بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

تلال الفسطاط: من مقلب نفايات إلى أكبر حديقة خضراء في الشرق الأوسط

حديقة الفسطاط
حديقة الفسطاط

تخيل أن تكون في قلب القاهرة التاريخية العريقة، حيث يلتقي النيل الأزلي بأصداء الأذان من جامع عمرو بن العاص، وفجأة تتحول تلال مهملة مليئة بالقمامة والعشوائيات إلى واحة خضراء شاسعة تطل على الأهرامات وقلعة صلاح الدين، هذه ليست قصة من فيلم خيالي، بل واقع مشروع "تلال الفسطاط"، أو حديقة الفسطاط كما يعرفها الكثيرون، الذي يمثل أحد أبرز إنجازات التنمية الحضرية في مصر.

منذ أن كانت "تلال الفسطاط" أرضًا مترامية في السبعينيات، مرورًا بأيامها كمتنفس في الثمانينيات حيث شهدت خلال هذه الفترة توسعا عمرانيا كبير نتيجة الزحف العمراني بعد ثورة يوليو 1952 مما ادى الى بناء وأحياء وحدائق في أجزاء منها، وحتى تحولها اليوم إلى مشروع عملاق يغطي 500 فدانًا، تكشف قصة هذه الحديقة عن رحلة إعادة إحياء تراث مدينة الألفة رمضان.

من الظلام إلى ضوء أخضر خافت

تعود جذور حديقة الفسطاط إلى عام 1970، عندما كانت المنطقة مجرد مقلب عام للمخلفات يدعى "أبو السعود"، يلقي فيه سكان مصر القديمة نفاياتهم يوميًا، محاطًا بعشوائيات مثل "بطن البقرة" و"عزبة أبو قرن".

كانت  تلك التلال الطبيعية المنخفضة شاهدة على إهمال حضري يخنق قلب العاصمة الإسلامية الأولى، التي أسسها عمرو بن العاص عام 641 م كأول عاصمة إسلامية في إفريقيا.

في ذلك الوقت، كانت المنطقة بعيدة كل البعد عن الجمال؛ رائحة التحلل تملأ الهواء، والعشوائيات تحول دون أي إطلالة على النيل أو الآثار المجاورة مثل مجمع الأديان أو بحيرة عين الصيرة، وفي عام 1989، جاء التحول الأول، وذلك بعد اجتماع تاريخي لمحافظ القاهرة مع المسؤولين، قررت الدولة تحويل هذه الأرض المهملة إلى حديقة عامة.

أُنشئت المرحلة الأولى على مساحة 250 فدانًا فقط (حوالي مليون متر مربع)، مع كثافة أشجار عالية وممشى مناسب، وقليل من المباني للحفاظ على الطابع الطبيعي، وسميت "حديقة الفسطاط" تيمنًا بالمدينة التاريخية، وأصبحت متنفسًا شعبيًا للأسر في الأعياد والإجازات.

كانت تذكرة الدخول رمزية بقيمة 5 جنيهات للبالغين و3 للأطفال وتوفر مساحات للجلوس، والجري، وركوب الدراجات، بالإضافة إلى مطاعم بسيطة، لكنها بقيت محدودة؛ التلال غير مطورة، والمناطق المحيطة بالعشوائيات، جعلاها مجرد "حديقة شعبية" لا تقارن بـ"الأورمان" أو "الأندلس".

ومع مرور السنين، أغلقت أجزاء منها في أكتوبر 2021 تمهيدًا للتطوير الكبير، مما أثار تساؤلات السكان هل ستعود أفضل، أم ستنسى؟.

مشروع تلال الفسطاط يعيد رسم الخريطة في 2019

أطلقت الدولة مشروعًا قوميًا بتكلفة 10 مليارات جنيه، يضم الحديقة القديمة إلى مساحة إجمالية 500 فدان (2 مليون متر مربع)، لتصبح أكبر حديقة عامة في الشرق الأوسط، حيث يتولى تنفيذها الجهاز المركزي للتعمير التنفيذ، بتمويل من صندوق التنمية الحضرية، تحت إشراف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي وصفها بـ"درة تاج قلب القاهرة".

اليوم، في نوفمبر 2025، يصل التنفيذ إلى مراحل نهائية، مع افتتاح أجزاء في منتصف 2025، واكتمال كامل في مطلع 2026، القصة ليست مجرد زراعة أشجار؛ إنها إعادة إحياء للتراث، حيث تم إزالة العشوائيات المحيطة – مثل بطن البقرة (32 فدانًا) وعزبة أبو قرن – ونقل 200 أسرة إلى مساكن آدمية في الأسمرات.

الآن، تنقسم الحديقة إلى 8 مناطق رئيسية، تجمع بين الترفيه والثقافة، المنطقة الثقافية بوابة رئيسية فخمة على طريق صلاح سالم، مع 4 مطاعم وكافيتريات، و 3 نوافير، وساحات للاحتفالات السنوية، وتطل على متحف الحضارة.

تلال الوادي 3 تلال متدرجة الارتفاعات، يمر بينها نهر صناعي، مع مصاطب تؤدي إلى قمم تطل على الأهرامات وقلعة صلاح الدين، كما أن هناك"تلة القصبة" (13 ألف م²) تضم فندقًا وخدمات، ومنطقة المغامرات والحفائر على مساحة 47 فدانًا لكشف آثار الفسطاط القديمة، مع ممر مشي طوله كيلومتر يربط المباني السياحية، ومسرح روماني مكشوف للعروض.

كما أن هناك حدائق تراثية لإحياء للعصور الفرعونية، والقبطية، والإسلامية، مع حديقة الزهور المصرية ومناطق للأسواق والقصبة، المنطقة الاستثمارية وهي مراكز تسوق، ومطاعم، ومبانٍ إدارية، بالإضافة إلى بنية تحتية متكاملة تشمل محطة معالجة مياه وأسوار طولها 4.9 كم بـ14 بوابة (تاريخية وعصرية).

 

زرع آلاف الأشجار

اصبحت المنطقة "متحفًا مفتوحًا" يجمع بين الطبيعة والتاريخ، مع 14 بوابة تربطها بالنيل وممشى أهل مصر، كما أن التصميم مستوحى من الحضارة المصرية، ليجعلها مقصدًا سياحيًا عالميًا يجذب السياحة الدينية والثقافية من كل مكان في العالم.

موعد افتتاح حديقة تلال الفسطاط

 

وأعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن افتتاح حديقة تلال الفسطاط خلال الشهرين الأولين من عام 2026، قائلاً: "أنا من أسعد الناس بعد تحويل الحلم إلى واقع بتطوير حديقة الفسطاط لتصبح أكبر حديقة في الشرق الأوسط".

 

كما دشن الدكتور مصطفى مدبولي أول مهرجان شتوي في قلب القاهرة تحت عنوان "مهرجان الفسطاط الشتوي"، وأحيا الحفل الموسيقار الكبير عمر خيرت، وجاء تطوير المدينة تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بتطويرها فوراً. 
 

 

تم نسخ الرابط