عصام التيجي .. يكتب من المتحف الكبير إلى البرلمان .. مصر تجدد إرادتها
حراكٌ سياسيٌّ وثقافيٌّ تعيشه مصر هذه الأيام ، يؤكد قدرتها الدائمة على اختبار وعي مواطنيها ، واستنهاض طاقاتهم في مواجهة التحديات وتجاوز الصعاب .
فما بين إدراكٍ عميقٍ لقيمة التاريخ وصون الحضارة ، وبين وعيٍ سياسيٍّ يتجسّد في اختيار من يمثل الشعب تحت قبة البرلمان .. تبدأ الحكاية .*
*حكايةُ وطنٍ لا يتوقف عن التجديد ، يدرك متى يراجع ذاته ، ومتى يعلن إرادته .*
منذ أيامٍ قليلة ، شهدت مصر افتتاح المتحف المصري الكبير ، حين تجلّت إرادتها في نفض الغبار عن تاريخها العريق ، واستحضار روح ماضيها الذي صنع حضارةً لا تنتهي ، لتُبهِر العالم بأكبر صرحٍ أثريٍّ يروي قصة شعبٍ علّم الدنيا فنون العمارة والفلك والطب والسياسة وصناعة التاريخ .
وبالأمس القريب ، كانت انتخابات مجلس الشيوخ التي رسّخت عودة الغرفة الثانية للبرلمان ، لتكتمل منظومة الحياة النيابية بتوازنها وخبراتها المتنوعة .
واليوم ، تتجه الأنظار إلى انتخابات مجلس النواب ، التي تمثّل الوجه الآخر للمشهد الديمقراطي ، حيث يلتقي صوت الشعب بإرادته الحرة لاختيار من يحمل أمانة تمثيله ويدافع عن قضاياه .
ومنذ انطلاق التجربة النيابية في مصر عام 1866 ، ظل البرلمان مرآةً لنبض الشارع ، وميدانًا تتفاعل فيه الأفكار والتوجهات لصياغة مستقبل الوطن .
واليوم تمضي مصر بخطى واثقة نحو ترسيخ دعائم جمهوريتها الجديدة ، التي تضع المواطن في قلب أولوياتها .
تتجلّى ملامح هذه الانتخابات في دقّة التنظيم ونزاهة الإجراءات ، بمتابعة الهيئة الوطنية للانتخابات التي عزّزت ثقة المواطن في حياد مؤسسات الدولة .
كما تعكس المشاركة الواسعة من الشباب والنساء وسائر فئات المجتمع وعيًا متزايدًا بأهمية دور البرلمان في صناعة القرار الوطني .
فالانتخابات ليست تنافسًا على المقاعد ، بل سباقًا بين البرامج والرؤى ، بين من يعبّر بصدقٍ عن احتياجات الناس ، ومن يملك إرادة العمل لا وعود الكلام .
إنها لحظة وعيٍ وطنيٍّ يدرك فيها الناخب أن البرلمان هو عقل الدولة وصوتها الرقابي الذي يصون مصالح الشعب .
وفي كل مرةٍ يضع فيها المصري صوته في صندوق الاقتراع ، يكتب سطرًا جديدًا في سجل الديمقراطية ، مؤكدًا أن مصر قادرةٌ على مواصلة طريقها بثقةٍ وإصرار ، لأن إرادة أبنائها هي التي تصنع المستقبل .
تأتي هذه الانتخابات في مرحلةٍ دقيقة من بناء الجمهورية الجديدة ، حيث تُؤسَّس المشاركة على الوعي والمسؤولية .
فالمواطن الذي لبّى نداء الوطن بالأمس ، يعود اليوم ليجدّد العهد ، مؤمنًا بأن المشاركة ليست ورقة اقتراع ، بل شهادة انتماءٍ وولاءٍ لمصر ومستقبلها .
*وهكذا ، تمضي مصر في مسيرتها المتجددة ، لا تفصل بين ماضيها العريق وحاضرها الواعد ، بل تصوغ منهما معًا ملامح مستقبلها .*
*فكما أعادت إلى العالم ذاكرة التاريخ من بوابة المتحف الكبير ، ها هي اليوم تعيد إلى الديمقراطية وهجها من تحت قبة البرلمان .*
*إنها مصر التي تعرف طريقها دائمًا ، تجدد ذاتها بإرادة شعبها ، وتكتب فصول حكايتها بأيدٍ مؤمنة بأن الوطن لا يُبنى إلا بالوعي والعمل ، ولا ينهض إلا إذا التقى التاريخ بالمستقبل على أرض واحدة اسمها مصر .

