ستوديو مصر.. من مجرد حلم لطلعت حرب إلى أهم قلعة لصناع السينما
عندما حلم الاقتصادى الكبير طلعت حرب ببناء صناعة وطنية قوية، لم يكن يفكر فقط في الصناعة والمصارف، بل كان يرى في الفن قوة ناعمة قادرة على تشكيل وجدان الشعوب، ومن هذا الإيمان ولدت فكرة ستوديو مصر، المشروع الذي لم يغير مسار السينما المصرية فحسب، بل أسس لمرحلة ازدهار جعلت القاهرة مركزا لصناعة السينما العربية لعقود طويلة.
طلعت حرب.. الاقتصادي الذي قرر صناعة الحلم على شاشة السينما
بدأت القصة عام 1920، حين أسس طلعت حرب بنك مصر كأول مؤسسة مصرفية وطنية، هذا النجاح دفعه للتوسع في قطاعات جديدة، كان أبرزها قطاع السينما الذي رأى فيه صناعة واعدة تحتاج إلى تأسيس بنية احترافية متكاملة، ومن هنا ظهرت فكرة إنشاء أول مصنع أفلام متكامل في العالم العربي.

وفي أكتوبر 1933، أرسل طلعت حرب أول بعثة سينمائية مصرية إلى أوروبا، شملت:
أحمد بدرخان وموريس كساب لدراسة الإخراج في فرنسا.
حسن مراد ومحمد عبد العظيم لدراسة التصوير في ألمانيا.
كما اشترط تدريب كوادر مصرية داخل الاستوديوهات التي تم استيراد أجهزتها لتجهيز المشروع المنتظر: ستوديو مصر.
افتتاح الاستوديو.. وبداية عصر السينما الحقيقي
عند افتتاحه رسميا عام 1935، كان ستوديو مصر بمثابة ثورة صناعية وثقافية، فقد امتلك أحدث المعامل، وأكبر مساحات التصوير، وأفضل تجهيزات الصوت والإضاءة، وجاء أول إنتاجاته فيلم “وداد” بطولة أم كلثوم، من إخراج الألماني فريتز كرامب، ليعلن بداية مرحلة ذهبية.
وخلال الفترة من 1935 حتى 1960، قدم الاستوديو عشرات الأفلام التي أصبحت علامات في تاريخ السينما المصرية، منها:
سلامة في خير (1937)
لاشين (1938)
العزيمة (1939)
السوق السوداء (1945)
العروسة الصغيرة (1956)
كما أصبح الاستوديو مركزا رئيسيا لتصوير أفلام عربية وأجنبية.
مصنع النجوم.. وكيف صعد صلاح أبو سيف من المونتاج إلى قمة الإخراج
كان ستوديو مصر مدرسة حقيقية لتخريج المبدعين، ومن أبرز من لمع نجمه داخل جدرانه المخرج الكبير صلاح أبو سيف، الذي بدأ كمساعد للمخرج كمال سليم، قبل أن يصبح رئيس قسم المونتاج، ثم أحد أهم مخرجي السينما المصرية بأفلام مثل:
دايما في قلبي (1946)
الصقر (1950)
الأسطى حسن (1952)
الوحش (1954)
شباب امرأة (1956)
الفتوة (1957)
ظل ستوديو مصر أكثر من مجرد مكان للتصوير، بل كان مدرسة، ومصنعا للأفكار، وجزءا أساسيا من الهوية الثقافية المصرية، وبرغم التغيرات التي طرأت على الصناعة لاحقا، يبقى الاستوديو شاهدا على عصر ذهبي لا يزال أثره ممتدا في ذاكرة الفن العربي، وقصة نجاح حقيقية بدأت برؤية رجل آمن بأن السينما قوة لا تقهر