الفستان الابيض يتحول إلى نعش للقبر.. قصة رحيل إيمان علاء التي أبكت ميت برة
في قرية ميت برة الهادئة، كانت كل التفاصيل تشير إلى ليلة لا تُنسى؛ زينة معلّقة على البيوت، سرادقات تُنصب لاستقبال المهنئين، وأصوات تجهّز نفسها للزغاريد التي ستعلن بداية فرحة العروس إيمان علاء، الفتاة الهادئة التي لم يعرفها أحد إلا بالبساطة والتربية الطيبة وابتسامة كانت تخفّف هم أي بيت تدخل إليه.
إيمان، ابنة آخر سنة بالثانوي الفني، كانت تستعد لأن تكون أول عروس في بيتها، ووالدها كان يرى فيها حلم العمر الذي جاء أخيرًا، فقرر أن يقيم لها خطوبة في قاعة كبيرة بدلًا من البيت، وهو يردد بفخر : "دي أول فرحتنا تستاهل نفرح بيها قدام الدنيا كلها".
في صباح يوم الاحتفال، خرجت إيمان بفستانها الأبيض في السيارة في طريقها لجلسة التصوير، كانت فرحانة بشكل لم يغب عن عين أي حد، وكانت بتردد: "عايزة اليوم يفضل في الذاكرة طول العمر"، كل شيء كان جاهزًا لاستقبالها، والناس في الشوارع كانوا بيعدّوا الدقائق لظهورها، لكن الطريق خذل الجميع.
قبل وصولها بدقائق، انقلبت السيارة التي كانت تقلها بعد انحرافها واصطدامها بعمود على جانب الطريق، العريس أصيب، وابن عمه السائق أيضًا، لكن حالتهما مستقرة، أما الضربة الأقسى، فكانت أن إيمان فقدت حياتها في نفس اللحظة، الخبر وقع كالصاعقة على أهلها قبل أهل القرية، عمّها يروي أنه ركض بلا وعي حين اتصل به ابنه يصرخ: "العربية اتقلبت!"، وحين وصل، لم يجد صوتًا ولا حركة فقط مشهد يكسـر أي قلب مهما كان قويًا.
انتشر الخبر في القرية أسرع من البرق، الزغاريد التي كانت منتظرة تحوّلت إلى صرخات، والفستان الأبيض الذي كانت الأم تتفقده كل ساعة بقى آخر ما شاهده الجميع عليها، رغم أن جنازتها كانت الفجر، إلا أن ميت برة بالكامل خرجت لتشييعها، رجال ونساء وشباب، كلهم يبكون وكأن كل بيت فقد ابنته، يقول أحد جيرانها: "دي بنت ما تتعوضش… كانت هادية، ومحدش عمره سمع صوتها، كانت ملاك ماشي بينا".
الأم ظلّت واقفة جانب النعش، وكأنها تتمنى لو يعود الزمن دقيقة واحدة لتلحق بابنتها قبل خروجها، الأب، الذي كان يحلم بأن يرى إيمان في الكوشة، وجد نفسه يحملها إلى مثواها الأخير، القرية التي كانت ستشهد ليلة فرح أصبحت في ساعات قليلة مسرحًا لحزن لا يشبه أي حزن.
رحيل إيمان علاء لم يكن مجرد حادث كان صدمة إنسانية هزّت مشاعر آلاف، ورسالة قاسية عن هشاشة الفرح وقربه من الحزن، فتاة خرجت كي تلتقط صور فرحتها، فعادت محمولة على الأكتاف، تودعها قرية كاملة بقلوب مكسورة.
