الوضع الاقتصادي قبل انتصار أكتوبر.. الخزينة فاضية

في مطلع السبعينيات، كانت مصر تخوض معركة من نوع آخر قبل أن تبدأ نيران حرب أكتوبر، فبعد نكسة 1967، واجهت مصر أزمة اقتصادية خانقة أنهكت مواردها واستنزفت طاقتها، إذ اتجهت معظم المخصصات إلى إعادة بناء الجيش وتسليحه، فيما تراجعت معدلات الإنتاج الزراعي والصناعي، وتقلصت إيرادات الدولة بفقدان قناة السويس ومصادر النقد الأجنبي.
السادات عن الوضع الاقتصادي.. التركة الاقتصادية التي ورثتها أسوء من التركة السياسية
يقول الرئيس الراحل أنور السادات في كتابه الشهير “البحث عن الذات” إن التركة الاقتصادية التي ورثها بعد توليه الحكم كانت أسوأ بكثير من التركة السياسية، واستشهد في ذلك بلقاء جمعه مع الدكتور حسن عباس زكي وزير المالية حينها والذي كشف له أن "الخزينة فاضية" والدولة على وشك الإفلاس.
وكشف السادات أنه اقترض 20 مليون جنيه لكنها لم تكن كافية لإنقاذ الموقف الاقتصادي بل أنه شعر بالذعر عندما شعر بأن الأزمة ربما تؤدي لعدم القدرة على صرف رواتب العسكريين على الجبهة ما جعله يسارع بالعمل على توفير مخصصات مالية بمختلف السبل من أجل استكمال بناء الجيش المصري لأنه كان مؤمنًا أن التدهور الإقتصادي كان عرضًا من أعراض الهزيمة والحل يكمن في تحقيق انتصار عسكري على دولة الاحتلال.
لماذا كان الاقتصاد متدهورا قبل انتصار أكتوبر؟
بسبب سياسات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالإضافة لعدة عوامل ظهرت بعد نكسة 1967 تراجع الاقتصاد المصري لأدنى مستوياته بما لا يبشر بإمكانية الدخول في معركة عسكرية كبرى كالتي صنعتها القوات المسلحة المصرية في أكتوبر 1973.
أنفقت مصر أموالًا طائلة بسبب إصرار عبد الناصر على التدخل لنصرة الثورة اليمنية، فقد وصل حجم الجنود المرسلين للقتال في اليمن عام 1965 إلى نحو 70 ألف مقاتل ما شكل عبئا على الخزينة المصرية حينها.
ويبدو من تعليق صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات حينها كيف كان الوضع في اليمن سيئا حيث قال إن اليمن كانت كمجاهل بالنسبة لنا لا نعرف معالمها، كما أن “شابتاي شافيت” رئيس المخابرات الإسرائيلية الأسبق ذكر في حديث صحفي لصحيفة هارتس في فبراير 2000، أن بلاده حرصت على توريط مصر في حرب اليمن لإضعاف قدرتها الاقتصادية والعسكرية.
وفقدت مصر كامل إيرادات قناة السويس عقب نكسة 1967 ما تسبب في خسارة نحو 250 مليون دولار سنويا، وتوقفت حقول البترول في سيناء والسويس عن العمل؛ لتزداد الأعباء على الخزينة المصرية مع تراجع مصادر الدخل.
ويوضح الدكتور جلال أمين في كتابه “قصة الاقتصاد المصري” أن السياحة كانت تجلب لمصر نحو 100 مليون دولار وبعد النكسة تراجعت بحدة، كما أن تكلفت نفقة تهجير أهالي مدن القناة أمولا طائلة فاقمت من الأزمة الاقتصادية.
انتصار أكتوبر لتصحيح الوضع الاقتصادي
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي خاضتها مصر خلال سنوات الاستعداد للمعركة، لم يكن أمام الرئيس السادات خيارًا آخر لتصحيح الوضع إلا بتحقيق نصر عسكري يعيد أرض سيناء المغتصبة ومن ثما تنطلق مصر اقتصاديًا من جديد.
ليبدء السادات سلسلة من الجهود لتوفير التمويل اللازم لاستكمال بناء الجيش وسد الاحتياجات الاجتماعية الأخرى عبر تقليل الإنفاق الحكومي واعتماد ميزانية المعركة في فبراير 1973 والتي أعلنها الدكتور عزيز صدقي رئيس الوزراء حينها.
واستطاعت القوات المسلحة المصرية في يوم السادس من أكتوبر 1973 أن تلحق هزيمة فادحة بالقوات الإسرائيلية التي لم تكن تتوقع أن تشن مصر هجومًا كاسحًا في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة.