«أم وطفلة وجنين».. حكاية أسرة فلسطينية تحولت إلى أشلاء على يد الاحتلال

لم يتخط عمرها العام ونصف العام، ملامحها دقيقة رقيقة، وابتسامتها الجميلة تجعلك تتأمل في ملامحها، حاصرتها من كل جانب أصواتًا عالية لا تعرف مصدرها، ولكنها تعودت عليها طوال الفترة القصيرة التي عاشتها في أحضان عائلتها الفلسطينية، ولكن الأصوات جاءت على غير العادة في هذه الليلة المشؤومة، مساء أمس الأربعاء، حتى تملكها الخوف، وتعالت أصوات بكائها في أرجاء البيت المحاصر من قوات الاحتلال التى لا ترحم صغير أو كبير ولا تفرق بين رجل وامرأة.
الطفلة الشهيد الفلسطينية "بيان محمد أبو خماش" التي دونها كتاب التاريخ في قائمة الشهداء، بحروف من ذهب، قضت عمرها القصير في حقول ممتلئة بالدماء يحصدها يوميًا جيش الاحتلال الإسرائيلي، حتى شاء القدر أن تكون واحدة من هؤلاء، فعندما إشتد صوت القصف في ساعة متأخرة مساء أمس , خلدت الطفلة الخائفة "بيان" ذات العام و النصف وأسرتها في شباك النوم، حيث لا ملاجىء و لا تحصينات للمدنين الفلسطينيين, على أمل أن تمر الليلة مثل سابقتها من الليالي المشؤومة، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، بعد مرور ساعات حيث اخترقت قذيفة أطلقها الاحتلال جدار المنزل، فمزقت جسد الطفلة و والدتها "إيناس" التي كانت تضم بين ذراعيها طفلتها، وفي بطنها طفل آخر، في شهره التاسع، و أصابت والدها المكلوم بجراح متوسطة، فلم تحميها براءة طفولتها، ولا يبعد سقف بيتها الأسمنتي عنها القذائف الغادرة، ولايوجد ضمير داخل هؤلاء الشياطين الذي ينتمون إلى الكيان الصهيوني، يجعلهم يتوقفون عن ضرب هولاء الأبرياء.
لم يتفرقوا في حياتهم، ولم يبعدهم القدر عن بعضهم في مماتهم، بل جمعهم منزل صغير في إحدى القرى الفلسطينية طوال حياتهم، وفي غرفة واحدة، أثناء موتهم، وفي النهاية يجمعهم تابوت محمول على الأكتاف في طريقهم إلى دار الأخرة، هكذا كان مصير ثلاثة أرواح لم يكن لهم ذنب، غير أنهم نشأوا في مدينة حاصرها العدو من جميع الاتجاهات، وبعد محاولات عديدة حملت بقايا أجسادهم في "تابوت" أشلاء ممزقة مختلطة بالدماء، فلم ينالوا من الدنيا حظًا وفير، فلابد أن يتمتعوا في ساحات الجنان، حيث لا غدر ولا خيانة هناك، فقبل استشهاد الأم "إيناس" الساكنه في دير البلح وسط قطاع غزة تركت رسالة لجميع لجيش الاحتلال، وهي الصمود والوقوف من أهالي القطاع المحتل.
انتظر "محمد ابو خماش" 9 أشهر لكي يحتفل بولده وفلذة كبده، وكان ينتظر قدومه إلى الحياة، حتى ترتسم الفرحة على ملامحه ويدخل الفرح في أنحاء بيته، ولكن القدر حال بينه وبين ما تمناه، ولم يعلم حتى الآن أنه لا يرى طفله الذي ينتظره، ولايري طفلته الصغيرة ذات العام ونصف العام، لأنه أثناء القصف تم نقله إلى المستشفى في قسم العناية المركزة، وحتى الآن لم يخرج من هناك، فلم يجد سوى قبر صغير تحت التراب، دفنت بداخله أجساد ممزقة كانت تمثل كل حياته.