«مذبحة الحوامدية».. هنا سكن «عزرائيل» من الليل
هدوء حذر يعم أرجاء المكان، الجميع يترقب ما يدور دون حديث، سيدات يرتدين السواد ويجلسن أمام أبواب المنازل، ورجال يقفون على ناصية الشارع أحدهم يقص على أصدقائه ما حدث وآخر يجلس شاردا يُفكر فيما ألمّ بمنطقته، بالقرب من الإسعاف وعلى بعد مترات قليلة من إحدى المدارس الابتدائية بالحوامدية، بيت يتكون من 3 طوايق، لافتة معلق أعلاها «منزل الحاج فرحات عبد الجواد أبو عبده» هذا المكان الذي شهد منذ ساعات مذبحة نالت من أبرياء بلا ذنب، كولدير مياه، بوابة حديد بها بعض التلفيات، آثار دماء تندثر حول المكان، رائحة الخوف تنبعث من داخل المنزل، الباب مغلق بالشمع الأحمر، لا أحد يقترب من هنا فالدماء المتواجده كفيلة أن تُرهب المارة.
الثالثة فجرًا عاد كعادته إلى المنزل متأخرّا، الليلة لم تكن كسابقيها، نزل من التوكتوك أمام المنزل، حمل بيده شوالّا لا أحد يعرف ما بداخله، الهدوء يسيطر على الشارع سوى من بعض المارة وعدد من الشباب المتواجدين أمام إحدى النواصي، قبل خروجه في المساء أمر زوجته بأن تحمل طفله صاحب الأشهر القليلة وأن تذهب إلى منزل والدها، وكأنّه يُخطط لفعل شيء، خرج وعاد محملّا بالسلاح الذي قضى على حياة أبرياء من أقربائه.
«أحمد أبو عبده» شاب في أواخر العشرينات، يعمل فران في إحدى مخابز المنطقة، تسبب في قتل وإصابة 6 من أفراد عائلته، فجر أمس،عاد الشاب إلى منزله في الثالثة فجرّا، طرق الباب بقوة، وبالصدفة كانت جدته السيدة الثمانينة مستيقظة فأقدمت على الباب لتفتحها لحفيدها، السيدة العجوز التي كانت على مشاكل مع حفيدها وقاطعته ولا تتحدث معه منذ أكثر من 15 يومّا، فتحت العجوز الباب وهمّت للدخول لغرفتها الصغيرة والتي تقع في الطابق الأرضي من المنزل، حجرتين فقط كانا كل ما تمتلكه العجوز في هذا المنزل، تجلس فيهما برفقة حفيدتيها منه الطالبة بالصف الأول الثانوي، ونورهان الطالبة بالمرحلة الجامعية، واللتان بعدما توفى والدهما وقررّت والدتهما الزواج أصبحت الفتاتين مهمة الجدة العجوز.
لم تكن تعلم أنّ الغدر سيأتي من الخلف، سارت تتكئ على الحائط في محاولة للوصول لباب غرفتها، فوجئت برصاصة اخترقت جسدها واحدة تلو الأخرى حتى سقطت جثة هامدة أمام عتبة منزلها، أصوات الرصاص أفزع الفتاتين فهمّا مسرعين لمشاهدة ما يحدث، فخرة منة في البداية تُسرع للبحث عن جدتها حتى وجدتها جثة هامدة أمام المنزل ولم تكن أمام الفتاة فرصة كآفية للصراخ حتى اخترقت هي الأخرى رصاصة أصابت رأسها فسقطت بالقرب من جدتها جثة هامدة.
لم تنجو الحفيدة الكبرى هي الأخرى من بطش سلاح الجاني، فلحق بها وأصابها برصاصتين إحداهما في بطنها والأخرى في كتفها، حاولت الفتاة الصمود وبحثت عن هاتفها المحمول والتقطته واتصلت على والدتها ولم تخبرها سوى جملة واحدة «الحقيني ياماما أحمد بيموتنا كلنا» وصمتت الفتاة عن الكلام، وكان هناك ضيف آخر صغير بالمنزل الحفيد الأصغر الطفل ذو التسع سنوات، والذي قرر المكوث مع شقيقتيه وجدته تلك الليلة المشؤومه، لم ينجو هو الآخر من بطش سلاحه، فاخترق الرصاص جسده وأصيب برصاصتين في قدميه الاثنين وكتفه، تحدّث جيرانهم فيما بعد أنّ الصغير قد بُترت قدماه.
صراخ شديد اخترق الهدوء المتواجد «الحقونا الحقونا أحمد بيموتنا» وقفت بداخل الشرفة تستغيث بصوت مرتفع، تصرخ علّها تجد من ينجدها، الأبواب بدأت تتفتح الجميع في الشارع شباب ورجال ونساء وأطفال الجميع يتسائل، ما ذا ألمّ بالسيدة جارتهم، يُحاولون تهدئتها، وهي في الطابق الثالث لا تفعل شيئ سوى الصراخ، تُحاول الاستنجاد بأي شخص، قطع هذا الصراخ صوت أجش جاء من سطح البيت وقف وبيده طبنجة خرشوش، وحاول التصويب على السيدة لتهرول فازعة داخل المنزل.
الشباب والرجال يحاولون فتح الباب الموصد من الداخل، فقد أغلقه الجان فور دخوله حتى لا يتمكن أحد من الوصول إليه إلّا بعد انتهاء جريمته، طالبهم بالابتعاد عن الباب وإلّا أطلق النار عليهم جميعّا وأفرغ عدد من الطلقات على المتجمعين، ليبتعدوا مسرعين من أمام الباب، اختف فجأة لتخرج السيدة من جديد إلى الشُرفة تُحاول الاستغاثة، فغذا به يظهر مجددّا ويصوب نحوها السلاح ويطلق رصاصتان اخترقت جسدها فسقطت جثة هامدة بداخل الشرفة.
واختفى الشاب عن الأنظار وحاول الجيران الوصول إلى والده، فبعد الاتصال به جاء مسرعّا هو وشقيقيه وأمه وبعد محاولات عدة البعض ذكر أنّه فتح الباب وآخرين تحدّثوا عن الدفع هو من فتحه، دخلوا مهرولين إلى المنزل الدماء تغطي المكان من كل جانب أصوات تئن من الألم وأخرى هامدة لا تصدر أي استجابة، عنّف الوالد ابنه، فانهال القاتل على أبيه وشقيقيه بالشتائم والسباب.
مايقرب من ساعة ونص مرت على تلك الحالة حتى جاءت قوات الأمن ترافقها سيارة الإسعاف، ودخلت فوجدت الشاب يجلس على كرسي مرافق لباب جدته، ويضع بجانبه سلاح الجريمة، دون حتى محاولة المقاومة، بدأت من جديد أصوات صراخ تنطلق فإذا بالأب يتحدث مع قوات الأمن المتواجدة ويخبرهم أن زوجته ووالدة الشاب القاتل هي السبب، هي من كانت دائما تُحرض ابنها على افتعال المشاكل مع جدته وعمه الكبير جمعة وزوجته، بالرغم من أنّ المنزل الذي يسكن فيه الشاب هو ملكّا لوالده، ولا يوجد أي خلاف على الميراث لكن الأم خرجت قديمّا بسبب افتعال المشاكل فأرادت أن يسير ابنها على خطاها حتى وصل به الحال إلى قتل عائلة بالكامل.
ادعى الكثيرين أنّ الميراث كان السبب الحقيقي وراء تلك الجريمة لكن الحقيقة كانت غير ذلك والتي أخبرنا إياها أحد جيران المجني عليهم والمقربين منهم، فالمشاكل لم تتخطى كون القاتل كان دائم التردد على المنزل برفقته عدد من قرناء السوء، ويستمران في تناول المواد المخدرة أمام البيت، وفي بعض الأحيان كانوا يخلدون للنوم بشقته، مما دفع العم الأكبر جمعة للشجار معه وتهديده بأنّه لولم يتوقف عن تلك الأفعال فسيطرده من البيت، وكانت تلك بداية اشتعال الأزمة.
أمام منزل الضحايا جلسن عدد من الجيران، سيدة في بداية السبعين من عمرها، رفيقة الجدة كانت دائمة الجلوس معها أمام المنزل، أخبرتنا أنّ الجدة امرأة في الثمانين من عمرها بعيدة كل البعد عن المشاكل كانت طيبة، تعيش فقط لرعاية أبناء ابنتها، لكنّها لم تتوقع أن يأتي الغدر من حفيدها.
سيدة أخرى قطعت الحديث، لتخبرنا عن حالة الأم التي فقدت والدتها وابنتيها وصغيرها في حالة لا يرثى لها، تلك الأم التي استيقظت على صوت هاتفها في الرابعة فجرّا لتفاجأ بصوت ابنتها الكبرى نورهان تصرخ في الهاتف، فجاءت تهرول وخلفها زوجها لتفاجأ بوابل من الأعيرة النارية نحوها، لكن القدر شاء أن تصيب تلك الأعيره الأشجار المتواجدة بالشارع والتي اختبأت خلفها الأم، وظلت تصرخ لإنقاذ بناتها وابنها ووالدتها لكن جاء الرد من الجاني «هطلعهوملك كلهم ميتين».
ساعات مرّت على أهل تلك المنطقة ستظل مخلدة في ذاكرتهم، مشاهد لم يعهدوها بين خروج عائلة بأكملها من المنزل مغطاة بالدماء قُتلت غدرّا على يد أحد أبنائها، وبين شقيق القاتل الذي أصيب بجلطة فور مشاهدة جدته وأبناء عمومته والرصاص يملأ جسدهم، وبين الصغير الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره وهو يفر أسفل السرير وجسده مليء بالرصاص في محاولة للنجاة والاختباء، بعد ساعات قليلة من الجريمة والجميع يخاف الاقتراب من المنزل، فالجملة التي عهدناها في مثل تلك الأحداث« البيت دلوقتي مسكون محدش يقرب منه».
يذكر أنّ أهالي مدينة الحوامدية التابعة لمحافظة الجيزة، استيقظوا فجر أمس، على جريمة قتل ابن لـ6 أفراد من عائلته بعدما أطلق الرصاص عليهم جميعا، توفى 3 منهم على الفور الجدة وابنة عمته وزوجة عمه، وتوفة ابنة عمته الأخرى بعد وصولها المستشفى، وأصيب عمه برصاصة في البطن والكتف، وابن عمته الصغير برصاصتين في القدم ورصاصة في الكتف.
موضوعات متعلقة
تورط «الأم» في واقعة قتل شاب لأسرته بالحوامدية
تفاصيل خناقة ”نص الليل” بين العم والمتهم في ”مذبحة الحوامدية”