بعد قانون «القومية الإسرائيلي».. هل تتحول فلسطين إلى «الدولة المفقودة» ؟

«من يتحكم في التاريخ يتحكم في المستقبل»، تلك كانت جملة الكاتب الكبير جورج أورويل في رائعته الخالدة «1984»، أوضح من خلالها أيديولوجية القائد الذي يريد إحكام السيطرة على شعبه بالكامل، وتأسيس حكم ديكتاتوري لا يمكن التخلص منه، عن طريق التحكم في طريقة تفكيره ونظرته للأحداث الحالية التي تمر به.
وهذا ما اتبعه الفكر الصهيوني بعد تواجده على الأراضي الفلسطينية، وبمساندة تاريخية من قبل أكبر دولة في العالم الولايات المتحدة، التي أعطت الصهاينة المساندة والقوة أمام رفض العالم لهم.
وآخر ما ساندت به أمريكا الاحتلال الإسرائيلي، هو اعترافها بالقدس عاصمة لهم مع نقل السفارة الأمريكية إلى العاصمة.
وكان هذا القرار سلاح جديد في يد الاحتلال الإسرائيلي، لترسيخ وجوده داخل الأراضي الفلسطينية.
وأعلن الكنيست الإسرائيلي قانون «الدولة القومية»، بعد تصديق 62 عضوًا من أصل 120 بالموافقة عليه الخميس الماضي.
من شأن هذا القانون أن يحكم قبضة الإسرائيليين على الوجود الفلسطيني هناك حتى يتلاشى وجودهم مع الوقت بالقوة والغصب.
هذا القرار الذي لم يستطع نواب الكنيست العرب منع التصديق عليه، يجعل لليهود الحق في «تقرير مصيرهم»، بجانب تحويل اللغة الرسمية في الدولة للغة العبرية بدلًا من العربية.
الدولة القومية وحق تقرير المصير
بحسب المفكر السوري ساطع الحصري، فإنه حتى تستطيع إطلاق لفظ القومية على شعب ما للتحرر من أي سيطرة خارجية، يجب أن يتوافر عنصران مهمان، وحدة اللغة، والتاريخ، يتبعهما المشاركة في الألام والآمال والمشاعر.
وبذلك يمكننا القول إن الجماعات التي تعيش على «أرضها»، وتخضع للاحتلال، أو لأي سيطرة فكرية غريبة عن ثقافتها، لها كامل الحرية في أن تطلق على نفسها دولة قومية.
وبموجب الدولة القومية، يكون حق تقرير المصير ضرورة ملازمة لها، لا يمكن الفصل بينهم، إذ يصبح للشعب صاحب الدولة القومية الحق في تحديد سياساته الإدراية ورسم مسار دولته وقوانينها بالكامل.
وبالعودة للتاريخ نجد أن الصهاينة جماعة دينية، لم يكن لهم يوما وطنا قائما بذاته، لا على الأراضي الفلسطينية، أو في أي مكان آخر في العالم، إلا أن الاضطهاد الذي تعرضوا له في أواخر القرن التاسع عشر بأوروبا، جعل تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيوية يفكر في تأسيس وطن قومي لليهود، واقترح عدة دول في العالم من بينها الأرجنتين، حتى يكونوا على مقربة من أوروبا لتسهيل هجرة اليهود إلى هناك والاندماج بين الأوروبيين.
ولم يحلق في الأفق الصهيوني آنذاك حلم الدولة الكبيرة من النهر إلى النهر، كما يروجون في الوقت الحالي بعد الاستيلاء على الأراضي المقدسة، والدفع بفكرة الدولة الدينية وتنفيذ أوامر الإله «يهوه» بالقوة.
وتذكر التوارة في أمر الدولة الدينية، «الرب إله السماء الذي أخذني من بيت أبي ومن أرض ميلادي، والذي كلمني والذي أقسم لي قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض، هو يرسل ملاكه أمامك، فتأخذ زوجة لابني من هناك».
وبالاستناد إلى النص الديني كما يفعل دائما المتعصبون، تم تحويل مسار القضية بالكامل من جماعة عرقية دينية، تفكر في تكوين دولة خاصة في مواجهة الاضطهاد، إلى جماعة دينية عادت إلى الأرض التي ملكهم إياها الرب بحكم التوراة.
الآن أصبحنا أمام جماعة تحايلت على العالم من أجل احتلال أرض الغير، وبالتالي لايمكن للكيان اليهودي أن يحظى «بالدولة القومية»، ما داموا باعتراف التاريخ هم مغتصبين، معتدين على الآخرين، ولا حق لهم في الأرض الفلسطينية.
الإقرار بالدولة القومية صاحبه تحويل لغة الدولة المغتصبة الرسمية، إلى اللغة العبرية بدلًا من اللغة العربية، هي خطوة لا تقل خطورة أبدًا عن احتلال الأرض وسرقة التاريخ.