داخل لجنة مليج بالمنوفية: صراع الروايات بين مرشح وقوة القانون
لم تكن لجنة مدرسة محمد السيد الشنواني بقرية مليج مجرد نقطة اقتراع عادية في انتخابات مجلس النواب هذا العام؛ ففي هذا المكان الذي يفترض أن يسوده الهدوء والانضباط، انفجرت واحدة من أكثر الوقائع إثارة للجدل، واقعة تحوّلت في دقائق إلى مادة متدفقة على وسائل التواصل، يقف خلفها مشهدان… وروايتان… وحقيقة تبحث عمّن يرويها بصدق.
البداية كانت مع مقطع فيديو ظهر فيه النائب هاني خضر، المرشح عن حزب الإصلاح والنهضة بدائرة مركز وبندر شبين الكوم، وهو يتحدث بانفعال عن “اعتداء داخل اللجنة ومحاولة منعه من رصد مخالفة انتخابية”، مؤكّدًا أنه تم دفعه، ومنعه من تحرير محضر، بل واحتجازه داخل اللجنة، كلمات بدت كناقوس خطر، أعقبها نداء مباشر للرئيس عبد الفتاح السيسي والهيئة الوطنية للانتخابات، يطالب فيه بحماية نزاهة العملية الانتخابية، محذّرًا من محاولات “توجيه الانتخابات لصالح مرشحين بعينهم”.
لكن ما حدث بعد دقائق قلب المشهد رأسًا على عقب، ظهرت الرواية المضادة، صادرة من داخل اللجنة نفسها، لتكشف صورة مغايرة تمامًا؛ فوفقًا لشهادة المستشارة رئيسة اللجنة وأفراد الأمن المكلّفين بالتأمين، لم يكن النائب ضحية اعتداء كما ظهر في الفيديو، بل كان – بحسب قولهم – يمارس ضغوطًا على القائمين على اللجنة، محاولًا التصوير داخلها بالمخالفة للقانون، وموجّهًا حديثه إلى رئيسة اللجنة بطريقة اعتبرها الأمن محاولة “فرض سيطرة وترهيب”.
المشاهد تتباين، والاتهامات تتصاعد، رواية الداخل تقول إن أفراد الأمن طلبوا من النائب وقف التصوير التزامًا بضوابط الانتخابات، لكنه رفض الانصياع واستمر في التسجيل، مما دفع رئيسة اللجنة لإبلاغه رسميًا بأنها ستدوّن مذكرة بالواقعة، عندها – وفقًا للمصادر – دخل النائب في “مشهد درامي” ومزّق بدلته بنفسه، قبل أن يبث الفيديو الذي أثار الضجة.
بين هذا وذاك، سارعت المستشارة رئيسة اللجنة برفع مذكرة تفصيلية بالأحداث إلى رئيس اللجنة العامة بالمنوفية، تؤكد فيها ما جرى بدقة وتطالب باتخاذ الإجراءات القانونية، في رسالة تحرص على إبقاء العملية الانتخابية بعيدة عن أي ضغط أو تأثير غير مشروع.
تتجاوز الواقعة مجرد مشهد انتخابي، لتكشف عن مدى حساسية الانتخابات البرلمانية في الوقت الراهن، وضرورة التزام المرشحين بضوابط القانون واحترام آليات اللجان، حيث تخضع جميع اللجان لإشراف قضائي كامل، وأي محاولة للضغط على رؤساء اللجان أو التأثير عليهم تُعد مخالفة جسيمة يعاقب عليها القانون.
وفي الوقت نفسه، تحوّل الفيديو والموقف إلى مادة للنقاش المجتمعي والسياسي، إذ يسأل كثيرون: هل هذه الواقعة انعكاس لتوترات الانتخابات، أم أنها محاولة لصناعة رواية إعلامية تؤثر على الرأي العام؟ وبين صراع الروايات، يظل المواطن البسيط في قرى المنوفية يراقب المشهد، متسائلًا: من يحمل الحقيقة، ومن يحاول تصويرها بطريقة مختلفة؟
في النهاية، تظل لجنة مليج شاهدة على درس هام: أن نزاهة الانتخابات ليست مجرد شعار، بل مسؤولية مشتركة بين المرشحين، واللجان، والأجهزة الأمنية، وكل من يشارك في العملية الديمقراطية، وأن كل محاولة للتأثير على سير العملية بشكل غير قانوني ستكون موضع مساءلة رسمية وفورية .
