بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

مدير المركز العربي: مصر منعت التصعيد وفتحت أفاقًا جديدًة للاتفاق النووي الإيراني

هاني سليمان
هاني سليمان

 أعلنت القاهرة عن توصل إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تفاهم جديد بشأن آليات التواصل في أعقاب الضربات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت مواقع نووية إيرانية. خطوة وصفها مدير الوكالة بأنها بداية لاستئناف أنشطة التفتيش، ما يفتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول مستقبل الملف النووي وتداعياته الإقليمية.  


حول أبعاد هذه التطورات وانعكاساتها على مصر والمنطقة، نحاور د. هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدارسات بالقاهرة.

 

بداية.. كيف تقرأون أهمية الاتفاق الأخير الذي ارتبط بمصر ودورها فيه؟


الاتفاق الأخير يمثل نجاحًا كبيرًا للدبلوماسية المصرية، ليس فقط من حيث التوصل إلى تفاهمات بين أطراف متنازعة، بل لأنه أعاد التأكيد على أن لمصر مدرسة راسخة في الوساطة وإدارة الأزمات. فمصر عبر تاريخها الحديث كانت دائمًا لاعبًا محوريًا في القضايا المصيرية، وقد أثبتت أن تدخلها قادر على إحداث فارق ملموس في المشهد الدولي، وهذا ما حدث بالفعل في هذا الاتفاق. الأهمية تكمن في أن العالم كان على أعتاب أزمة معقدة تهدد الأمن والاستقرار، فجاء الدور المصري ليمنع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.

ما طبيعة الدور الذي لعبته مصر في مسار الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني؟ 

 


مصر لم تكتفِ بطرح مبادرات عامة أو دعوات للحوار، بل انخرطت في مسار تفاوضي مباشر وفعّال. خلال فترة قصيرة جدًا استطاعت القاهرة أن تقرّب المسافات بين الأطراف وتُسهِم في صياغة تفاهمات مهمة. هذا التحرك السريع يعكس إدراكًا مصريًا واعيًا لخطورة تفعيل بعض الدول لآليات العقوبات المعروفة بـ"سناب باك"، والتي كانت كفيلة بتفجير الموقف بشكل كامل. مصر حاولت أن تضع محددات جديدة تحفظ مصالح الجميع وتفتح المجال أمام حلول واقعية، وهذا هو جوهر المدرسة المصرية في الدبلوماسية.

إلى أي مدى كان لتدخل مصر أثر على التوترات الإقليمية الأخيرة؟


يمكن القول إن التدخل المصري كان بمثابة صمام أمان. التوتر وصل إلى مستويات خطيرة، خاصة مع تهديدات إسرائيل بالتصعيد العسكري. لو تُرك الأمر دون تدخل لكان من الممكن أن نشهد مواجهة مفتوحة تتجاوز حدود المنطقة. مصر استطاعت أن تُعيد المسار إلى الدبلوماسية، وأن تنسق بشكل مكثف مع الوكالات الدولية لخلق أجواء تسمح بالتهدئة. هذا النجاح لم يكن سهلاً، لكنه يؤكد أن القاهرة لا تتحرك فقط كرد فعل، بل كفاعل رئيسي يسعى لصياغة توازنات جديدة.

كيف تقيّمون التعاون بين مصر والولايات المتحدة في هذا السياق؟


التعاون المصري–الأمريكي كان محورياً. الاتفاق الذي جرى بين الجانبين مثّل رسالة واضحة بأن هناك إرادة مشتركة لتجنيب المنطقة أي مواجهة عسكرية. مصر أظهرت قدرتها على بناء جسور ثقة مع واشنطن من جهة، ومع طهران من جهة أخرى، وهو ما منح الاتفاق مصداقية أكبر. كما أن هذا التعاون عكس استعداد إيران للدخول في مسار تفاوضي حقيقي، وهو ما فتح الباب أمام الوكالات الدولية للقيام بدور أكثر فاعلية في متابعة التزامات الأطراف.

هناك حديث عن تبادل معلومات استخباراتية واتّهامات متبادلة بين طهران وتل أبيب، ما انعكاس ذلك على مستقبل الاتفاق؟

 


بالفعل، الاتهامات المتبادلة وتداول المعلومات الاستخباراتية أضافت مزيدًا من التعقيد على المشهد. لكن علينا أن ندرك أن الملف النووي الإيراني لم يعد مجرد قضية فنية أو تقنية، بل أصبح ملفًا سياسيًا وأمنيًا بامتياز. لذلك، فإن استمرار هذه الأجواء قد يعوق التقدم، لكنه في نفس الوقت يسلط الضوء على أهمية وجود وساطة فاعلة مثل الوساطة المصرية.  الاتفاق لن يُبنى على الثقة المطلقة، بل على إدارة دقيقة للخلافات وضمانات دولية، وهذا ما تعمل عليه القاهرة مع شركائها.

برأيكم، ما الذي يمكن البناء عليه لضمان استقرار الاتفاق؟

 


الأساس هو التركيز على المشتركات. هناك مساحات يمكن أن تجمع الأطراف المختلفة، وإذا جرى استثمارها بشكل جيد يمكن أن تفتح الباب أمام تفاهمات أوسع. نحن بحاجة إلى آليات متابعة شفافة، وضمانات من القوى الكبرى، وأيضًا إرادة حقيقية من الأطراف المعنية لتجنّب الانزلاق نحو التصعيد. مصر تراهن على أن الحلول السياسية والدبلوماسية، مهما بدت معقدة أو بطيئة، تظل أقل تكلفة بكثير من أي مواجهة عسكرية. ومن هنا تأتي أهمية البناء على ما تحقق، وعدم السماح بانهيار ما تم إنجازه.

ما أبرز السيناريوهات المحتملة لمسار البرنامج النووي الإيراني خلال الفترة المقبلة، وما انعكاساتها على أمن المنطقة؟

 


هناك بالفعل أكثر من سيناريو مطروح لمسار البرنامج النووي الإيراني خلال المرحلة المقبلة، وكلها تحمل درجات متفاوتة من الاحتمال والتأثير. السيناريو الأول هو التصعيد المباشر، وذلك عبر تفعيل آليات مثل "سناب باك" أو فرض حزم عقوبات جديدة، الأمر الذي قد يقود إلى زيادة وتيرة تخصيب اليورانيوم بشكل معلن أو حتى سري. هذا التصعيد من شأنه أن يرفع مستوى التوتر ويفرض وقائع جديدة على مسار التفاوض. 
أما السيناريو الثاني فهو الخيار العسكري، وبخاصة من جانب إسرائيل، التي قد تلجأ إلى توجيه ضربات تستهدف منشآت نووية أو مواقع حساسة داخل إيران. مثل هذه العملية ستكون أشد تأثيرًا من المحاولات السابقة، وقد تترك انعكاسات خطيرة على استقرار النظام الإيراني وعلى الأمن الإقليمي ككل. 
في كل الأحوال، يظل الموقف الأميركي عاملاً حاسمًا، سواء من حيث حجم الدعم لإسرائيل أو مستوى الضغوط التي تمارسها واشنطن على طهران. فمدى التدخل الأميركي سيحدد إلى حد كبير طبيعة واتجاه تطورات الملف النووي الإيراني.

تم نسخ الرابط