رئيس القومي لحقوق الإنسان الكراهية تهدد السلم العام وتقوض كرامة الإنسان
قال السفير محمود كارم رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مؤتمر معا ضد الكراهية أنه يسعدني ويشرفني أن أكون معكم اليوم في هذه الندوة المهمة التي تتناول واحدًا من أخطر التحديات التي تواجه مجتمعاتنا المعاصرة، وهو خطاب الكراهية؛ ذلك الخطاب الذي يُشكِّل تحديًا جسيمًا وينال من قيم التسامح والتعايش السلمي، ويقوِّض كرامة الإنسان وحقوقه الدستورية وما كفلته المواثيق الدولية.
وهو تحدٍّ لا يقف عند حدود التعبير اللفظي أو الاختلاف في الرأي، وإنما يمتد أثره ليهدد السلم المجتمعي، ويقوِّض قيم المواطنة، ويُضعف الثقة بين مكونات المجتمع، ويُغذّي دوائر العنف والإقصاء والتمييز.
إن الحديث عن إطار عام لفهم خطاب الكراهية يقتضي التأكيد على أننا أمام ظاهرة مركبة ومعقدة، تتداخل فيها الأبعاد القانونية والاجتماعية والثقافية والإعلامية. وهي ظاهرة تتخذ أشكالًا متعددة، وتختلف مظاهرها باختلاف السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية، لكنها تشترك جميعًا في جوهر واحد يتمثل في استخدام لغة أو تعبيرات عدائية أو تمييزية ضد فرد أو جماعة على أساس الدين، أو العِرق، أو اللون، أو الجنس، أو أي اعتبارات أخرى متعلقة بالهوية.
فعلى الصعيد العالمي، يُنظر إلى خطاب الكراهية باعتباره تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين. فقد أثبتت التجارب التاريخية أن هذا الخطاب غالبًا ما يكون مقدمةً لجرائم جسيمة قد تصل إلى الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية. ولهذا السبب، حظر القانون الدولي صراحةً التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن الدعوة إلى الكراهية القومية أو الدينية أو العنصرية، إذا اقترنت بالتحريض على التمييز أو العداوة أو العنف، تُعد انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، وانتهاكًا لحرية الرأي والتعبير.
وتتضاعف خطورة خطاب الكراهية في عصرنا الراهن مع الانتشار المتسارع للفضاء الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث بات من السهل بث الأفكار الإقصائية، ونشر الصور النمطية السلبية، واستهداف الأقليات والنساء واللاجئين والمهاجرين، في ظل صعوبات كبيرة تتعلق بالرصد والمساءلة، وتباين سياسات المنصات التكنولوجية، وغياب الشفافية في كيفية تطبيق معايير مواجهة هذا النوع من الخطاب.
أما في السياق المحلي، فإن خطاب الكراهية يتأثر بالخصوصية المجتمعية لكل دولة، وقد يظهر في الفضاء العام أو الخاص عبر وسائل الإعلام، أو الخطاب الديني أو السياسي، أو حتى في التفاعلات اليومية. وقد يتخذ صورًا متعددة، مثل التنمر، والسب والتحقير، أو الوصم الاجتماعي، أو التحريض على التمييز والعنف، أو نشر اتهامات أو شائعات لا تستند إلى وقائع أو مبررات موضوعية، بما يشكل خطرًا حقيقيًا على النسيج الوطني وقيم المواطنة.
وفي هذا الإطار، أكد الدستور المصري بشكل واضح على مبدأ المساواة وعدم التمييز، واعتبر الحض على الكراهية جريمة يُعاقب عليها القانون، ولا سيما في المادة (53)، التي تُعد حجر الزاوية في بناء دولة المواطنة. غير أن التحدي الحقيقي لا يزال يتمثل في غياب تشريع متكامل يضع تعريفًا دقيقًا لخطاب الكراهية، ويفصل بوضوح بين حرية الرأي والتعبير – وهي حق أصيل – وبين التحريض على الكراهية والتمييز والعنف، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، علمًا بأن مصر طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وقد حظيت المعاهدات الدولية التي تبرمها مصر بقوة القانون الداخلي وفقًا لنص المادة (93) من الدستور المصري الحالي.
ومن هنا يْبرز دور المجلس القومي لحقوق الإنسان في التصدي لهذه الظاهرة، باعتباره مؤسسة وطنية مستقلة تضطلع بتعزيز وحماية حقوق الإنسان. وقد تنوعت جهود المجلس في هذا المجال لتشمل إعداد الدراسات والأوراق البحثية التي تحلل ظاهرة خطاب الكراهية، وتحدد أسبابها وتداعياتها، وتقدم توصيات عملية للتعامل معها من منظور حقوقي.
كما شارك المجلس في مناقشة مقترحات تشريعية، من بينها مقترحات لتجريم خطاب الكراهية، بما يسهم في منع الانقسام المجتمعي وتعزيز ثقافة قبول الآخر. ونظم المجلس العديد من ورش العمل والفعاليات التوعوية التي تناولت قضايا الإعلام وخطاب الكراهية، وسبل مواجهة المعلومات المضللة، ورفع الوعي المجتمعي بخطورة الخطاب الإقصائي.
وشارك المجلس في جلسات الحوار الوطني، وقدم مقترحًا مكتوبًا حول أهمية إنشاء مفوضية مستقلة لمكافحة التمييز بكافة أشكاله، وذلك بموجب المادة (53) من الدستور. ويقوم المجلس برصد وتحليل مستمر لخطاب الكراهية في الإعلام، بهدف بناء قاعدة بيانات لوضع استراتيجية فعالة لمواجهته، كما يقوم بإعداد دراسات متخصصة وتنظيم ورش عمل في هذا الشأن.
وفي المجال التعليمي اضطلع المجلس بدور فاعل في مراجعة المناهج الدراسية لترسيخ قيم حقوق الإنسان والتسامح وعدم التمييز سواء في عام 2006 أو في عام 2020، كما تعاون مع وزارة التربية والتعليم في تنفيذ أنشطة وورش عمل تستهدف الطلاب والمعلمين والأخصائيين الاجتماعيين، لترسيخ مفاهيم قبول الآخر ونبذ العنف والتنمر والكراهية والإقصاء. كما أولى المجلس مبدأ المساواة دون تمييز أهمية خاصة، وحدد محاور مهمة لتأمينه، من بينها: ضرورة وجود تشريعات عادلة وتحديث القوانين لضمان عدم التمييز، وتطوير المناهج والتعليم كمدخل لتحقيق المساواة، وتمكين المرأة، وتحقيق العدالة الاقتصادية، وتوفير فرص عمل للشباب وضمان بيئة آمنة، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الوعي المجتمعي والإعلامي، وتعزيز دور المؤسسات الدينية، ودور المجتمع المدني كشريك أساسي، وتحقيق العدالة الرقمية. واستمرت جهود المجلس في مواءمة التشريعات مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، حيث أعدت اللجنة التشريعية مقترح قانون لتجريم خطاب الكراهية.
وعلى الصعيد الدولي يولي المجلس اهتمامًا خاصًا بالتفاعل مع الجهود الأممية، ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر عام 2021 بشأن تعزيز الحوار والتسامح بين الأديان والثقافات في التصدي لخطاب الكراهية، وإعلان يوم 18 يونيو يومًا دوليًا لمناهضة خطاب الكراهية، باعتباره مؤشرًا مبكرًا لاحتمالات اندلاع العنف.
وفي هذا السياق، عيَّن الأمين العام للأمم المتحدة وزير خارجية إسبانيا السابق السيد ميغيل أنخيل موراتينوس مبعوثًا خاصًا له لقيادة تحالف الحضارات منذ عام 2019، حيث يعمل التحالف كجسر للحوار العالمي ومنصة لمكافحة التمييز والكراهية، بما في ذلك مكافحة الإسلاموفوبيا، وتنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويرتكز عمل التحالف على تطوير التعليم، وتعبئة المجتمع المدني، وتعزيز الخطاب الديني المعتدل، وحماية الآثار الدينية، كما يعمل كمنصة لتتبع جرائم الكراهية عالميًا وتعزيز التسامح، وتوجيه دعوات للشباب لاختيار الحوار بدلًا من الكراهية، من خلال فهم الديانات والثقافات المختلفة، وإعداد مناهج تعليمية تقوم على الحوار الحضاري في المدارس والجامعات منذ المراحل المبكرة، إلى جانب دعم المنصات التعليمية عبر الإنترنت، وتطبيقات التعلم عن بُعد، والمنصات الرقمية لتدريس مناهج التسامح، واستخدام القصص الافتراضية التعليمية، والاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي في تخصيص المحتوى التعليمي.
ويُحسب للهيئة الإنجيلية، ومن خلال الحوار المصري–الأمريكي، عقد لقاء مع الوزير موراتينوس في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، بحضور عدد من كبار أساقفة الكنائس في الولايات المتحدة، وممثل عن الأزهر الشريف أو مفتي الديار المصرية.
وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA) قرارًا بإعلان يوم 18 يونيو يومًا دوليًا لمكافحة خطاب الكراهية، كما أطلقت استراتيجية وخطة عمل أممية في عام 2019 تدعو الحكومات والمجتمع المدني إلى التصدي لهذه الظاهرة، وشملت القرارات الأممية التأكيد على ضرورة تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، وشجب العنف، والتصدي لخطاب الكراهية على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب قرار خاص بمكافحة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا) وتخصيص يوم دولي لها، مع التركيز على معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة.
ومن هذا المنطلق فإن التصدي الفعّال لخطاب الكراهية يتطلب مقاربة شاملة ومتكاملة، تقوم على تطوير الإطار التشريعي، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز التعليم والإعلام المسؤول، وبناء الثقة مع المجتمعات المحلية، وبلورة شراكات استراتيجية مع المؤسسات الدينية، والمجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام، وصولًا إلى استراتيجية وطنية متكاملة لمناهضة الكراهية وترسيخ قيم المواطنة والتنوع والاحترام المتبادل. ولأنني أشرت إلى الإعلام، دعوني أؤكد أن لدور الإعلام أهمية محورية في مواجهة خطاب الكراهية.
وفي الختام أؤكد أن مواجهة خطاب الكراهية ليست مسؤولية مؤسسة بعينها، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع، إيمانًا بأن صون كرامة الإنسان، واحترام التنوع، وحماية السلم المجتمعي، هي الأساس الحقيقي لبناء مستقبل أكثر عدلًا وإنصافًا.
- وترسيخ قيم المواطنة والتنوع والاحترام المتبادل
- ولأنني أشرت إلى الإعلام
- دعوني أؤكد أن لدور الإعلام أهمية محورية في مواجهة خطاب الكراهية
- وفي الختام أؤكد أن مواجهة خطاب الكراهية ليست مسؤولية مؤسسة بعينها
- بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع
- إيمان ا بأن صون كرامة الإنسان
- واحترام التنوع
- وحماية السلم المجتمعي