قداسة البابا.. سلام الوطن هو الأساس لسلام جميع ابنائه والكنيسة شريك اصيل في بناء الوعي
أشاد قداسة البابا تواضروس الثاني بالتقدم الواضح في ملف المواطنة في مصر معتبرًا أن الدولة تسير في الطريق الصحيح نحو المساواة والعدل، رغم أنه لا تزال هناك حاجة لمزيد من الخطوات في هذا الملف. ولفت إلى أن مصر تقدم نموذجًا فريدًا للتعايش الإسلامي المسيحي، من خلال الحياة اليومية المشتركة بين المصريين.
وأكد قداسة البابا خلال الحوار مع أحدي الصحف المصرية أن العلاقة بين الكنيسة والدولة طيبة جدًا خاصة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي مبنية على التوافق في الهدف وصنع السلام. مقدمًا الشكر لله على ما تشهده البلاد من استقرار وتقدم بعد سنوات صعبة أثرت على جميع المصريين.
وأشاد قداسته بالتقدم الملموس في ملف حقوق الإنسان، في ظل تفعيل دور المجالس القومية، والعفو عن بعض السجناء، إلى جانب حصول المجلس القومي لحقوق الإنسان على التصنيف الدولي (A).
وأكد أن مصر بلد عظيم في حاضره ومستقبله، ويستحق منا جميعًا أن نعمل من أجله بثقة وأمل لافتًا إلى أن العناية الإلهية كانت حاضرة، مما جعل مصر تجاوزت الكثير من الصعاب بسلام.
وأشاد قداسة البابا بالدور التاريخي لمصر في حماية الفلسطينيين ورفض التهجير القسري، مؤكدًا أن الموقف المصري كان حاسمًا وواضحًا مما ساهم في دعم مسار السلام.
وعلى الصعيد الكنسي قال قداسته: أكثر مشكلة تواجهني وأسجلها أمام التاريخ هي قساوة قلب البعض، وهي مشكلة خطيرة، فكيف يكون الإنسان قد كرس نفسه لله وعاش خادمًا في كنيسته المقدسة، ويحمل داخله قلبًا قاسيًا أو معاندًا؟ إنه أمر في غاية الخطورة ويعطل عمل الله.
واضاف قداسته "لو كنت حاضرًا في مجمع نيقية فإن القضية التي كنت سأطرحها من العصر الحالي هي مسألة رسامة المرأة كاهنة، فهذا أمر مرفوض تمامًا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لأنه عندما جاء السيد المسيح، اختار أن يولد من أمنا العذراء مريم، وإذا أردنا أن نضع نحن كرجال أو سيدات من يمثلنا، فهي أمنا العذراء مريم، لكن السيد المسيح عندما اختار تلاميذه فقد اختار ١٢ تلميذًا، ورسخ فيهم مفاهيم الإيمان والخدمة، ليكونوا هم الخدام مشيرا لقد كرّم السيد المسيح أمنا العذراء وكل السيدات، والإنجيل يذكر أن «الرجل رأس المرأة»، ومعنى كلمة «رأس» هنا القائد، وعندما خلق الله الإنسان، خلق آدم أولاً ثم حواء، ومن ثم احترام الناموس الطبيعي الذي وضعه الله واجب على كل إنسان. والمرأة مساوية للرجل في المسيح لكنها مختلفة في الأدوار
ونوه قداسة البابا إلى أننا ككنيسة لا نخاف، لأن كنيستنا تحمل تقاليد وُضعت قبل ألفي عام، ومن يريد أن يغيّرها يحتاج ألفي عام مثلها، وبالتالي لا يوجد تغيير في الكنيسة، ومن يقول غير ذلك مجرد إشاعات فقط، فكل الآباء والمسؤولين لديهم ضمير، وقد سلّموا هذه التقاليد من الأجيال الذين سبقونا، ونحن نُسلّمها لمن بعدنا.
واستكمل: الكنيسة تؤمن أن الله هو الذي يدير الحياة، فهو ضابط الكل، لذلك يتم التعامل مع من يثيرون المشاكل من خلال نشر الحقائق وتوضيح الأمور لهم وزيادة وعيهم، دون الدخول في صدام معهم، فليس لدينا وقت للتركيز على السلبيات؛ إذ يكون التركيز دائمًا على الجوانب الإيجابية، مع الصلاة لهم بأن يمنحهم الله فهمًا صحيحًا، فهذا النوع من الأشخاص يرى الصورة بالمقلوب، وهذا ليس على مستوى الكنيسة فقط، بل على مستوى العالم أيضًا، وهو موجود في كل البشر وكل الأجيال وفي كل الأزمنة، لذلك لا داعي للقلق. فالإيمان والتقاليد المستقرة الممتدة منذ قرون تظل كما هي، بينما تتجدد الوسائل التي تُقدَّم بها لتناسب العصر دون أن تمسّ الثوابت.
وعن التعليم الكنسي قال قداسة البابا: التعليم كثرت منابره في هذا العصر، وأصبح كل شخص يريد أن يعبر عن رأيه أو أفكاره، لذلك قررنا ضبط العملية التعليمية من خلال مجلس سنشكّله ليسمى مجلس التعليم الكنسي، ويكون نصف أعضائه من الإكليروس مثل الأساقفة والكهنة والرهبان، والنصف الآخر من العلمانيين جميعهم حاملون لشهادات دكتوراه.
وفي ملف خدمة الرعاية الاجتماعية أكد قداسته أن زمن الإعانات المادية لن ينتهي، ولكن الكنيسة ترى أن المشروعات الصغيرة هي المفتاح للتنمية، فقد بدأنا بالفعل في فتح مجال هذه المشروعات، بالتوازي مع جهود الدولة المصرية.
وقدم قداسة البابا نصيحة لكل المصريين بمناسبة العام الميلادي الجديد (٢٠٢٦): كن أمينًا في كل ما تقوم به وفي كل ما تصنع، وكن مجتهدًا، فالبلد تحتاج إلى كل ابن من أبنائها، وكل منا يؤدي دوره في موقعه حتى نكمل الصورة، ومن فضلك أيها المواطن، لا تكن شخصًا يشيع المذمة فيفقد الأمل والرجاء، بلادنا بلاد عظيمة في حاضرها ومستقبلها، وفيها إمكانيات رائعة تستحق أن نثق فيها ونعمل من أجلها.