أردوغان على حافة الهوية.. وقطر تستغل السقوط
منذ أشهر قليلة أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، على خلفية احتجاز القس الأمريكى "أندرو برونسون" فى أنقرة، الأمر الذى لقى استهزاءً كبيرا من تركيا اتجاه تلك القرارات العجيبة التى يصدرها ترامب كل حين وآخر، ولكن نحن الآن بعد مدة ليست طويلة نتحدث عن تلك النتائج التى ترتبت على العقوبات الاقتصادية.
لم تمر عقوبات ترامب التى فرضها على تركيا مرور الكرام، بل كان لها نتائج كبيرة، حيث بدأت بتدهور الليرة التُركية فى السوق العالمية مقابل الدولار الأمريكى، حيث لقى هذا الانهيار إثارة كبيرة للجدل على الساحة الدولية، والتى كان على خليفتها العقوبات المفروضة على إيران والصين، ولكن التأثير الأكبر كان من نصيب الدولة التركية التى اتجهت إلى بيع القصور التاريخية من أجل تحسين الاقتصاد.
بيع الأمجاد.. «جنة إسطنبول بناها العثمانيون.. وسكنها أثرياء الدوحة»
الأزمة الاقتصادية باتت تظهر أعراضها شيئًا فشيئا على الاقتصاد التركى، بعد التدهور الواضح فى الليرة أمام الدولار والعملات الأخرى، حيث استغل المستثمرون القطريون، هذه الأزمة التى وقع فى شباكها أردوغان، فى صالحهم للسعى نحو شراء القصور العريقة التى عرفت باسم "البوسفور" الموجودة فى إسطنبول، فقد أصبحت معروضة للبيع إثر تزايد الصعوبات الاقتصادية فى تركيا مع توقع أن تجتذب مستثمرين من الشرق الأوسط ولا سيما من الخليج العربى رغم أسعارها الباهظة.
العديد من المستثمرين يزحفون نحو تلك القصور ليس بسبب أشكالها الرائعة وجوها المعتدل فقط، بل كانت هناك بعض الحسابات الأخرى التى كانت فى بالهم والتى كان أبرزها أن يحصل المستثمر على جواز سفر يبيح له الانتقال داخل وخارج تركيا دون أى تأشيرات، والحصول على الجنسية التركية التى سوف تسهل لعدد من المستثمرين القطريين عملية التوغل داخل الدولة التركية للسيطرة على اقتصادها.
انهيار الليرة يجلب الاستثمار
التراجع الذى حدث فى الليرة التركية، هذا الصيف بسبب العقوبات الاقتصادية التى فرضها الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، كانت نتائجها على الأسواق التركية سلبية، حيث اعتقد العديد من المستثمرين الذين توجهوا إلى شراء القصور، أن الفترة الحالية هى الأفضل لشراء عقارات فيما لا تزال العملة متدنية.
وعمل الرئيس التركى أردوغان، على إصدار قرارات للقصور بالتعامل مع البيع والشراء بالعملية التركية التى انخفضت خلال الأيام الأخيرة، حتى يكون هناك دافع قوى للعمل على إرجاعها إلى مكانتها الطبيعة كما كانت.
وبحسب وكالة "فرانس برس" فإن العديد من مستثمرى قطر والدول الخليجية، اتخذوا إسطنبول مؤخرًا بمثابة جنة لهم يستثمرون ويعيشون فيها حياة مرفهة على حساب الحكومة التركية وفى حمايتها، مضيفة: "المستثمرون من الخليج يعتقدون بأن قيمة الليرة سترتفع فى المستقبل القريب وبأن قيمة استثماراتهم سترتفع فى فترة قصيرة جدا"، وأن "المقبلين على الشراء هم بشكل كبير من دول شرق أوسطية، نرى اهتمامًا من أذربيجان وإيران لكن أغلبية المهتمين من قطر".
الإقامة المرفهة
القصور التاريخية الطالة على نهر البوسفور، لم تكن هى الغرض الوحيد الذى يسعى إليه المستثمرون القطريون خاصة والخليجيون عامة، بل هناك بعض المعايير الأخرى التى رتبوها فى أذهانهم، فإنه بجانب الحوافز المالية هناك ما يجذب الشارين لامتلاك عقار هو احتمال الحصول على جواز سفر تركى الذى يوفر لهم سفرا بدون تأشيرة إلى أماكن مهمة.
وفى الشهر الماضى أصدرت الحكومة التركية، مرسومًا لإجراءات حصول الأجانب على الجنسية التركية بخفض الشروط المالية والمتعلقة بالاستثمار ذات الصلة.
ويطلب من الأجانب الراغبين فى الحصول على الجنسية الآن إيداع 500 ألف دولار فى مصارف تركية - خُفض المبلغ من 3 ملاىين دولار - فيما تم خفض استثمار رأس المال الثابت من مليونى دولار إلى 500 ألف.
كما يحق للأشخاص الذين يمتلكون عقارات بقيمة 250 ألف دولار أو أكثر أن يصبحوا مواطنين أتراكا بعد أن كان ذلك مشروطا بمليون دولار.
باحث سياسى: تركيا تبيع تراثها لمحاربة أمريكا
قال الدكتور هانى سليمان الباحث السياسى، إن مسألة تدهور العلاقات التركية الأمريكية فى الفترة الأخيرة التى استهدفت الاقتصاد مع تراجع الليرة التركية وفقدانها 42% من قيمتها يمثل ضربة موجعة للاقتصاد التركى، وهذا أدى إلى دفع تركيا إلى استخدام سياسات واستراتيجيات بديلة، ومنها الاستعانة بالدول الحلفاء ومنها قطر التى استثمرت 15 مليون دولار بشكل كبير فى أنقرة، وهذا تسبب فى لجوء تركيا إلى بيع القصور على خليج البوسفور، التى يبلغ عددها تقريبًا 600 قصر منها أكثر من 300 تعود إلى الحكم العثمانى، وهذا يمثل قيمة تاريخية كبرى للأتراك.
وأكد سليمان، أن لجوء تركيا إلى بيع هذه القصور التى تمثل قيمة تاريخية كبيرة بالنسبة للأتراك، يعد من ضمن الحلول التى يسعى إليها أردوغان للتعويض المادى للخسارة الاقتصادية وتدهور العملة، وأيضًا أسعار القصور باهظة جدًا، وهذا من الممكن أن يعيد الروح للاقتصاد التركى مرة أخرى، مشيرا إلى أن الدافع الأول لتفكير تركيا فى عمل هذه الاقتراحات هو العلاقات القوية التى بينها وبين قطر فبالتالى أصبحت قطر حليفا استراتيجيا، تسعى لتمكين استثماره فى الدولة التركية الواقعة تحت أنياب ترامب.
وأضاف الباحث السياسى، أن هذا الأمر الذى تسعى إليه تركيا، يتمثل فى شىء بمنتهى الخطورة، لأن الأتراك يبيعون تراثهم وتاريخهم من أجل محاربة أمريكا والحفاظ على الاقتصاد، وهذا يتنافى مع فكرة الهيبة والتراث العثمانى، وأن التخلى عن الهوية والتراث العثمانى يقلل من هيبة الدولة التركية الحديثة ويعمل على اضمحلال التراث القديم الذى يفتخر به العديد فى شتى البلاد.
مساعد وزير الخارجية: الدوحة تستغل الأزمة
وعلق مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، على أن هناك حالة من الاستغلال الشديد تستخدمها قطر تجاه الدولة التركية، وتحاول الاستفادة من الأزمة بشراء هذه القصور بأسعار منخفضة واستغلال التدهور الاقتصادى على شتى النواحى.
وأوضح أن قطر بالتأكيد تستغل الأزمة من ناحيتين، "ففى الجزء المعلن" تحاول مساندة الحليف الاستراتيجى، فقطر دولة صغيرة ليس لها تاريخ وتراث، وبالتالى تسعى إلى السيطرة على بعض المناطق التاريخية لكى تضاف إلى دفاترها، وشراء الدول الأوروبية المشهورة وغيرها؛ لكى تكون لها بمثابة دافع قوى فى التعامل الدبلوماسى مع الدول.
وأضاف مساعد وزير الخارجية أن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت فى التضييق على تركيا من ناحية الشق السياسى والعسكرى، ومناطق النفوذ الإقليمية مثل سوريا وغيرها من المناطق، ومن الناحية الاقتصادية استطاعت تضييق الخناق عليها، وهذا يكون تحولا كبيرا فى العلاقات الاستراتيجية التى لها تاريخ بين الدولتين، ولكن تركيا تريد تقليل هذه الضغوط، والعمل على تفادى الخسائر التى تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية، مدفوعة ببعض العوامل التى يكون أكثرها، "هيبة الدولة العثمانية والكبرياء والتفاخر" وغيرها من هذه الملامح والصفات التى يحضرها أردوغان فى خطاباته، ولكن الشخصية التركية عنيدة وسيكون ذلك سببا فى خسائر على الدولة التركية بقيادة أردوغان.
موضوعات متعلقة:
أول رد فعل لـ”أردوغان” على اختفاء ”خاشقجي”
أردوغان يرفض حضور مأدبة عشاء ترامب.. بسبب ”صورة”