غرور زعيم الولايات المتحدة يصطدم بطموحات الجيش الأوروبى الموحد
رخا: محاولات ألمانيا وفرنسا القديمة أوشكت على التحقق.. وترامب يسقط نفسه بنفسه
بيومى: الغرب يحاول أن يكون له صوت مسموع عسكريا
النجار: قدرات ماكرون وميركل تمكنهما من الاستقلال.. وتصريحات المستشارة تزعزع زعامة أمريكا فى الناتو
اللاوندى: الصراع الدائر لن يؤثر على التجارة.. والرئيس العنيد يحاول تجنب الأزمة المرتقبة
"السحر ينقلب على الساحر" لم تكن مجرد عبارة عشوائية يتداولها الجميع فيما بينهم، ولكنها أصبحت بمثابة دليل على أن بعض الأفعال التى يرتكبها الأشخاص، قد تنقلب عليهم وتدخلهم فى دوائر مغلقة لا يستطيعوا الخروج منها، وهذا ما حدث بالفعل مع الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب.
ومنذ أن وطأت قدم "ترامب" بوابة البيت الأبيض؛ وهو يثير الجدل فى بلاده خاصة والعالم عامة، وذلك من خلال القرارات العجيبة التى يصدرها كل حين وآخر، والتى لقيت انتقادات كثيرة على الساحة الدولية، ولكن فى الأيام الأخيرة بدأت الموازين تنقلب والأحوال تتغير، ويقع فى شرور أعماله، وذلك عن طريق الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اللذان أعلنا أنهما يسعيان إلى إنشاء تعاون عسكرى، والاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية.
القرار الصادم
الأيام القليلة الماضية، كانت شاهدة على التطورات التى حدثت فى أيام الاحتفال بالذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى فى فرنسا، وأيضًا الاحتفال الذى عقد فى برلين للمشاركة فى “يوم الذكرى” (فولكشتراورتاج) وهو اليوم الوطنى الألمانى للاحتفاء بالمصالحة والتفاهم والسلام، وكذلك إحياء ذكرى ضحايا الحرب.
خلال المشاركة التى قادها الفرنسى، إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عزم الرئيس الفرنسى على الوقوف صفًّا واحدًا فى وجه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، رغم وجود خلافات مستمرة فى وجهات النظر بينهما حول مسائل جوهرية.
فى كلمة ألقاها ماكرون، على منصة برلين، خلال الاحتفال، الأسبوع الماضى، شدد على أهمية التضامن بين البلدين، لإعطاء زخم جديد لبناء أوروبا، بهدف منع "انزلاق العالم إلى الفوضى" مضيفًا أن: "أوروبا، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، لا يمكنها أن تسمح للعالم بالانزلاق فى الفوضى، بل يجب إرشاده إلى طريق السلام، لذلك يجب على أوروبا أن تكون فى الوقت الحالى أكثر قوة وسيادة".
خلال الاحتفالات أيضا، أدلى ماكرون بالعديد من التصريحات المهمة بشأن الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أكد أن أوروبا "لن تستطيع أن تقوم بدورها إذا باتت لعبة فى يد القوى الأخرى واكتفت بدور ثانوى على الساحة العالمية".
وفى هذا الصدد قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، إنه منذ فترات طويلة هناك محاولات من الاتحاد الأوروبى أن يكون له قوات مشتركة وعرضت هذه الفكرة ألمانيا، ولكن بعدما جاء الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، وبدأ الإعلان عن دفع الضرائب مقابل الحماية فى الاتحاد الأطلنطى؛ حينها بدأت ميركل الإعلان أن ألمانيا لم تعد تستطيع تحمل الضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية، ولا حمايتها، ولابد من أن تعتمد على نفسها فى الفترة المقبلة وحماية مصالحها.
وأضاف رخا، أن الاجتماع الذى عقد فى العام الماضى، فى واشنطن، بين ميركل وترامب، والذى حدث فيه جذب بينهما، دفع ترامب إلى التصالح مرة ثانية مع الدولة الألمانية، حيث أعلن فى اجتماع الاتحاد الأطلنطى الأخير، أن جميع الدول الأعضاء لابد أن تزود حصصها، ومن لم يتبع ذلك ليست الولايات المتحدة الأمريكية مسئولة عن حمايته، ومن هنا جاءت إعادة طرح الفكرة، أن أوروبا لابد أن تشكل قوة عسكرية لحماية مصالحها، وهذا ما ظهر فى تصريحات ميركل الأخيرة والتى أعلنت عنها بشكل صريح، مشيرة إلى أن ما دفع الدول الأوروبية إلى التفكير فى هذا هو التدخلات التى يقودها ترامب، والتى تكلفهم مبالغ مالية ضخمة، وهى ليست مستفادة منها، وأنهم يسعون إلى تزويد الحصص ورغم ذلك ظروفهم ليست على ما يرام، ولكن الدولتين تمتلكان جيوشا قوية، ومن الممكن أن تنشئان قوة عسكرية مشتركة.
وأكد وزير الخارجية الأسبق، أن هناك بعض الدول التى تشارك فى هذا التعاون العسكرى، وأيضًا الدول التى لا تشارك، فعلى سبيل المثال دول شرق أوروبا لن تشارك فى هذا التعاون العسكرى ضد أمريكا، لأن القوات الأمريكية تقف بجانبها فى معظم الأوقات ولهذا لا تريد دول شرق أوروبا أن تخسرها، ولكن حتى الآن لم يدل أى من رؤساء الدول ترحيبًا ولا اعتراضًا وهى الآن فى مرحلة الدراسة.
وأشار رخا، إلى أن الجيش الألمانى من أقوى الجيوش فى العالم، وكذلك فرنسا، وهذا لو حدث سوف تكون قوة ألمانية فرنسية نووية، ومن أقوى الجيوش فى العالم، وهذا سيشكل خطرًا فادحًا على الولايات المتحدة الأمريكية وتضييق الخناق على دونالد ترامب، الذى يثير الجدل عبر الساحة الدولية منذ توليه الرئاسة.
وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير جمال بيومى،: المعروف أن فرنسا وألمانيا حلفاء فى صناعة السلاح والدبابات وأيضًا الطائرة "الإيرباص" وخمس دول أخرى، فهناك تعاون صناعى وعسكرى قائم بين البلدين، وبالتحديد فرنسا تسعى من زمن طويل نحو الاستقلالية فى القرار العسكرى، بعيدًا عن المظلة الأمريكية، وبالتالى صنعت القنبلة النووية، وأيضًا إيطاليا فعلت ذلك، رغم أنها لن تنعزل عن الإطار الأمريكى، ولكن أوروبا تحاول أن يكون لها صوت مسموع فى العالم العسكرى الذى تسيطر عليه أمريكا.
وأضاف بيومى أن أوروبا هى بمثابة العملاق الاقتصادى والنظام السياسى، الذى يسعى وراء أمريكا فى جميع قراراتها، والدليل أن الولايات المتحدة هى التى تسيطر على التحالف الأطلنطى، والمظلة الأمريكية النووية تحمى الدول الأوروبية، ولكن ليس هناك موانع أن تجتمع هذه القوات فى بعض الأحيان حينما تشكل قوات التدخل السريع، أو القوات التى تسعى نحو الدفاع.
وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الهدف من هذه التصريحات التى أدلى بها الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، هو الحصول على حرية فى القرارات السياسية والعسكرية، والاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الأخيرة تسعى جاهدة لإبطال هذه المحاولة، لأنها من الممكن أن تضرب صناعة الولايات المتحدة فى الأسلحة.
وأشار بيومى، إلى أن هذه الصراعات ستستمر على مدار الأيام المقبلة، ولكن فى النهاية لن تنعزل الدول الأوروبية عن الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التعاون العسكرى الذى يريد ماكرون تحقيقه مع ميركل، فى الغالب لن يتم، وإذا حدث وتم سوف تكون الأضرار الحقيقية على الولايات المتحدة، وخاصة من ناحية بيع الأسلحة، وبالتالى لن تسمح بذلك لأحد، متابعا أيضا أن التدخلات الأمريكية فى الشئون الخارجية للدول، قد يكون أمرا خاصا بها فقط، والأوروبيون فى الغالب يعترضون على هذا ولكن لن يفصحوا عن هويتهم، وفى النهاية هذا الصراع هو صراع نفوذ ومصالح.
وتابع أن هناك العديد من الدول ستعلن معارضتها لهذا التعاون العسكرى، وعلى رأسها هولندا، والدول الموالية للولايات المتحدة الأمريكية، ولن تقبل هذا، لأن البعض من الدول تنظر دائمًا إلى التاريخ، وفى الماضى كانت ألمانيا هى التى حاصرت هذه الدول واستعمرتها، وبالتالى لن يكون هناك أى قبول بهذه الفكرة التى عرضها الثنائى ميركل وماكرون.
«حرب النبيذ».. لعبة الرئيس الشاب تسقط العجوز
اشتعلت الصراعات على غير العادة بين الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، والرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، الأيام الماضية، حيث أن التقارير العالمية التى تحدثت عن هذا الصراع، أكدت أن ترامب، يمتلك مصنعًا فى ولاية فيرجينيا، واعتبر أن طريقة باريس فى تجارة النبيذ، "مجحفة" بسبب الإنتاج الفرنسى، وتسببت هذه الخلافات فى تبادل الإهانات بين الرئيسين تتعداها إلى خلافات قديمة متجددة على الموقف الأمريكى من الاتحاد الأوروبى.
والمعروف أن الرئيس الأمريكى، يدعم أى محاولة لتفكيك هذا التحالف الذى يشكل خطراً على زعامة الولايات المتحدة للغرب، خصوصاً أن باريس وبرلين تسعيان إلى شىء من الاستقلالية عن سياسات واشنطن، كما تسعيان إلى تأسيس جيش أوروبى موحد للدفاع عن القارة، يأخذ مكان الحلف «الأطلسى» الذى تقوده أمريكا وتسخّره لخدمة مصالحها، تاركة الفتات لأعضائه الآخرين.
وتجلى الخلاف بين الجانبين أيضاً على الموقف من الاتفاق النووى الإيرانى، فأوروبا تحاول المحافظة عليه وتعتبر إلغاءه يؤدى لمزيدٍ من الفوضى فى الشرق الأوسط، فضلاً عن أنها تطمع فى حصول شركاتها على امتيازات فى هذا البلد النفطى، فيما يضاعف ترامب العقوبات على طهران ويهدد بمعاقبة كل من يخرقها.
قال الدكتور تيسير النجار، المحلل السياسى ورئيس الهيئة العامة للاجئين السوريين، إن بعض الدول الأوروبية رفضت فكرة إنشاء جيش أوروبى، ولكن إرادة فرنسا وألمانيا متوافقتان وهناك إصرار على تحقيق هذا الهدف والاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية، وأن إنشاء هذا التحالف ممكن جدًا أن يتم تحقيقه.
وأضاف النجار، أنه من السهل أن تنشئ الدولتان قوة عسكرية، لأنهما ليس بينهما حدود، والعلاقة وثيقة بينهما، والجيش موضوع للمصالح فقط على الأراضى الألمانية الفرنسية، كما أن الجيشين موجودان على الأراضى السورية اليوم، وتحقيق هذا التعاون العسكرى، سيؤثر على الولايات المتحدة خاصة وأنها تفرد جناحيها على حلف الناتو، وهى أكبر قوة، أما الدول الكبرى جيوشها قليلة، وهذا يعطى قوة لأمريكا.
وتابع: أن الدولتين تتخذان حرصهما من التدخلات الأمريكية التى تحدث يوميا على الساحة الدولية، ولذلك تتوقعان حدوث تدخلات من ترامب فى شئونهما ومن أجل هذا تحاولان الاستقلال عن هذه القوة العظمى، وألمانيا كانت تدفع الإتاوات لإسرائيل وغيرها من الدول، وهذا سبب فى أنها تحاول أن تبقى نفسها على الساحة، وهذه القوة الألمانية موجودة بالنسبة للاقتصاد وغيره، على خلاف القوة الاقتصادية الأمريكية التى تقوم على الدولار، وهذا يوضح الدور القوى لبرلين.
المعارضون
رغم المحاولات التى يبذلها الرئيس الفرنسى، والمستشارة الألمانية، للخروج من عباءة أمريكا، ظهرت العديد من الدول المعارضة والتى كان أبرزها الدنمارك وهولندا اللذان أعربا عن رفضهما لفكرة الرئيس الفرنسى إنشاء "جيش أوروبى" موّحد، حيث قال وزير الدفاع الدنماركى "كلاوس هيورت فريدركسن"، إن بلاده أعربت عن رفضها الصريح لفكرة الجيش الأوروبى الموحد، التى طرحها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.
وأضاف فى اجتماع حول السياسة الأمنية والخارجية للدنمارك لعامى 2019 و2020، أنه أكد لنظيرته الفرنسية فلورانس بارلى، الأسبوع المنصرم، عدم تأييده لفكرة الجيش الأوروبى، تحت أى ظرف.
وفى المقابل قالت وزيرة الدفاع الهولندية "أنك بييلفيلد"، إن حكومة بلادها تعارض فكرة إنشاء جيش أوروبى موحد، واصفة رؤية ماكرون وميركل فى هذا الشأن بـ"المتطرفة للغاية"، وأوضحت أن بلادها لا تدعم هذه الفكرة بسبب الجدل حول السيادة، مؤكدة: "لدينا جيش واحد فى بلادنا، وعند الضرورة يعمل مع الناتو والاتحاد الأوروبى، لكنه ليس مرتبطا بهما".
الاقتصاد فى مأمن
غالبًا تكون الصراعات التى يتسبب فى نشأتها الرئيس الأمريكى، تستهدف الناحية الاقتصادية، والمثال الواضح على ذلك، العقوبات التى فرضها على إيران والتى تسببت فى حدوث أزمة اقتصادية لها ومازالت المشكلات متراكمة حتى اليوم، وأيضًا العقوبات الاقتصادية التى فرضها على أنقرة، والتى نتج عنها انهيار الليرة التركية بجانب العملات الأجنبية، ولكن هذه المرة جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث كان تأثير العقوبات أقل مما توقعه ترامب، ما يهدد عرش الرئيس الأمريكى فى حلف الناتو، وأيضًا فى صناعة وبيع السلاح على مختلف الجبهات، لأن الدولتين مشتركتان فى هذه الصناعة.
قال الدكتور سعيد اللاوندى، خبير العلاقات الدولية بالأهرام، إن الخلافات الأمريكية الأوروبية قديمة، وبدأت مع بداية الخلافات على حلف الناتو الذى تحتكره الولايات المتحدة وترى أن قادته يجب أن يكونوا أمريكيين، أما الجنود يجب أن يكونوا أوروبيين، وهذا ما تسبب فى انسحاب العديد من الجنسات الأوروبية من الناتو، ومن ثم عادت فرنسا مؤخرًا إلى الحلف، ولكن لن يتغير القادة ولا الجنود.
وأضاف اللاوندى، أنه حينما صرح الرئيس الفرنسى، بضرورة تشكيل جيش أوروبى موحد، كان يقصد به الخروج من عباءة الولايات المتحدة الأمريكية، وميركل تساعد بكل جدية فرنسا فى هذا الأمر، ولا توجد دول أوروبية اعترضت على هذا الموضوع حيث تحاول التخلص من العقدة الأمريكية التى تحاصرها منذ سنوات طويلة.
وأكد خبير العلاقات الدولية، أن جدلًا سيحدث على الساحة خلال الأيام المقبلة بين الولايات المتحدة، ودول أوروبا، والدول الأوروبية وبعضها البعض، لأن هناك الموافق والمعارض لهذا القرار، لافتا إلى أن أكبر الأخطار التى تواجه الرئيس الأمريكى، ترامب، هو أن الولايات المتحدة لن تكون بعد إنشاء هذا التحالف العسكرى، هى صاحبة القرار الأول فى العالم، ولكن تكون القرارات ذات أطراف مختلفة، وهذا قد يقلل من موقفها وشأنها دوليا.
وأشار إلى أن هذا الصراع لن يؤثر على الاقتصاد العالمى، ولن يحدث شىء، وأن ترامب سيتجنب الأزمة الاقتصادية المتوقعة فى 2020، وسيكون هناك تمرد من الدول الأوروبية وأمريكا، حيال هذه الأزمة المتوقعة، ولكن سيكون أحدهما ضحيتها.