بعد تصديق الرئيس.. كيف تنجح مصر فى إدارة الصندوق السيادى؟

بدراوى: الهدف منه تجميعها فى وعاء واحد.. والحصر سيأتى بنتائج جيدة فى وقت قريب
الجوهرى: أثق فى قدرة الحكومة على إدارته.. ويجب وضع التجربة الخاسرة لماليزيا فى الاعتبار
وهبى: غياب التشريعات فى السنوات السالفة تسبب فى تراكمها أصول غير مستغلة
تسعى الدولة المصرية بشكل دؤوب إلى إحداث نقلة نوعية على الأصعدة كافة لا سيما الاقتصادية؛ لإحلال مصر فى مكانة تليق بها بين الدول، ليست العربية فحسب، بل والغربية أيضًا، وفى إطار هذا السعى، اكتشفت أن هناك الكثير من الأراضى والشركات وغيرها، مما يطلق عليها "الأصول غير المستغلة" التى لم يكترث لها أحد وظلت مهمشة خلال عقود كثيرة مضت.
ولم تأل الحكومة المصرية جهدًا فى البحث عن وسيلة لتوجيه هذه الأصول فى الاتجاه السليم؛ لتحقيق الأهداف المطلوبة منها، وبعد جهود مضنية بذلت من قبل الجهات المعنية، خرجت إلى النور فكرة إنشاء صندوق سيادى تكون مهمته إدارة هذه الأصول بطريقة إيجابية من أجل تحقيق أكبر استفادة ممكنة منها.
ووافق مجلس النواب نهائيًا يوم الإثنين الموافق 16 يوليو الماضى على قانون إنشاء صندوق سيادى لمصر، لإدارة أصول وأملاك الدولة غير المستغلة، وسط هالة من الجدل والشد والجذب بشأن أهمية وأهداف هذا الصندوق، كما صدق عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وعاء واحد
النائب محمد بدراوى، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، قال إن الهدف الرئيسى من صندوق مصر السيادى، تجميع الأصول غير المستغلة فى وعاء واحد، بحيث نصبح قادرين على استغلال هذه الأصول عبر الصندوق سواءً من خلال البيع أو بحق الانتفاع أو بالتأجير أو عبر إنشاء صناديق فرعية؛ لأن كل هذه الأصول تمثل أموالًا بأرقام كبيرة للغاية، كما أن رأس مال الصندوق سيبدأ من 5 مليارات جنيه، وسيصل حتى 200 مليار كما هو مرخص له.
وأوضح «بدراوى» أن هذا الصندوق بمثابة خطوة على الطريق، يجب الاستعانة بخطوات أخرى إلى جانبها، مشيرًا إلى أنه لن يشمل ملفات شركات قطاع الأعمال والهيئات الخاصة، بل سيشمل الأموال المملوكة ملكية خالصة للدولة فحسب، لذا فنحن بحاجة إلى المزيد من الحلول الأخرى؛ كى نستفيد من الأصول غير المستغلة المملوكة للدولة.
ولفت عضو لجنة الشؤون الاقتصادية إلى أن شركات قطاع الأعمال أمامها حلول عدة، كالطرح فى البورصة أو الدخول فى شراكة مع القطاع الخاص أو إعادة التمويل مرة أخرى أو تجميد الديون لبنك الاستثمار القومى، ضاربًا مثالًا بأنه لو أنك تمتلك قطعة أرض تابعة لشركة قطاع الأعمال، فإنك ستقوم بإعادة تقييم أصول الشركة مرة أخرى، وتطرح جزءا منها فى البورصة أو تطرح جزءا من هذه الأسهم عبر المشاركة مع القطاع الخاص أو تطرح جزء من هذه الأصول عبر حقوق الانتفاع.
4410 أصول غير مستغلة من بينها 3 مكتملة البيانات
وأشار عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب إلى أن إحصائية عام 2017 التى أفادت بوجود4410 أصول غير مستغلة، أوضحت أن 3 فقط من بين هذا العدد الكبير، مكتملة البيانات، منوهًا بأن هذه الإحصائية هى الأولى، وتقوم وزارة المالية فى الوقت الحالى بحصر كل الأصول بجميع المحافظات، مما سيؤدى لنتائج مغايرة فى القريب العاجل.
وأوضح أن هذه الأصول أهملت على مدار سنوات كثيرة، وتعرض معظمها للتعدى أو الضياع، مبينًا أنه ليس من السهل حصرها وجمع كافة بياناتها، والسبب وراء ذلك هو احتواء كل وزارة على العديد من الأصول غير المستغلة، كما أن الوزراة لديها العديد من القطاعات التى تمتلك بدورها الكثير من الأصول وبالتالى كل هذه الأصول لا منفعة منها تعود على الدولة.
النائب محمد على عبد الحميد، عضو اللجنة ذاتها، أكد أن فكرة إنشاء صندوق لإدارة أصول الدولة غير المستغلة، جاء بمثابة الفصل فى المسألة التى تؤرق الدولة منذ عقود مضت، مشيرًا إلى أن شركات قطاع الأعمال لديها العديد من الأراضى غير المستغلة، كما أن بعض المشروعات يعرقلها عدم وجود التمويل الكافى، بالإضافة إلى وجود تداخل بين بعض الفئات والوزارات.
معوقات
وأوضح عبد الحميد أن صندوق مصر السيادى سيبدد كافة المشكلات والنزاعات التى تعانى منها أصول الدولة غير المستغلة، بالإضافة إلى إزالة العراقيل التى تحول دون خروج الكثير من المشروعات إلى النور، وذلك من خلال البحث والتفتيش من خلال الوقوف على أسباب هذه المشكلات، وهل هى تعود إلى قلة الدعم المتوجه لها، أم تضارب فى الاختصاصات المنوطة بكل قطاع.
وأشار عضو لجنة الشؤون الاقتصادية إلى أن الصندوق سيعمد إلى بيع الأراضى أو الأصول التى لا تمثل أدنى احتياج للقطاع أو الوزارة التابعة لها، ثم طرح الأموال العائدة من بيعها فى الخزانة العامة للدولة، منوهًا بأن هذا الصندوق، هو الصندوق السيادى الأول الذى تطلقه مصر من أجل تحريك الأصول غير المستغلة والاستفادة منها، ذاكرًا أن هذه الأصول اتبعت الهيئة أو الوزارة التابعة لها فى عهد الخصخصة.
وقال النائب: إن بعض الهيئات والشركات ضربها الترهل ووصلت إلى مرحلة الشيخوخة، فباتت غير قادرة على إدارة شؤونها، لافتًا إلى أن دول العالم أجمع لديها صناديق سيادية، تدير استثمارات الدولة من خلال توظيفها كمصدر دخل للموازنة العامة كغيرها من المصادر القائمة.
وأشار إلى أن كل دولة لها القواعد والقوانين الخاصة بها فى إدارة صناديقها السيادية، والمختلفة عن غيرها من الدول، نظرًا لأوضاعها والظروف التى تمر بها.
200 مليار ميزانية الصندوق
النائب عمرو الجوهرى، عضو اللجنة نفسها، قال: "إن فكرة الصناديق السيادية بشكل عام بدأت فى الظهور فى العديد من الدول العربية والعالمية كما أن صندوق مصر السيادى ليس الأول فى مصر، حيث تم إنشاء العديد من هذه الصناديق ولكنه يعد الأول فى هذا الشكل والمضمون وأيضا فى هذا الحجم، مضيفا أن فكرة صندوق مصر السيادى تتمثل فى حل مشكلة الأصول غير المستغلة للحكومة مثال شركات قطاع الأعمال والهيئات الاقتصادية والمؤسسات والعقارات والأراضى التابعة للدولة والوزارات المختلفة".
وأوضح «الجوهرى» أن غرض الصندوق استثمار هذه الأصول سواء مع القطاع الخاص أو الاستثمار الخارجى، ويبدأ الصندوق برأس مال 5 مليارات جنيه، بداية بضخ وزارة المالية مليار جنيه، ومن المتوقع للصندوق أن يصل إجمالى الصندوق إلى 200 مليار جنيه وذلك بعد دخول أصول الدولة فيه، مضيفا أن إيرادات الصندوق سيتم استخدامها فى سد عجز الموازنة المتزايد والدين الداخلى.
وأكد عضو اللجنة أن الصندوق سيكون شاملا لجميع الأصول التابعة للدولة بجميع المحافظات وسوف تكون هناك شركات استثمارية تابعة للصندوق، مشيرا إلى أن الرؤية ليست واضحة بالكامل بضوء الاستثمارات التى ستدخل فى الصندوق أو المشروعات التى سيتم إنشاؤها بسبب كونه الأول فى هذا المجال ولم تتعرض له الدولة من قبل، ربما يكون هناك شركات مع صناديق أخرى فى دول عربية أو عالمية وذلك سيظهر فى الفترة القادمة، مضيفا أنه سيكون وسيلة تمويل للكثير من مشروعات الحكومة حيث يدخل الصندوق فى برنامج الحكومة من 2018 إلى 2022 كما يدخل فى الموازنة الجديدة لعام 2018ـ2019 كمصدر تمويل للمشروعات.
وأشار إلى وجود مخاوف من الصندوق بشأن وضع جميع الأصول فى صندوق واحد وعدم الاستغلال الأمثل لها يرجع بالسلب على هذه الأصول بسبب عددها الكبير، والذى يصل إلى أكثر من 4 آلاف أصل، مشيرا إلى وجود تحفظات لديه تجاه الصندوق تتمثل فى طرح الأصول بالبورصة بسبب الخسائر التى حققتها فى التسعينيات، كما أنه تحفظ على تحديد موارد الصندوق فى مشروعات غير مربحة.
وأشار إلى تخوفه من عدم قدرة الحكومة على إدارة الصندوق، وأن الوزارات لم تستطع إدارة أصولها فهل هذا الصندوق يستطيع تحقيق ذلك لجميع الوزارات، كما أن الصندوق لن يكون قادرا على استثمار الأصول محل النزاع، وبالتالى ما الجديد لدى هذا الصندوق سوى تقليد للدول الأجنبية ولكن لا بد من العلم أن هناك دولا تعرضت لخسائر كبيرة نتيجة هذا الصندوق، مثال ماليزيا، فمن المفترض دراسة الفكرة ومعرفة إذا كان مقدرا لها النجاح أولا، حيث يختلف وضع اقتصاد مصر عن جميع اقتصاديات العالم، لافتا إلى الكثير من التحفظات لكن الأغلبية وافقت على القانون.
وأوضح أن رئاسة إدارة الصندوق ستكون من خلال وزير التخطيط وأعضاء الصندوق وزير الاستثمار ووزير المالية مع عضوين من وزراء المجموعة الاقتصادية مع 7 من خبراء الاقتصاد والمال وسيكون لرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء حق تحديد الأصول التابعة للدولة.
وأضاف النائب أن إدارة الصندوق هى التى تحدد إذا كانت يمكن بيع بعض الأصول أو النسبة التى سيتم طرحها بالبورصة، موضحا أن رقابة الصندوق ستكون من خلال الحكومة وليس البرلمان، حيث إن رقابة البرلمان ستكون عادية كل عام مع الموازنة، بسبب إلغاء البند الذى كان يجبر الحكومة على عرض ميزانية الصندوق كل 6 أشهر.
التدشين
الدكتور سالم وهبى، الخبير الاقتصادى، قال: إن صندوق مصر السيادى الذى دشن بنصف مليار جنيه كبداية، هو الصندوق السيادى الأول الذى ينشأ فى مصر، وهو تجربة جديدة ومهمة، يجب أن تولى الكثير من الرعاية والاهتمام، مؤكدًا أن توجيه هذه الأموال إلى المشروعات الاستثمارية سواء داخل مصر أو خارجها، يمكن لها أن تدر عائدا ماديًا كبيرا، كما أنها تمثل فرصة لاستثمار الأموال المصرية فى تحقيق عائد يشبع الاحتياجات الداخلية للدولة والمواطن، لافتًا إلى أن ثمة مشروعات كثيرة توجه لها أموال طائلة فى القارة الإفريقية والآسيوية وهى مناطق استثمارية جيدة من شأنها خلق عوائد سياسية بجانب العائد الاقتصادى.
وأشار «وهبى» إلى أن مصر تزخر بالعديد من الأراضى والأصول تحتاج إلى التنشيط وتحقيق الاستفادة منها، مبينًا أن المصريين يقطنون 7% فقط من مساحة الدولة، والـ93% المتبقية إنما هى أصول غير مستغلة يجب إدارتها بشكل ملائم فى السنوات المقبلة، كما أنها لو نفذت فيها بعض المشروعات، ستجنى الدولة من خلفها فوائد كبيرة، منوهًا بأن الدولة أنفقت مبالغ طائلة فى السنوات الأربع الآنفة؛ لإعادة توجيه واستغلال الأصول غير المستغلة، مثل إنشاء 14 مدينة جديدة.
ولفت الخبير الاقتصادى إلى أن غياب التشريعات فى السنوات السالفة هو المتسبب فى تراكم عدد الأصول غير المستغلة، حيث إن الهيئات المشرفة على هذه الأصول، افتقدت التشريعات التى تعطيها صلاحيات إعادة استخدامها وتوظيفها، فلم يكن سمح لها ببيع بعض الأراضى للاستفادة بثمنها، أو إعادة تأجير هذه الأراضى، بالإضافة إلى أن المعدات الرابضة فى مخازن تلك الهيئات لا يتسنى لها استخدامها بسهولة.
وذكر سالم أن دولة «نيوزيلاندا» عندما شارفت على الإفلاس فى إحدى فتراتها، عمدت إلى إعادة استغلال أصولها حتى استطاعت تجاوز تلك المحنة، بل حققت فائضا اقتصاديًا كبيرا بفضل إدراكها لأهمية أصولها غير المستغلة، لافتًا إلى أن الوزارات فى مصر تعج بالأصول غير المستغلة، وأن هذه الأصول وإن بدت صغيرة وغير مجدية، إلا أنها يمكن أن تدر عائدًا غير متوقع إذا ما تم استغلالها بالشكل الأنسب.
وبين وهبى أن الصناديق السيادية تصدر بقوانين خاصة بخبرات مصرية أو أجنبية تسمح لها باستثمار الأصول غير المستغلة وتوجيهها، موضحًا أن هذه الأصول منها الثابت كالأراضى والشركات وغيرها، ومنها المنقولة وهى الأصول الشبيهة بالأموال، مثل الأوراق المالية، الذهب، الفضة، السلع أو المعادن الثمينة، بالإضافة إلى السلع والمعدات الموجودة بالمخازن.
وأشار إلى أن الصناديق السيادية تخضع للجهات الرقابية، التى تباشر الدور الرقابى عليها طبقًا للصلاحيات التى تمنحها لها القوانين الخاصة بعمل تلك الصناديق.