشعب، حيث رفض الظلم والاستبداد، وسعى دائما إلى حماية الحريات والكرامة للجميع.