بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

عصام التيجي .. يكتب .. مصر تقود اليونسكو في يوم العبور العظيم 

بلدنا اليوم


من بين أروقة الزمن نهضت مصر تمد يدها إلى الإنسانية بقبس من نورها القديم ، لتعيد للثقافة صوتها المسموع وللحضارة قلبها النابض ، فمن معابد الأقصر إلى أروقة اليونسكو انتقل صوت الكهنة والعلماء والشعراء في هيئة رجل آمن بأن الثقافة ليست رفاهية بل هوية وبقاء .

 

هكذا خط الدكتور خالد العناني فصلًا جديدًا في سجل الإبداع المصري ، حين اختاره العالم أمينًا على ذاكرة الأرض ومديرًا عامًا للمنظمة الأممية التي تعني بالعلم والتربية والثقافة ، في انتصارٍ رمزيٍ لحضارة ما زالت قادرة على أن تُعلٌم العالم دروس الخلود .

 

   تصويت حاسم وتأييد واسع

 

ففي جلسة حاسمة للمجلس التنفيذي لليونسكو ، جاء التصويت ليحسم السباق لصالح المرشح المصري بفارق كبير ، متفوقًا على منافسه الكونغولي إدوارد فيرمين ماتوكو ، حيث حصل العناني على 55 صوتًا مقابل صوتين فقط للمنافس الآخر ، بعد جولات من المشاورات الدبلوماسية الهادئة والمكثفة ، وبذلك تنتقل مصر من موقع العضو الفاعل إلى موقع القائد ، في انتظار التصديق الرسمي من الجمعية العامة للمنظمة في نوفمبر المقبل ، وهو ما وصفته الصحافة العالمية بأنه انتصار رمزي للحضارة الأقدم في العالم .

 

وهكذا حمل الدكتور خالد العناني مشعل النور ، بعد أن تم ترشيحه رسميًا منذ أبريل 2023 طارحًا رؤية واضحة حملت شعار "تواصل واستماع ومشروعات عملية في مجالات حماية التراث ، والتعليم من أجل التسامح" ، مؤكدًا أن الإنسان هو محور كل تنمية ثقافية ، ليصبح أول عربي يُنتخب مديرًا عامًا لمنظمة اليونسكو ، التي تحفظ ذاكرة الإنسانية وتصون تراثها المشترك .

 

من عالم المصريات إلى قيادة اليونسكو

 

والدكتور خالد العناني الذي شغل منصبي وزير الآثار ثم وزير السياحة والآثار في مصر هو باحث وأستاذ متخصص في علوم المصريات وله حضور أكاديمي ودبلوماسي واضح في موضوعات التراث والمتاحف والتنمية الثقافية ، فلم يكن وجهًا سياسيًا طارئًا ، بل أحد رموز المعرفة الحديثة بتاريخ مصر القديم ، حيث قاد مشروعات كبرى كشفت عن كنوز أثرية جديدة ، وأشرف على افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية ، وكان من أبرز مهندسي افتتاح طريق الكباش بالأقصر ، الحدث الذي لفت أنظار العالم إلى عبقرية الحضور المصري ، آمن بأن التراث ليس ماضيًا محفوظًا في المتاحف ، بل قوة ناعمة تصنع المستقبل .

 

من هذا التاريخ المفعم بالإنجازات كانت حيثيات تأييد وفوز المرشح المصري خالد العناني ، بالإضافة إلى الدعم الإقليمي القوي من البلدان العربية والإفريقية ، غير أن بعض الدول في المجلس التنفيذي اعتبرت أن قيادة من إقليم الشمال الإفريقي "الشرق الأوسط" قد تساعد في إعادة توازن التمثيل الجغرافي داخل الجهاز القيادي للأمم المتحدة .

 

تحديات العناني في المرحلة الجديدة

ويواجه المدير العام المنتخب تحديات جمة خلال فترة ولايته التي تمتد أربع سنوات "2025 - 2029" أبرزها : مشكلة التمويل الناتجة عن انسحاب بعض المانحين الكبار .. ضرورة بناء شراكات جديدة مع القطاع الخاص لتعويض العجز المالي .. إدارة الخلافات السياسية والثقافية بين الدول الأعضاء بنزاهة وحياد .. تحديث برامج الحماية والحفاظ على التراث ، وهي مهام جسيمة تتطلب مزيجًا من الحكمة الإدارية والخبرة الثقافية .

 

فوز الدكتور خالد العناني ليس مجرد انتصار شخصي ، بل هو انتصار دبلوماسي ، وعبور جديد لمصر في يوم العبور العظيم "السادس من أكتوبر" يوم الإرادة والتحدي والنصر المبين .



فكما عبرت مصر من ضفة الحرب إلى ضفة السلام ، تعبر اليوم من ضفة التلقي إلى ضفة القيادة ، لتؤكد للعالم أن أم الحضارة لا تزال قادرة على صياغة مستقبل الإنسانية بثقافة مستنيرة ، وعقل يُقدًر قيمة العلم والجمال .

تم نسخ الرابط