العنف يجتاح الفصول.. لماذا تحولت المدارس إلى ساحة صراع يومي؟
«كرسي على رأس المعلم.. يد في ملابس الطفل.. أب يضرب ابن زميله بسكينة»، عناوين لم تعد صدمة، بل أصبحت خبراً يومياً في مجموعات أولياء الأمور وترندات «تيك توك»، الأرقام التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم مرعبة حيث سجلت 27 بلاغاً رسمياً بتعدي طلاب على معلمين خلال اسبوعين، و11 حالات تحرش جنسي من معلمين أو إداريين بحق تلاميذ، و9 اعتداءات من أولياء أمور على أبناء آخرين داخل المدرسة.
الأرقام ليست جديدة، لكن وتيرتها أصبحت يومية، وصارت الفيديوهات تنتشر على «تيك توك» قبل أن تصل النيابة، والمدرسة التي كانت ملاذ الأمان تحولت إلى حلبة ملاكمة مفتوحة للجميع، الطالب يضرب المعلم، والمعلم يتحرش بالطالب، والأب ينتقم من طفل في الثانية عشرة من عمره.
أستاذ علم النفس التربوي والمتخصص في علاج أمراض الأطفال النفسية، مازن عمر إسماعيل، لا يرى فيما يحدث «حوادث فردية»، بل يصفه بصراحة قاسية: «نحن أمام انهيار كامل ومنظم لمنظومة السلطة التربوية.. المدرسة لم تعد مكاناً للتعليم، بل أصبحت ساحة لتصفية الحسابات النفسية والاجتماعية لكل من فيها».
وفي حوار خاص لموقع "بلدنا اليوم"، يكشف الدكتور ماذن اسماعيل، الأسباب الخمسة الحقيقية وراء هذا الجنون اليومي داخل الفصول، حيث يصف ما يحدث بأنه «انهيار كامل لمنظومة السلطة التربوية»، ويرجع إلى خمسة أسباب رئيسية:
الأب المغيب والأم المنهكة
يقول استاذ علم النفس التربوي، إن 70 % من الطلاب الذين يرفعون الكرسي على المعلم أو يشتمونه يأتون من أسر مفككة أب مسافر، أم تعمل 14 ساعة يومياً، أو أبوين منفصلين، مضيفا أن الطفل لا يرى في البيت شخصاً يحترم، فلا يتعلم أن يحترم أحداً خارجه.
المعلم الذي فقد هيبته ورواتبه
واضاف الدكتور ماذن، ان راتب المعلم الشهري في مصر لا يتجاوز 8000 جنيه في أحسن الأحوال، بينما يدفع ولي الأمر 50 ألف جنيه سنوياً في مدرسة خاصة ويعتبر المعلم مجرد موظف لديه، هذا التناقض يولد احتقاراً متبادلاً، موضحا أن إهانة المعلم يومياً أمام الطلاب من إدارة المدرسة أو أولياء الأمور تعلم الطالب أن المعلم ليس له قيمة.
الجانب الجنسي المظلم
عن حالات التحرش والاعتداء الجنسي من المعلمين، يقول "ماذن"، إن المعلم الذي يمارس سلطة مطلقة على الطفل داخل حجرة مغلقة، وهو في الوقت نفسه يعاني ضغوطاً اقتصادية ونفسية هائلة، ويثق أن أقصى عقوبة هي النقل لا الفصل أو السجن، يصبح عرضة لتحويل هذه السلطة إلى اعتداء جنسي، مشيرا إلى أن الأمر ليس مرضاً نفسياً في الأغلب، بل هو حساب تكلفة ومنفعة المتعة عالية والعقوبة شبه معدومة.
أولياء الأمور المنقذون بالعضلات
يوثق الخبير ظاهرة جديدة اسمها «متلازمة المنقذ العنيف» وهو أن الأب أو الأم يرى ابنه تعرض لأي إهانة (حتى لو كانت تأديب عادي) فيهرع إلى المدرسة ويعتدي على الطفل المعتدي أو على المعلم مباشرة، لافتا إلى أن هؤلاء يعوضون غيابهم اليومي عن أبنائهم ببطولة زائفة أمام الكاميرات.
«تيك توك».. المعلم الجديد للأطفال
وأوضح والمتخصص في علاج أمراض الأطفال النفسية، أن الطفل اليوم يقضي من 6 الى 8 ساعات يومياً أمام شاشة تعلمه أن أي مشكلة يمكن حلها بالضرب أو الإهانة أو التصوير ونشر الفيديو، ثم يأتي إلى المدرسة ويطبق ما تعلمه من المؤثرين لا من المعلم أو الأب.
واختتم الخبير النفسي والتربوي، ان هيبة المعلم ترد قانونياً ومادياً عن طريق رفع الرواتب، وحماية قانونية حقيقية، عن طريق تفعيل برامج إلزامية للإرشاد النفسي داخل كل مدرسة، بوجود أخصائي نفسي لكل 300 طالب على الأقل، بالإضافة إلى عقوبات رادعة وسريعة ضد أي تعدي جنسي أو جسدي داخل المدرسة مهما كان مرتكبه (طالب – معلم – ولي أمر)، وتكثيف حملات التوعية الموجهة للأهالي بعنوان «ابنك ليس ملكك الخاص داخل المدرسة.
ويحذر الخبير النفسي والتربوي، من استمر الحال كما هو عليه لخمس سنوات أخرى، سنحتاج إلى حراسة أمنية مسلحة عند باب كل فصل دراسي، والأدهى من ذلك أننا سنكون قد خسرنا جيلاً كاملاً من الأطفال والمعلمين معاً.
اقرأ أيضاً: «التربية والتعليم» تنفي بشدة شائعات «الدراسة أونلاين».. والدراسة الحضورية مستمرة 100% رغم فيروسات الشتاء
