وفاة ديك تشيني.. مهندس غزو العراق والذراع اليمنى لجورج بوش الابن
توفي ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق في عهد جورج بوش الابن، عن عمر ناهز 84 عامًا بعد صراع طويل مع المرض، نتيجة مضاعفات الالتهاب الرئوي وأمراض القلب والأوعية الدموية، بحسب ما أعلنت عائلته في بيان رسمي اليوم.
وعُرف تشيني بمعاناته المزمنة مع أمراض القلب، إذ نجا من عدة نوبات قلبية قبل أن يخضع لعملية زراعة قلب ناجحة عام 2012، مكّنته من مواصلة حياته لسنوات لاحقة.
من شخصية مؤثرة إلى عزلة سياسية
ذكرت شبكة CNN أن تشيني، الذي شغل منصب نائب الرئيس الأمريكي لفترتين بين عامي 2001 و2009، كان لعقود شخصية محورية ومثيرة للجدل في السياسة الأمريكية، ومع مرور الوقت، ورغم تمسكه بمواقفه المحافظة المتشددة، وجد نفسه معزولاً داخل الحزب الجمهوري بسبب مواقفه المنتقدة للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي وصفه تشيني بأنه "جبان" و"أكبر تهديد في تاريخ الولايات المتحدة".
وفي تحول لافت، أعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس في انتخابات 2024، في إشارة واضحة إلى ابتعاده عن الخط الحالي لقيادة الجمهوريين.
مسيرة سياسية حافلة
بدأ تشيني مسيرته السياسية نائبًا عن ولاية وايومنغ، ثم عمل كبيرًا لموظفي البيت الأبيض ووزيرًا للدفاع، قبل انتقاله إلى القطاع الخاص.
وعندما كلفه جورج بوش الابن عام 2000 بالبحث عن مرشح لمنصب نائب الرئيس، انتهى الأمر باختياره هو نفسه لهذا المنصب، رغم محدودية خبرته الانتخابية المباشرة آنذاك.
لحظة التحول بعد 11 سبتمبر
في صباح 11 سبتمبر 2001، كان تشيني في البيت الأبيض عندما اصطدمت الطائرة الثانية بالبرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي في نيويورك. وقد صرّح لاحقًا بأن تلك اللحظة غيّرته جذريًا، وجعلته مصممًا على الرد بقوة على تنظيم القاعدة وتوسيع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفق عقيدة المحافظين الجدد القائمة على الحرب الاستباقية وتغيير الأنظمة.
ومن غرفة العمليات تحت الأرض في البيت الأبيض، تولى تشيني إدارة الأزمة، وأصدر أوامر تسمح بإسقاط الطائرات المدنية المختطفة إذا كانت تهدد مقرات الحكومة، ليصبح لاحقًا رمزًا للسلطة الخفية في "الحرب على الإرهاب".
هندسة غزو العراق
كان تشيني من أبرز الداعمين للحرب في أفغانستان ضد طالبان، ثم قاد الجهود لتوسيعها إلى العراق بهدف إسقاط نظام الرئيس صدام حسين عام 2003.
واعتمدت مواقفه حينها على مزاعم بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل ووجود صلة بين بغداد وتنظيم القاعدة، وهي ادعاءات تبيّن لاحقًا أنها غير دقيقة، بحسب التحقيقات اللاحقة التي أكدت أن إدارة بوش، بما في ذلك تشيني، ضخّمت أو حرّفت المعلومات الاستخباراتية المتاحة.
ورغم ذلك، ظل تشيني مصرًا على أن قراراته كانت "صحيحة" بناءً على ما توفر حينها من معلومات.
دفاعه عن سياسات التعذيب
اشتهر تشيني بدفاعه الصارم عن أساليب الاستجواب القاسية مثل الإيهام بالغرق، معتبراً إياها ضرورية لحماية الأمن القومي، كما دافع عن استمرار اعتقال المشتبه بهم في معتقل غوانتنامو دون محاكمة.
وفي مقابلة عام 2014، قال ردًا على تقرير مجلس الشيوخ الذي وصف تلك الممارسات بأنها "تعذيب": "كنت سأفعل الأمر ذاته مرة أخرى دون تردد."
وفي عام 2015، جدد موقفه من حرب العراق قائلاً: "كان القرار صائبًا في حينه، وما زلت أؤمن بذلك حتى اليوم."
ورحل ديك تشيني تاركًا خلفه إرثًا مثيرًا للجدل، يجمع بين النفوذ السياسي الهائل، والقرارات التي غيّرت وجه السياسة الأمريكية والعالم لعقود.