المنتفعون من الكوارث.. سارقو «ضحايا حوادث الطرق» البشاعة فى أدنى صورها

خبير أمنى: لصوص لا يشكلون عصابات ولكنها حالات فردية
ناشط حقوقى: أقصى مدة حبس لهم فى القانون 3 سنوات.. ويجب تغليظ عقوبة
تُحضر الأسرة حقائبها، وتضعها فى السيارة استعدادًا لمغادرة الساحل الشمالى، عائدة للقاهرة، تنادى الأم بصوت عال على طفلتها التى ما زالت تمرح أمام البيت، فتتوجه الطفلة لها وتدخل بالسيارة.
بدأ الأب يدير محرك سيارته فقد آن الأوان ولا بد أن يعود للقاهرة بعد أن خطف من عمر الزمن لحظات سعيدة بصحبة أسرته الصغيرة، وطفلته التى دائمًا ينشغل عنها بسبب عمله.
تسير السيارة مسرعة فى طريقها، يبدو الأمر طبيعيًا، يتجاذب الزوجان أطراف الحديث، ولكن وقع أمر جلل أودى بحياة الأسرة كلها فى غمضة عين، فقد فوجئ الأب بسيارة مسرعة تصطدم به وتفر هاربة بعد أن فقد قدرته للسيطرة على السيارة بعد أن أصبحت كومة من الحديد من أثر الصدمة القوية.
يهرول المسافرون على الطريق تجاه الضحايا، المشهد للرائى قد يشير إلى أن هؤلاء المهرولين قد هموا لإنقاذ الضحايا أو تفقدهم فلعل جسد أحدهم ما زال فيه القلب ينبض، ولكن لم يكن هذا مبتغى «لصوص ضحايا الطرق»، فلقد كانوا يسرعون الخطى لموقع الحادث بهدف آخر هو «السرقة»، متخلين عن كل مشاعر الإنسانية والرحمة، فقاموا بتجريد الضحايا من جميع ممتلكاتهم من هواتف محمولة وأجهزة كمبيوتر ونقود وحتى الملابس، غير عابئين بأوجاعهم ولا بأنين تلك الطفلة الصغيرة التى تنازع الموت وتلفظ أنفاسها الأخيرة وتبحث بعينيها عن منقذ.
الجميع هنا قد ماتوا، حيث لم تكن الأسرة الصغيرة تدرى أن القدر حينها سيخطف أعمارهم لتنهى حياتهم بطريقة مأساوية مرتين، الأولى حينما اصطدمت بهم سيارة فتسببت فى «تحطم سيارتهم بالكامل ثم فر الجانى هاربًا تاركهم يواجهون الموت دون أن تلتف رأسه حتى لكى يطمئن وليرى ماذا فعل بهم، والثانية حينما صار الموتى ضحايا لعصابات الطرق السريعة وقد استولوا على جميع ممتلكاتهم».
اللصوص لم يتركوا شيئًا واحدًا ليستدل به المسعفون أو الشرطة على هوية الضحايا فقد تحجرت قلوبهم حتى جاوزت الحجر الصوان قسوة.
صوت سيارة الإسعاف يدوى عاليًا ليعلن عن قدومها وتتبعها الشرطة، هنا بطريق العالمين، فمنذ قليل وقع حادث مرورى مروع، كما أخطروا.
ينزل المسعفون بخطوات مسرعة لموقع الحادث، لتفقد الضحايا ولكن أرواحهم قد صعدت إلى بارئها بعد لحظات قليلة من وصول الإسعاف.
ملامح الضحايا تكاد تخفيها الدماء التى تنزف من أجسادهم، تفقد المسعفين للجثث يؤكد أنهم لأسرة واحدة مكونة من 3 أفراد الأب والأم وطفلتهما الصغيرة.
يحاول المسعفون جاهدين أن يعرفوا هوية الضحايا ولكن ليس هناك أى إثبات يوضح من هم.
صوت من بعيد ينادى على الآخر: يا «محمد، حاول تدور فى جثة الأب وفى جيوبه يمكن تلاقى بطاقته»، ليرد الأخير سريعًا«مش لاقى أى حاجة»، فيعاود ليسأله :«طيب مافيش موبايل معاهم ليقول الأخير: لأ».
هنا يقف المسعفون مكتوفى الأيدى أمام فك لغز «من هؤلاء»، ليقرروا نقل الضحايا للمشرحة، والبحث عن رقم السيارة وإرسالها للمرور للتوصل لهوية الضحايا، لتكشف إدارة المرور بأن قائد السيارة يدعى «مازن خالد عبد الحميد»، ويعمل مهندسا وقد كان عائدًا من الساحل الشمالى بعد قضاء عطلة صيفية.
استبعد اللواء حسام لاشين، الخبير الأمنى، أن يكون لصوص حوادث الطرق يشكلون عصابات، قائلًا: "إنهم فى الغالب حالات فردية، معللًا ذلك بأن الجهل بمكان وموعد وقوع الحادث على وجه التحديد، يحد من وجود عصابات متخصصة على الطرق لسرقة ضحايا الحوادث".
وأضاف لاشين أن التسليم بفكرة وجود عصابات لسرقة ضحايا حوادث الطرق هو قيام التشكيلات العصابية باختلاق الحادث عن طريق توجيه سيارة معدة لذلك بالاصطدام بسيارة مسرعة على الطريق ثم سرقة المصابين والموتى.
وتابع الخبير الأمنى أن الصدفة هى التى تغلب على تلك الجرائم، لافتًا إلى أن لصوص الطرق معدومو الضمير، متسائلًا كيف يسرق شخص آخر وهو فاقد للوعى أو فارق الحياة.
ونفى لاشين أن يكون لصوص الطرق من بينهم تشكيلات لسرقة الأعضاء قائلًا: «إن بلوغ الأمر لمثل هذه الدرجة يتطلب منطقة خاوية تمامًا من المواطنين»، مشيرًا إلى أن أغلب الشعب المصرى يغلبه الفضول حال وقوع الحوادث فتجد الكثيرين يقفون حول مسرح الواقعة.
وأوضح اللواء حسام لاشين أن 80% من مجرمى حوادث الطرق يتم القبض عليهم من خلال رجال الأمن عن طريق المجوهرات أو الساعات الباهظة الثمن حال بيعهم لها، مشيرًا إلى أن وزارة الداخلية توجه تعليمات للصاغة بتفقد المصوغات التى تعرض عليهم قبل شرائها وإبلاغ الشرطة بمواصفاتها.
ومن جانبه قال عاطف حافظ الناشط الحقوقى، إن نصوص القانون ليس بها نص خاص للصوص حوادث الطرق، مشيرًا إلى أنهم توجه لهم تهمة «جنحة سرقة»، والتى لا تزيد عقوبتها على 3 سنوات حبس كحد أقصى.
وأشار حافظ إلى أن الحد الأدنى لعقوبة الحبس هى مدة 24 ساعة فقط، كاشفًا عن أن القاضى ليس من سلطته تغليظ العقوبة بمدة أكثر من 3 سنوات فقط، متابعًا أن وقوع الجريمة فى الليل هو الظرف الوحيد المشدد للعقوبة وفقًا لما نص عليه القانون المصرى.
وطالب المسؤولين بتغليظ عقوبة سرقة ضحايا الحوادث لما فيها من انتهاك صارخ للإنسانية، واستغلال لظروف يكون فيها الضحية أضعف من أنه يدافع عن نفسه وممتلكاته.