حماس والمستقبل.. سؤال المصير بعد اتفاق وقف إطلاق النار (تحليل)
بعد عامين من القتال، نجحت مصر والولايات المتحدة الأمريكية وقطر وتركيا في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وهو الاتفاق الذي جرى توقيعه من قبل الوسطاء الضامنين في قمة شرم الشيخ التي حضرها الرئيس الأمريكي وعدد من قادة دول المنطقة والعالم بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وبينما يتضمن الاتفاق الذي وافقت عليه كل من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وإسرائيل موافقة على المرحلة الأولى بأن ينخرط الطرفان في مفاوضات للوصول إلى وقف مستدام لإطلاق النار، شغل سؤال مصير حماس ومستقبلها حيزًا من النقاش خلال الفترة الأخيرة، فمبادئ الاتفاق تنص على ألا تتولى حماس مسؤولية السلطة والإدارة في قطاع غزة في المرحلة التالية للحرب.
وبالإضافة لعدم وجودها في السلطة أو الإدارة في غزة، تتضمن مبادئ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العشرون التي أبرم على أساسها اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة على نزع سلاح حماس، وهو مبدأ لم توافق عليه الحركة إلى الآن، بل إن التصريحات التي صدرت عن قيادة الوفد المفاوض للحركة أشارت إلى أن قضية نزع السلاح لم يتم التطرق إليها.
خلافات قد تعوق الانتقال للمراحل التالية
وتؤكد المعلومات المتوافرة أن قضية سلاح حماس والفصائل الفلسطينية لم يتم تناولها في مفاوضات المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار، وهذا لا يعني أنه لن يتم تناولها في المرحلة المقبلة، وإنما تأجيلها فقط لعدم نسف المفاوضات، وأن هناك مفاوضات تالية ستتم بشأن كل القضايا الخلافية بما في ذلك وضع ووجود حماس وقيادتها في القطاع في المستقبل.

وتطرح التطورات المتسارعة خلال الفترة الماضية مزيدا من التساؤلات حول مستقبل حماس ووضعها، فالحركة التي بلغت أوج قوتها العسكرية قبل عملية طوفان الأقصى، في الـ7 من أكتوبر 2023، وظلت تتفرد بحكم القطاع طوال ستة عشر عامًا، منذ الانقسام الفلسطيني والاقتتال مع حركة فتح في 2007، تقف أمام تحدٍّ فارق في مسيرتها التي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي.
استنزاف غير مسبوق
وتعرضت الحركة لاستنزاف غير مسبوق خلال سنتين كاملتين من القتال، استهدفت فيها إسرائيل قيادتها العليا وقتل جل قادتها البارزين وفي مقدمتهم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة الأسبق، ثم يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي السابق ورئيس مكتب غزة من قبل، وروحي مشتهي المعدود رئيس الوزراء في الحركة، والذي كان مكلفًا بالإدارة المدنية في غزة خلال فترة الحرب، وعدد كبير جدًّا من القادة السياسيين والكوادر على مستوى الشعب والمناطق المختلفة في كامل قطاع غزة، فضلًا عن أن إسرائيل حاولت اغتيال آخرين من قادة المكتب السياسي وفيهم خليل الحية، رئيس وفد الحركة المفاوض ورئيس مكتب غزة حاليًّا، وزاهر جبارين مسؤول ملف الأسرى ورئيس مكتب الضفة وآخرين.

ضربات عسكرية قاصمة
وعلى المستوى العسكري، تعرضت الحركة لضربات قوية للغاية، وخسرت نحو 80% من قدراتها العسكرية على صعيد مختلف الألوية الخمسة التي تتكون منها كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكري لحماس، وهي ألوية: الشمال، وغزة، والوسطى، وخان يونس، ورفح. وهذا يعني أن الحركة ستحتاج لوقت طويل من أجل إعادة بناء نفسها على المستوى التنظيمي، وستحتاج لأن تقوم بعملية تجنيد واستقطاب جديدة لن تكون سهلة أو بسيطة في ظل وضع جديد ستنتشر فيه قوات دولية "قوة الاستقرار الدولي"، وستتشارك فيه دول وأطراف عدة في صياغة مستقبل القطاع.
غضب شعبي
وعلى صعيد الحاضنة الشعبية، أدت الحرب الأخيرة لمقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين ودمار واسع النطاق وغير مسبوق في قطاع غزة؛ وبالتالي أثر ذلك على ميول وقناعات الكثير من الغزاويين، والحركة لم تنجح مع ذلك في احتواء حالة الغضب الشعبي تجاهها، ولم يكن تعاملها في فترة الحرب متناسبًا مع حجم التحدي الذي تُشكله؛ ولذا قامت بفرض ضرائب على البائعين وأصحاب الخدمات، وعملت على توظيف الحرب للحفاظ على جزء من الموارد التي تدفقت لخزينتها في لحظة مفصلية في عمر الصراع مع إسرائيل.

صدامات مع عائلات
ثم كان أن دخلت الحركة في صدامات مع عائلات غزاوية كبيرة، وآخرها عائلة دغمش، وهذه الصدامات لها جذور قديمة تسبق الحرب الأخيرة في قطاع غزة، فالقطاع قبل 2007 شهد صدامات بين العائلات الكبيرة وبعضها بعضا، وعندما انفردت حركة حماس بالحكم في غزة عملت على ضبط الوضع الداخلي، وكسرت شوكة عديد من العائلات التي دخلت في صدامات مسلحة، وانعكس ذلك على حالة الأمن الداخلي في القطاع في تلك الفترة.
تهديد ميليشيات
أما الآن فحماس تواجه تحديات انخفاض شعبيتها، وتواجه تهديد المليشيات التي تشكلت في مناطق جنوب وشمال قطاع غزة وأبرزها مليشيا القوات الشعبية المعروفة بمليشيا ياسر أبو شباب في رفح، ومليشيا حسام الأسطل في خان يونس، ومليشيا أشرف المنسي التي تسمي نفسها القوات الشعبية فرع الشمال، ويُعتقََد أنها على صلة بمليشيا أبو شباب.

أزمة مالية طاحنة
وبخلاف مشكلة التجنيد والتهديد الأمني للحركة وعدم قدرتها على بسط سيطرتها على كامل مناطق القطاع، تواجه الحركة أزمة مالية كبيرة؛ فالحرب استنزفتها إلى حد كبير، والخلافات الداخلية خلال الفترة الماضية أدت لانفصال بعض كوادر الحركة عنها ومعهم مشروعات كانت تدر دخلًا على حماس؛ ومن ثم فإنها ستواجه تحديًا اقتصاديًّا إضافيًّا في هذا الجانب.
وتعطي كل هذه التفاصيل صورة عامة عن وضع قطاع غزة ومستقبل حركة حماس التي تقف أمام تحديات تفوق قدراتها في اللحظة الحالية، وتواجه كذلك تحديًا لشرعية وجودها الذي استمدته من خيار المقاومة المسلحة في مقابل خيار العمل السياسي والتطبيع الذي سارت فيه منظمة التحرير الفلسطينية، ووقعت خلاله على اتفاقية أوسلو 1993، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن الحركة ستواجه مستقبلًا صعبًا، وسيكون عليها التغلب على أزماتها الداخلية وصراعات القيادة فيها، وأن تحسم خياراتها الاستراتيجية قبل أن تقرر المضي قدمًا، وإلا فإن التالي سيكون مزيدًا من الخسائر لها في واحدة من أكثر اللحظات التاريخية حساسية بالنسبة للقضية الفلسطينية.








