"إعمار العراق".. أرض الرافدين تبحث عن طوق النجاة

صراع الطوائف فى المنطقة وراء عدم تحقيق الاستقرار والأمن والتنمية
السفير جمال بيومى: الأكراد والسنة والشيعة والتواجد الأمريكى مشكلات يجب حلها أولا
السفير حسين هريدى: البداية من خلال توافق الأحزاب السياسية
الدكتور حسن الجنابى: إيران الراعى الرسمى للإرهاب فى العراق والشرق الأوسط
الدكتور بشير عبد الفتاح: التعمير على أساس اجتماعى وليس طائفيا
كانت أبوابها مفتوحة على مصراعيها، تستقبل الأيدى العاملة التى لجأت إليها من جميع أنحاء الدول العربية، وذاع صيتها فى إنتاج البترول والمنتجات الطبيعية، ولكن لم يستمر هذا المشهد طويلًا، بل انقلبت الأحوال رأسًا على عقب فى عام 2003، عقب الاحتلال الأمريكي للأراضى العراقية، ومنذ ذلك الحين صار العراق يصارع الأحوال المعيشية والميليشيات المسلحة.
انتشر فى شتى أنحاء العراق، خلال السنوات الماضية العديد من الميليشيات المسلحة، وتوغلت إيران فى قلب الأراضى العراقية لدعم الجماعات المتنوعة مثل الأكراد وغيرها، لإحداث فتنة طائفية تعانى منها البلد أبد الدهر، وهذا ما حدث بالفعل، بين السنة والشيعة والأكراد وغيرها، وشهد العراق أيضًا مظاهرات حاشدة خلال الشهور القليلة المنصرمة، أسفرت عن مقتل العشرات، وإشعال النيران فى المنشآت الحكومية، وكان من بينها مبنى القنصلية الإيرانية.
وعلى الجانب الآخر وقعت إيران فى شباك الحرب مع الجفاف، حيث ظهرت علامات الجفاف فى نهر "الفرات" الذى تتحكم فى منبعه تركيا، وهذا ما تسبب فى حدوث مناوشات مع أنقرة، وأسفرت هذه المناوشات عن جفاف المياه نهائيًا من منطقة البصرة واختلاط مياه البحر بمياه النهر، ما تسبب فى معاناة جديدة يعيشها الشعب العراقى، ولكن بعد كل هذا يحاول العراق إعادة الحياة لمواطنيها من جديد، والعمل على التنمية والإعمار، ولكن لن يحدث هذا إلا بمراعات العناصر التى نستعرضها خلال السطور التالية.
الصراع الدائم
سنوات طويلة كانت شاهدة على الصراع الدينى الدائم بين السُنة والشيعة فى الأراضى العراقية، وهذا ما تسبب فى حدوث فجوة كبيرة بين المواطنين، وخلق صراعا بينهما على أساسى دينى من ناحية، ومن ناحية أخرى على أساس سياسى، حيث ظهر الأكراد الذين يمثلون قوة كبيرة فى الأراضى العراقية، ويمثلون إقليمًا مستقلًا عن الحكومة الرئيسية فى البلاد.
فصراع الطوائف فى المنطقة يخلق جدلًا واسعًا على مر العصور، فكل منها تسعى للحصول على منصب ما فى السلطة، فالأكراد يسعون لتحقيق رغباتهم فى بناء الدولة الكردية، والسنة يسعون لتحقيق رغباتهم فى القضاء على الشيعة، ولكل هذه الصراعات تأثيرات سلبية على الأحوال السياسية، وخلق الخلل فى تحقيق الاستقرار والأمن بين مناطق البلد، وهذا ما يعوق عملية الإعمار وتحقيق التنمية، على حد قول الخبراء والمتخصصين فى هذا الشأن.
بيومى: مشكلة الإعمار فى تعدد المذاهب
يوضح السفير جمال بيومى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أنه قبل العمل على إعمار العراق، لا بد من النظر إلى الاستقرار، فالأهم من الإعمار هو استقرار العراق، لأنه يعانى حاليًا من مشكلة الأكراد، ومشكلة السُنة والشيعة، وأيضًا مازال يعانى من التواجد الأمريكى هناك، حيث توجد قواعد أمريكية فى بعض المناطق هناك، وفى الجانب الآخر هناك نفوذ لإيران على بعض العراقيين، وبالتالى فإن الأهم من الإعمار حاليًا هو استقرار مواطنيها.
وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن المواطنة تشمل الانتماء إلى الوطن على خلاف ما يفعله المنتمون إلى الشيعة، وأيضًا لا بد من معرفة أن العراق ليس كمثل الدول الخليجية والدول العربية المجاورة له، لأن العراق ليس فقيرا، فيوجد به رصيد بترولى جيد وإيرادات جيدة، وأيضًا يوجد به كثافات سكانية جيدة، ولكن الدول الخليجية يوجد بها أموال هائلة، وبترول، ولكن لا يوجد بها اليد العاملة التى تنمى هذه الموارد الموجودة فى الدولة، وبذلك فالعراق قادر على تنمية وإعمار أرضه بنفسه ولكن لا بد من القبول والتوافق بين المواطنين.
وأكد بيومى أن الأهم فى هذه الأوقات النظر إلى العراقيين الذين يتشيعون بالمذهب الشيعى، وهم من يمثلون خطرًا من الناحية الاجتماعية، لأنه قبل الإعمار لا بد من تحقيق التكافؤ الاجتماعى بين المواطنين، والشيعة لن يبشروا بذلك، وأيضًا هناك حكاية مختلفة للأكراد، لأنهم من يمثلون خطرًا على العراق من الناحية الأخرى، لأنهم ليسوا من أصل عراقى، ويسعون نحو إعادة الدولة الكردية القديمة، وهم أيضًا ليسوا مقتصرين على العراق فقط، ولكنهم منتشرون بينه وبين سوريا وتركيا.
وأشار بيومى إلى أن العراق ليس بحاجة إلى تمويل، لأن به العديد من الثروات التى تساهم فى إعمار بلادهم، ولكن الأهم فى هذه القضية أن يتوافق العراقيون مع أنفسهم على إعمار بلادهم.
الداعمون للإعمار
العراق يحاول حاليًا بكل ما يملك أن يعمل على إعادة بناء الوطن، واسترجاع الحياة للمواطنين الذين يعانون، وبالفعل خلال الأسبوع الماضى كان من المساهمين فى عملية إعمار العراق، صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية، حيث أبرم اتفاقية مع السلطات العراقية، تحتوى على مبلغ بقيمة 25 مليون دينار كويتى، لإعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية فى العراق.
وتأتى هذه الاتفاقية ضمن المنحة الإجمالية البالغ قيمتها 100 مليون دولار، التى أعلنت عنها الكويت خلال مؤتمر واشنطن للمانحين لدعم العراق والإسهام فى تغطية الاحتياجات الإنسانية، وبذلك فإن الكويت تسعى ومنذ فترة ليست بالقصيرة إلى إعادة الاستقرار للعراق، وقد قامت بمبادرات اقتصادية كثيرة، كان آخرها مؤتمر الكويت للمانحين، والعراق اليوم بأمس الحاجة للمانحين وللشركات الخاصة فى إعادة إعماره، فى ظل أزمة مالية يمر بها، فلذلك فإن هذا المبلغ سوف يشكل حافزا مهما جدا لإعادة إعمار العراق، خاصة وأن ميزانية العراق تمر بمشكلات كبيرة مع انخفاض أسعار النفط العالمية، علما أن المبلغ المرصود للمناطق المحررة 450 مليون دولار، وهى لا تكفى لإعادة إعمارها.
وفى المقابل فإن هناك الكثير من العوامل منها العلاقات السياسية والاستقرار فى الوضع الداخلى، تلعب دورًا مهمًا فى عملية استقرار العراق، وأيضًا فإن بريطانيا رصدت 10 ملايين جنيه لإعمار المناطق المتضررة شرط أن تعمل بها الشركات البريطانية، وهناك دول حددت مبالغ للعراق، لكن لم تقم بصرفها، وتعد الكويت الرائدة فى هذا الموضوع، فهى تعى أن العامل الاقتصادى من أهم العوامل التى تساهم فى إعادة الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، لذلك نراها تسعى بصورة حثيثة لإعادة الاستقرار فى العراق، كى ينعكس ذلك على جميع دول المنطقة.
هريدى: محاربة الإرهاب قبل الإعمار
قال السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إنه يجب على السلطات العراقية، حتى تتمكن من إعادة إعمار بلادها، أن توفق بين الأحزاب السياسية، ويكون هناك تفاهم واضح.
إن العراق يحتوى على العديد من الفئات المتنوعة، والأحزاب المختلفة التى من الممكن أن تخلق جدلًا واسعًا على الساحة السياسية، وبعد التوافق بين القوى السياسية، يستطيع العراق وبكل سهولة العمل على إعمار البلد بسهولة.
وأكد مساعد وزير الخارجية، أنه أيضًا لا بد من العمل على محاربة الفساد والجماعات الإرهابية قبل النظر ناحية الإعمار، لأن الشعب العراقى يعانى من الفساد المالى والسياسى، وبالتالى يتم ضخ الملايين من الأموال لإعادة الإعمار ومازال الفساد منتشرًا بشكل كبير، ويجب مراعاة التوازن فى عمليات التعمير بمعنى أنه لا يركز على منطقة معينة على حساب أخرى فى عمل المشاريع وإنشاء الخدمات، ولا يكون التعمير يخضع إلى طائفة معينة على حساب عرقى ودينى، لأن العراق به الكثير من الاختلافات الدينية والعرقية.
وأضاف هريدى أن التعمير يجب أن يكون وفقًا لخطة دولية موضوعة ومتفق عليها من السلطات العراقية، ومشرف عليها من جهات التمويل، وهذا يختلف بأن التمويل يكون من العراق، أم من جهات خارجية كصندوق النقد الدولى، والبنك الأوروبى.
وأشار إلى أن الاتفاقية التى أبرمتها الكويت مع العراق، تعتبر مساهمة مبدئية وليست مستمرة أو أساسية، وبالتالى لا بد أن يكون التمويل من الجهات الدولية ومتفق عليه من السطات العراقية، حتى يستمر العمل نحو الازدهار والتقدم بالدولة فى شكل سريع، متابعًا، أنه لا بد من مراعاة الأكراد والجماعات الأخرى، والعمل على تحقيق الاستقرار بين هذه الفئات، حتى لا يحدث خلل فى عملية التنمية.
الإرهاب الإيرانى
جميع التقارير الدولية التى كتبت بشأن العراق، توجه أصابع الاتهام إلى إيران بأنها الراعى الرسمى لانتشار الجماعات الإرهابية فى المناطق العراقية، وبالفعل استطاعت إيران من خلال هذا الدعم للإرهاب أن تتوغل داخل العراق بشكل كبير، وعملت على نشر ميليشياتها المسلحة فى المنطقة، ودعم الأكراد وغيرهم وخلق الصراعات بين الفئات المتعددة فى الأراضى العراقية.
فدور طهران فى دعم الإرهاب بالشرق الأوسط، واضح للغاية، حيث أنها من تدعم جماعات أنصار الله "الحوثيين" فى اليمن، وهى من تدعم هذه الجماعة بالأموال والمؤن لكى تستمر فى محاربة التحالف العربى، وأيضا دورها فى سوريا وضرب مدينة جازان، كل هذه المناطق تهددها إيران خاصة بعدما أعلنت من قبل أنها سوف تسيطر على مضيقى "هرمز والمندب" كل هذا أكد للجميع أن طهران هى الداعم الأول للجماعات الإرهابية فى الشرق الأوسط، ويوضح ذلك الخبير العراقى الدكتور حسين الجنابى.
الجنابى: إيران هى السبب الرئيسى فى تدمير العراق
قال الدكتور حسن الجنابى، أستاذ العلوم السياسية وعضو البرلمان العراقى الأسبق، إن نهر الفرات يكون متصلا بين تركيا والعراق، وليس لإيران علاقة بهذا النهر، وبالتالى فإن إيران لا تستطيع ممارسة ضغوط على العراق من خلال الجفاف والمياه، وإيران على مدار 13 عامًا من احتلال العراق، كانت سببًا رئيسًا فى تدمير العراق ودخول الميليشيات المسلحة إلى الأراضى العراقية.
وأكد الجنابى أن إيران تحاول على مدار السنوات الماضية السيطرة على بعض المناطق فى العراق، خاصة أن إيران وميليشياتها المسلحة حاولت أكثر من مرة زعزعة الأمن القومى العراقى، ولذلك فإن إيران هى السبب الرئيسى فى عدم استقرار العراق والمنطقة بشكل عام، فهى الراعى الرسمى للإرهاب فى العراق والشرق الأوسط، وهذا يتضح أمام أعيننا من خلال ما حدث فى اليمن عن طريق ميليشياتها، ودعمها لحزب الله اللبنانى.
وأضاف الجنابى أن الأكراد يسعون لتحقيق مصالحهم فقط، ويطمحون أن يكون لهم دولة تحمل اسم الدولة الكردية، والتى تشمل الأكراد فى العراق وسوريا وتركيا، ويعتقدون أن هذا حق شرعى لهم، وهذا لا يعنى أن الدولة سوف تحقق لهم رغباتهم، لأن إقليم كردستان حظى بما لم يحظ به أحد فى المنطقة، والسلطات العراقية أعطت الأكراد الحقوق الكافية فى الحصول على وظائف سيادية بالدولة، ولكن كل هذا لا يعطيهم الفرصة فى تحقيق رغباتهم التى يسعون من أجلها.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن إقليم كردستان دولة داخل دولة فى العراق، منفصل بشكل عام عن الحكومة العراقية، وليس فى زمن الولايات الأمريكية فقط، ولكن فى النهاية هو تابع للدولة العراقية وجزء لا يتجزأ منها، مضيفًا: أن أمريكا دمرت العراق من خلال الاحتلال، وأن العراق بلد الأنبياء والحضارات لا بد أن تنظف من هؤلاء الخونة الذين عملوا مع الولايات المتحدة الأمريكية، لأنهم بالفعل من أخذوا العراق إلى حافة الهوية، وهم السبب فى تدميره، وأن المرحلة القادمة هى التى تحدد مصير العراق، وبالأخص التركيز على السياسة الأمريكية التى تعمل على دعم الشيعة هناك.
الجفاف القاتل
خلال الشهور القليلة الماضية، عانى الشعب العراقى من الجفاف الذى ارتسم على ملامح نهر الفرات، حيث تسبب فى إثارة الجدل والذعر فى الكثير من المناطق العراقية، وكان أكثرها منطقة البصرة، وبالتالى فإن النهر يربط العراق بتركيا التى تقع على منبعه، وهذا ما يسبب قلقا على الأوضاع العراقية هناك من ناحية تركيا.
العراق حاليًا يصارع العديد من المشكلات ومن كل الجهات، أبرزها الجفاف ومن ثم الصراع مع إيران، خاصة بعدما أشعل المتظاهرون العراقيون النيران فى القنصلية الإيرانية، ما خلق توترا كبيرا بين البلدين، وأخيرا تعدد الطوائف الذى يعانى منه على مر السنوات الماضية، ويوضح هذا الخبير المتخصص فى الشأن الخارجى.
عبد الفتاح: التدخلات الخارجية تعرقل الإعمار
ومن جانبه قال الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه ليس واردًا حدوث مناوشات من إيران على العراق خلال الفترة القادمة لإعاقة حركة التنمية والإعمار، ولو حدث هذا سوف تحدث مناوشات كبيرة بين البلدين، لأن إيران متوغلة بشكل كبير فى الأراضى العراقية.
وأكد عبد الفتاح، أن إيران لن تسعى للاعتماد على الجانب التركى، من أجل السيطرة على منفذ المياه التى يستقى منه العراق "نهر الفرات" – خصوصًا أن العراق يعانى من جفاف خلال الفترة القليلة الماضية – لأن تركيا لن تقبل العمل لصالح إيران، وأيضًا طهران لن تلجأ لتركيا من أجل هذا، لأن إيران لها ميليشيات سياسية تابعة لها، داخل الأراضى العراقية، وقادرة أن تخلق جدلًا فى العراق، وأيضًا لن تخرج بدون أى مكاسب وتفاهم.
وأشار عبد الفتاح، إلى أن الأكراد لهم علاقات مع تركيا وإيران، ولن يتوقفوا فى الضغوط على العراق، مضيفًا: أن العراق لن ترجع حياته من جديد إلا من خلال توقف التدخلات الخارجية فى بلادها، وأيضا التعمير على أساس اجتماعى وليس على أساس طائفى، وتحقيق المصالح المشتركة مع دول الجوار وخاصة فى منتجاتها الطبيعية.