من الشراكة إلى الاستقلال.. كيف أنهت «العربي» حقبة توشيبا بعد 60 عامًا؟
بعد مسيرة تعاون امتدت لأكثر من ستين عامًا، وأسهمت في ترسيخ واحدة من أبرز التجارب الصناعية في مصر والمنطقة، أعلنت مجموعة العربي المصرية رسميًا إنهاء جميع اتفاقاتها الصناعية والتجارية مع علامة «توشيبا» اليابانية في مجالي الأجهزة المنزلية وشاشات التلفزيون، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ مع نهاية عام 2025. خطوة تحمل أبعادًا تتجاوز فكرة الانفصال التقليدي، وتعكس تحولات جوهرية في رؤية المجموعة واستراتيجيتها المستقبلية، بالتوازي مع تغيرات متسارعة يشهدها سوق الأجهزة المنزلية عالميًا.
وجاء القرار متزامنًا مع إعلان مجموعة العربي عن حزمة استثمارات وتحالفات جديدة تقترب قيمتها من نصف مليار دولار، في مؤشر واضح على أن ما يحدث ليس تراجعًا أو انسحابًا، بل إعادة تموضع مدروسة تهدف إلى تعزيز استقلالية القرار الصناعي وتوسيع نطاق الحضور الإقليمي والدولي.
طمأنة المستهلكين واستمرار الالتزامات
وفي محاولة لاحتواء أي مخاوف محتملة في السوق، أكدت مجموعة العربي، التي يقودها حاليًا الجيل الثاني من العائلة، أن إنهاء التعاون مع «توشيبا» لن ينعكس بأي شكل على حقوق العملاء.
وشددت على التزامها الكامل بتقديم خدمات ما بعد البيع والدعم الفني لجميع المنتجات التي تم طرحها بضمان المجموعة.
وأوضحت أن احترام التعاقدات مع المستهلكين يمثل مبدأً ثابتًا لا يخضع للتغيير، في رسالة صريحة تهدف إلى التأكيد على أن القرار استثماري بحت، ولا يرتبط بخلافات تشغيلية أو أزمات تجارية مع الشريك الياباني.
تحول في نموذج العمل
تشير معطيات السوق وتصريحات مسؤولي المجموعة إلى أن السبب الرئيسي وراء القرار يعود إلى تغير جوهري في نموذج العمل، فمجموعة العربي، التي ارتبط اسمها بعلامة «توشيبا» في الذاكرة الاستهلاكية المصرية لعقود طويلة، لم تعد ترى مستقبلها في إطار الشراكة الحصرية مع علامة واحدة، بل تسعى للتحول إلى كيان صناعي متكامل، متعدد العلامات، يمتلك أدواته الخاصة في البحث والتطوير والتصنيع.
ويستند هذا التوجه إلى استثمارات ضخمة، أبرزها إنشاء مركز إقليمي للبحوث والتطوير يُعد الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، باستثمارات تجاوزت 3 مليارات جنيه، ويستهدف تصميم وتطوير أجهزة منزلية وإلكترونية تلبي احتياجات الأسواق المختلفة، سواء للعلامات التابعة للمجموعة أو لشركات عالمية.
شبكة تحالفات أوسع
بالتوازي مع إنهاء شراكة «توشيبا»، أعلنت مجموعة العربي عن توسيع شبكة شراكاتها الدولية، لتضم علامات صناعية بارزة من دول مختلفة، من بينها «شارب» و«هيتاشي» من اليابان، و«لاجيرمانيا» و«هوفر» من إيطاليا، و«TCL» من الصين، إلى جانب العلامات المملوكة للمجموعة مثل «تورنيدو» المصرية، و«كاجيتو» اليابانية، و«هيلر» الألمانية.
وتهدف هذه الخطوة إلى بناء محفظة متنوعة من المنتجات القادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، من حيث الجودة، والتكلفة، والقدرة على تلبية احتياجات المستهلكين المتغيرة.
ويمنح هذا التوسع المجموعة قدرة أكبر على التحكم في سلاسل الإمداد، وتقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين والعلامات العالمية التقليدية، خاصة في ظل الاضطرابات اللوجستية وتقلبات تكاليف الإنتاج التي يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة.
خبير اقتصادي: قرار محسوب يعكس تغير قواعد الصناعة
ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الشيمي أن إنهاء مجموعة العربي شراكتها الممتدة مع «توشيبا» لا ينبغي تفسيره باعتباره تراجعًا أو أزمة، بقدر ما هو خطوة استراتيجية محسوبة جاءت في توقيت تشهد فيه صناعة الأجهزة المنزلية تحولات هيكلية على المستوى العالمي.
وأكد الشيمي، أن الانتقال من نموذج الاعتماد على علامة واحدة إلى تنويع الشراكات يمنح المجموعة قدرًا أكبر من المرونة في مواجهة تقلبات الأسواق واضطرابات سلاسل الإمداد، لا سيما مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وتغير أنماط الطلب. ويضيف أن امتلاك قدرات محلية في البحث والتطوير والتصنيع يمثل عنصر قوة أساسيًا، لأنه يتيح التحكم في الجودة والتكلفة معًا، وهو ما يُعد عاملًا حاسمًا في المنافسة خلال المرحلة المقبلة.
وأشار إلى أن التخلي عن علامة ذات ثقل تاريخي مثل «توشيبا» قد ينطوي على مخاطر قصيرة الأجل، أبرزها ما يتعلق بالحصة السوقية والصورة الذهنية لدى المستهلك، إلا أن هذه المخاطر — وفق تقديره — قابلة للاحتواء إذا نجحت المجموعة في ترسيخ بدائل قوية، وفي مقدمتها العلامات المملوكة لها، مع الحفاظ على مستوى الخدمة وجودة المنتج.
واختتم الدكتور محمد الشيمي، تحليله بالتأكيد على أن القرار يعكس درجة من النضج في التجربة الصناعية المصرية، وانتقال بعض الكيانات الكبرى من دور الشريك المحلي إلى دور اللاعب الإقليمي القادر على صناعة القيمة المضافة، معتبرًا أن ما تقوم به «العربي» قد يشكل نموذجًا يُحتذى به لشركات أخرى خلال السنوات القادمة.