محافظ الإسماعيلية يوجه بتشكيل لجنة عاجلة لمتابعة استخدام سماد البودريت استجابةً لـ"بلدنا اليوم"

يُعتبر سماد البودريت، أو ما يُطلق عليه علميًا "البلطي"، من أخطر أنواع الأسمدة التي تُستخدم في الزراعة، إذ يتم إنتاجه من مخلفات الصرف الصحي ومخلفات الإنسان، ويُستخدم من قبل بعض المزارعين دون أي رقابة أو عقوبة.
ورغم أن الأسمدة كانت في الماضي من أهم العوامل التي ساعدت في زيادة وتطور الإنتاج الزراعي بعد بناء السد العالي، الذي حرم التربة المصرية من التجدد الطبيعي بالطمى، إلا أن الإفراط في استخدام الأسمدة الكيميائية والعضوية الخطرة تحول إلى تهديد حقيقي لصحة المواطنين، بسبب ما تُسببه من أمراض خطيرة مثل السرطان وأمراض الكبد والفشل الكلوي.
بلاغات وشكاوى من المواطنين
رصد مراسل بلدنا اليوم هذه الكارثة بعد تداول عدة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر أحد المزارعين وهو يستخدم هذا السماد الخطير في أرض زراعية قريبة من منطقة سكنية، مما أثار الذعر بين الأهالي.
تقدم الأهالي بعدة شكاوى، وتبنى مراسل الجريدة هذه القضية، وتم عرضها على محافظ الإسماعيلية، الذي بدوره أصدر تعليماته الفورية للجهات المعنية للتدخل وحل المشكلة.
شهادات وتحذيرات من متخصصين
قال عاطف نصار، موجه أول لغة إنجليزية بمديرية التربية والتعليم، إن سماد البودريت يحتوي على مواد شديدة الخطورة على صحة الإنسان، حيث يضم مخلفات المستشفيات التي قد تحمل أمراضًا معدية، بالإضافة إلى صرف المصانع الذي يحتوي على نسب عالية من الرصاص، وفضلات البشر التي تحمل العديد من الميكروبات والفيروسات.
وأوضح أن هذه المواد تنتقل إلى الإنسان سواء عبر التلامس المباشر مع الثمار، أو بشكل غير مباشر عبر امتصاصها من التربة، مؤكدًا أن نسبة الرصاص العالية تؤدي إلى تدمير خصوبة التربة الزراعية خلال سنوات معدودة.
آثار واضحة على المحاصيل
نتيجة تدهور التربة، يُضطر المزارعون إلى ردم الأراضي سنويًا بطبقة من التربة الصفراء لتعويض الخسائر، إلا أن هذا لا يمنع من تلوث المحاصيل.
وبحسب نصار، فإن آثار استخدام هذا السماد تُلاحظ بالعين المجردة، حيث:
يتغير لون الثمار إلى الأسود خلال ساعات من جمعها.
تنتشر الديدان داخل الثمار بشكل ظاهر.
تفقد الفواكه ذات الروائح المميزة رائحتها وطعمها.
تتعرض بعض المحاصيل لتلف سريع وفقدان جودتها.
وأضاف أن محصول الفراولة تحديدًا يُعد من أكثر المحاصيل المتضررة، حيث تُزرع نسبة تصل إلى 95% من المساحات المخصصة له باستخدام هذا السماد السام.

أوضح المهندس محمد مجدي، مهندس زراعي، أن زيادة نسبة استخدام سماد البودريت يؤدي إلى ارتفاع المحتوى العضوي الضار في التربة، على عكس ما يحدث عند استخدام الأسمدة العضوية الأخرى الآمنة.
وأشار إلى أن الأسمدة العضوية السليمة يتم تجميعها من مخلفات حيوانية أو مخلفات مصانع الأغذية، ثم تخضع لعملية "الكمر" (تصنيع سماد الكومبوست)، وهي عملية آمنة من الناحية البيئية. فخلال عملية الكمر ترتفع درجة الحرارة داخل كومة السماد، مما يؤدي إلى قتل الكائنات الدقيقة الضارة بصحة الإنسان، بالإضافة إلى تحلل المواد العضوية المعقدة، لينتج عنها سماد عضوي سهل الامتصاص غني بالعناصر الغذائية اللازمة للنبات.
وأضاف أن هذه النوعية من الأسمدة ترفع من كفاءة التربة الزراعية وتُحسّن من إنتاجية المحصول، على عكس "البودريت" الذي يؤدي إلى تدهور جودة التربة وتراكم الملوثات الضارة.
استجابة رسمية سريعة لمواجهة الأزمة
من جانبه، صرّح المحاسب مدحت عباس، رئيس مركز ومدينة القصاصين، أنه تم عرض مشكلة استخدام سماد البودريت قبل أسبوع، وتم إعداد دراسة جدوى عاجلة لوضع حلول فعالة للأزمة.
وأوضح أنه فور رصد الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي وتلقي شكاوى رسمية من المواطنين موقّعة من أهالي المنطقة، تم إرسال الشكاوى إلى الجهات المعنية المختصة.
وفي غضون 48 ساعة فقط، تم تشكيل لجنة مختصة، قامت بإجراء معاينة ميدانية فورية، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق أصحاب الأراضي المتورطين في استخدام هذا السماد، إلى جانب تحرير محاضر ضد سائقي المركبات التي تقوم بنقل هذه المخلفات الزراعية الضارة.

قال الدكتور محمد شطا، وكيل وزارة الزراعة بمحافظة الإسماعيلية، إنه فور إبلاغ معالي الوزير اللواء أركان حرب أكرم جلال، محافظ الإسماعيلية، بالمشكلة، تم تشكيل لجنة موسعة تضم ممثلين من مديرية الزراعة، وجهاز شؤون البيئة، وإدارة حماية الأراضي، ومجلس مدينة القصاصين، وذلك لمعاينة الأراضي ميدانيًا التي يُشتبه باستخدامها لسماد "البودريت" غير المعالج.
وأوضح شطا أن اللجنة قامت بالنزول الفوري إلى أرض الواقع، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين ممن ثبت استخدامهم لهذا السماد الضار، والذي يُسبب أضرارًا جسيمة، أبرزها الرائحة الكريهة والتلوث البيئي، إلى جانب تهديد الصحة العامة خاصة عند استخدامه في زراعة الخضروات التي تُؤكل طازجة.
وأكد أن المديرية بدأت في حصر شامل لجميع المزارعين الذين يستخدمون سماد "البودريت" في منطقة القصاصين، باعتبارها المنطقة التي تتركز فيها هذه الممارسات. وتم إصدار توجيه مباشر لمدير إدارة القصاصين الزراعية بإطلاق حملة عاجلة لرصد هؤلاء المزارعين، وتحديد مواقعهم بدقة، تمهيدًا لـاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقهم لحماية صحة المواطنين.
وأشار شطا إلى أنه سيتم أيضًا مخاطبة جميع الجهات المعنية بالأمر، كما تم إبلاغ رؤساء الوحدات المحلية بضرورة التحرك لرفع هذا السماد من الأراضي الزراعية، مع دراسة توجيه استخدامه في المسطحات الخضراء (النجيل) بدلاً من استخدامه في المحاصيل الغذائية، في حال تم معالجته والتأكد من أمانه.

وأشار الدكتور محمد شطا إلى أن تشبع التربة بالأسمدة غير المعالجة وغير المجهزة للامتصاص يؤدي إلى ظهور أمراض خطيرة في المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى انتشار الحشائش الضارة التي تضر بالمحصول وتنعكس سلبيًا على صحة الإنسان.
وأوضح أنه يمكن التعرف على المحاصيل المتضررة بسهولة، خصوصًا في منتجات مثل الطماطم والفراولة، حيث تظهر عليها علامات التلف والفساد سريعًا.
وأكد ضرورة عدم استخدام أي نوع من أنواع "سماد البلطي" (البودريت) ما لم يتم معالجته جيدًا قبل التسميد، لأنه يتسبب في موت الجنين داخل البذور، وبالتالي تلف الثمار قبل إنباتها.
وأضاف أن هذا السماد المعروف شعبيًا باسم "الحمقى"، هو في الحقيقة ناتج عن المخلفات البشرية الخام التي تُجمع وتُباع للفلاحين على أنها "أسمدة معالجة"، بينما تحتوي على كميات هائلة من الأمراض والديدان والطفيليات التي تُلحق أضرارًا بالغة بالأراضي الزراعية والمحاصيل.
تكثيف الندوات التوعوية لمواجهة مخاطر الأسمدة غير الصالحة
وأكد شطا أن النقابة الزراعية تنظم ندوات توعية دورية للفلاحين، تحذر فيها من استخدام "بلطي الحمقى" دون معالجة مسبقة. وتشمل المعالجة:
تعريض السماد لفترات كافية تحت أشعة الشمس.
خلطه بـ أسمدة عضوية أزوتية، وتبن القمح، ومكونات أخرى يعرفها الفلاحون.
ضمان قتل البكتيريا والميكروبات الضارة قبل استخدامه في الأراضي.
ودعا إلى التعاون مع إدارات الصرف الصحي والمعالف الخاصة في جميع المحافظات لمعالجة هذه المخلفات باستخدام مضادات فعالة تقضي على الملوثات قبل وصولها إلى الأرض الزراعية.
وأشار إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب مشاركة مجتمعية حقيقية من جميع الجهات، مطالبًا الحكومة بضرورة إصدار قوانين صارمة تُجرّم استخدام الأسمدة غير المعالجة، حفاظًا على التربة الزراعية وصحة المواطنين، خصوصًا في ظل الاحتياج الشديد لكل شبر من الأراضي الزراعية في الوقت الراهن.
تحقيق عاجل بأوامر من محافظ الإسماعيلية
في سياق متصل، أصدر اللواء طيار أركان حرب أكرم محمد جلال، محافظ الإسماعيلية، أمرًا بفتح تحقيق عاجل بشأن الشكاوى المقدمة من أهالي مركز ومدينة القصاصين حول استخدام بعض المزارعين لسماد الصرف الصحي في الزراعة.
وكلف المحافظ رئيس إدارة البيئة بتنفيذ زيارة ميدانية فورية للمنطقة، ومعاينة الأراضي المتأثرة، والتنسيق مع مجلس المدينة لإعداد تقرير شامل وعاجل حول خطورة هذه الأسمدة، والآثار التي قد تترتب على استمرار استخدامها.
