"كنز القراءة".. وصية القرآن المنسية في بلاد العرب "ملف"

أمة اقرأ.. لا تقرأ
كنز القراءة سر نهضة الأمم وسلاح نجاحها دون ذخيرة
جابر عصفور: الشعب المصرى لا يمتلك ثقافة القراءة.. والسبب الأسرة والتعليم والثقافة
يوسف القعيد: وزارة الثقافة مظلومة.. ومحو الأمية ومكتبات الشارع الحل
مركز ثقافة الطفل: الشعب يقرأ.. ولكننا نحتاج إلى الترشيد
خبير تربوى: الأسرة والمدرسة مسئولتان عن تدهور التعليم.. ويجب دعم الكتاب
كمال مغيث: البيئة والأسرة والتعليم.. سبب تدهور القراءة
"تحدى القراءة العربى".. مبادرة لتشجيع القراءة وخلق أجيال مثقفة
عالم لا يحده سماء، تفاصيله قطعٌ من نور، كلما نهل منها الزائرون، استحالت لسراج ينير دربهم أنّى سلكوا، وناموس يلقى بظلاله على فصول حياتهم فيرسيها لبر الأمان.
إنه عالم الكتب، التى بقراءتها تتفتح العقول، وتتوسّع المدارك والآفاق، لتجد نفسك أمام وسيلة ثرية من الإلهام لإحداث التغيير بحياتك للأفضل، كونها تهب السعادة لكل مهتد لها، فالكتب الجيدة كالأصدقاء المقربين، مخلصين وأوفياء، لا يدخرون جهدًا فى إدخال الفرحة على القلب، فقط كن مستأنساً بهم، مطمئناً، وابحر فى ربوع صفحاتهم بتؤدة وإتقان.
ورغم أهمية القراءة، والكم الكبير من إصدارات الكتب التى تصدر سنوياً، إلاّ أن هناك تراجعًا ملحوظًا فى مستوى القراءة فى مصر، وهو ما أكده بعض الخبراء فى الملف الذى نضعه بين أيديكم، لافتين إلى أن القراءة متعددة الأشكال، ولكن الذى يجب أن نوليه اهتمامًا، البحث عن إجابة لسؤال "ماذا يقرأ أولادنا؟.. وكيف نشجعهم وندفعهم على القراءة؟".
وهو ما سنجيب عليه فى ملفنا التالى..
أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى، مشروع تحدى القراءة العربى، لرفع الوعى بأهمية اللغة العربية وإعادة إحياء عادة القراءة لدى الطلبة العرب وتكريسها أسلوب حياة وخلق أجيال مثقفة، وهى مبادرة لتشجيع القراءة فى العالم العربى من خلال التزام كل طالب وطالبة بقراءة خمسين كتاباً خلال كل عام دراسى.
وشارك فى مسابقة تحدى القراءة العربى فى الموسم الثالث لها من جمهورية مصر العربية ما يقرب من خمسة ملايين ونصف طالب، وقد تمت التصفيات على مستوى المدارس والإدارات ثم على مستوى المديريات ثم على مستوى الجمهورية، وقد شارك فى التصفيات النهائية بدبى العشر الأوائل على مستوى جمهورية مصر العربية.
وقد حاورنا كلًا من الطالبة مريم محمد يوسف، الطالبة بالصف الثانى الثانوى علمى بمجمع رخا التابع لإدارة بيلا التعليمية بمحافظة كفر الشيخ، والتى فازت بالمركز الثانى على العالم فى مسابقة "تحدى القراءة العربى" للدورة الثالثة، التى أقيمت بإمارة دبى بدولة الإمارات العربى، وخليل أمين إبراهيم، الطالب بمعهد العلوم الإسلامية بالتجمع الأول، والحاصل على المركز الأول على مستوى الأزهر الشريف فى مسابقة تحدى القراءة العربى.
للوقوف على أثر القراءة فيهم، وكيف جعلت منهم شخصيات جديدة، ونصيحتهم لمن فى عمرهم والأكبر والأصغر منهم، بجدوى وأهمية الإقدام على هذا الفعل.
مريم عبد السلام: القراءة الطريق لاكتشاف الذات.. ونوادى القراءة والمعارض آلية مفيدة
قالت مريم عبد السلام، الحاصلة على المركز الثانى، فى مسابقة تحدى القراءة العربى، إحدى مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، فى دورته الثالثة، إن والديها كان لهما أكبر الأثر فى تشجيعها على القراءة، ومن ثم مكتبة المدرسة ومشرفيها.
وتابعت عبد السلام، أن التحدى ساعدها على القراءة فى جميع المجالات، فضلاً على القراءة فى وقت أقل وبتركيز أكبر، مضيفة: "أن نوادى القراءة ومعارض الكتاب، بأسعار مخفضة، يدفع من يقرأ إلى أن يقرأ أكثر، ومن لا يقرأ أن يجرب".
وإلى نص الحوار..
متى بدأ شغفك بالقراءة؟
بدأ الأمر عندما تعلمت حروف الهجاء فى الرابعة من عمرى، شرع والداى فى شراء الكتب والقصص المصورة والمجلات لى، كى ينميا لدى المهارة، وشجعانى عليها، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعشقها كثيراً.
كيف جاءتك فكرة التقديم لمسابقة تحدى القراءة العربى؟
أطلق المشروع فى 2015، وأعلن عنه فى مكتبة مدرستى بمدينة بيلة، التابعة لمحافظة كفر الشيخ، فقررت المشاركة فى الدورة الأولى، ولكنى لم أحقق مركزا على مستوى الجمهورية، فوضعت هدفا أننى لن أتوقف عن المحاولة، حتى أحقق مركزا، وشاركت فى الدورة الثالثة للمسابقة، وفزت بالمركز الأول على مستوى جمهورية مصر العربية، ومثلتها فى النهائيات فى دبى أكتوبر 2015، وفزت بالمركز الثانى على مستوى الوطن العربى.
ولمن تهدى الفوز؟
أهديه لمصر لأم الدنيا، ولوالدى، فكان أكثر ما يهمنى، هو أن يكون أهلى وأصدقائى وأهل مصر راضين عن أدائى، وحينما وجدت السعادة منهم شعرت بالسعادة لرضاهم عما حققته.
كيف أثرت فيك رحلتك إلى دبى وتمثيل مصر فى هذ المحفل؟
رحلتى إلى دبى، رغم أنها أيام قليلة، لكنها كانت ثرية، واستمتعت بلقاء منافسين من مختلف الوطن العربى، وتكوين صداقات، وأكتسبت أفكارا ومهارات جديدة.
وكانت مسئولية كبيرة فى أن أمثل جمهورية مصر العربية، فى هذ المحفل الدولى، ولذا بدذلت أقصى ما لدى من استعدادات قبل السفر، وأداء جيد فى ذاك الوقت، واجتزت الاختبارات التحريرية والشفهية، وصولاً إلى الاختبارات على المسر، أمام الجمهور، وكنت سعيدة أننى حققت ما حققته.
كيف ساعدتك المدرسة فى إثراء عادة القراءة لديك؟
كان لدى حب القراءة منذ الصغر، وحينما دخلت المدرسة، ووجدت فى مكتبتها العديد من الكتب التى لا أمتلكها، والمشرفات دائما يدعمننى، ويساعدننى على البحث عمّا أريد، فقد نشأت بين مكتبة المنزل ومكتبة المدرسة، التى تحت إلى أبواب كثيرة من المعرفة.
أحزن حينما أجد مكتبات مغلقة، ويملأها التراب، أو مشرفات المكتبة لا يهتمون بتشجيع الطلاب، أو يثبطون من عزيمتهم، لذا يجب أن يكون هناك تعاون بين المدرسة والبيت فى التشجيع على هذه المهارات، فلا بد أن يكون البيت داعماً وبعده يأتى دعم المدرسة.
كم كتابًا قرأت؟
هذه المسألة لا يمكن حصرها، فخلال 10 سنوات من عمرى، قرأت مئات الكتب.
وما أهم المجالات التى تحبين القراءة فيها؟
أقرأ فى جميع المجالات، ولكن هناك مجالات كنت أركز عليها فى فترات معينة، والتحدى دفعنى إلى القراءة فى كل المجالات واكتشاف ما بها، والاستمتاع بها.
وكيف ساعدك التحدى على صقل معارفك؟
كنت أقرأ بالفعل، ولكن التحدى دفعنى إلى أن أقرأ أكثر فى وقت أقل، وبتركيز أكثر وباستفادة أكبر، فكان يجب على أن أقرأ الكتب وألخصها وأتناقش فيها، وهو ما يساعد على ترسيخ المعلومات، ويكسبنى مهارات تحليلية أكبر، كذلك الاهتمام بأمور كأسماء المؤلفين ودور النشر، لم أكن أهتم بها من قبل ولكنها ساعدتنى فى مشوارى مع القراءة.
كما جمعنى التحدى مع العديد من القراء المبدعين، وهو ما دفعنى للاستمرار فيما أقوم به وما أنا عليه.
وما أهم العوائق التى وقفت فى طريق شغفك بالقراءة؟
أحيانا لا تتوفر كل الكتب، لأنه لا يوجد مكتبة كبيرة فى مدينتى، بيلا، ولذا ألجأ إلى الإنترنت، أو معارض الكتاب،
وكذلك تحدى الزمن، فتنظيم المرء وقته بين الدراسة والقراءة والهوايات المختلفة، أمر مهم.
هل ترين أن معارض الكتاب المقرر عقدها فى المحافظات ونوادى القراءة، ستساعد فى التشجيع على القراءة؟
بالتأكيد تساعد جدا، فعندما يجد الشخص كتبا فى مختلف المجالات، بأسعار مخفضة، يدفع من يقرأ إلى أن يقرأ أكثر، ومن لا يقرأ أن يجرب حينما يجد الكتب بأسعار مخفضة.
كيف كان معرض الكتاب هذا العام؟
قمت بزيارة معرض الكتاب 2019، وكان رائعًا جدًا.
بم تحلمين؟
أحب أن أخطو خطوة خطوة، وبشكل عام أحب أن أسلك العديد من المجالات فى الدراسة الجامعية، كدراسة اللغات وربما شىء من البرمجة والحواسيب، ولكن هناك فرصًا وأمورًا التى أحبها لم أتخذ قرارًا نهائيًا لأن كل يوم نكتشف فرصًا وأشياءً جديدة.
رسالة توجهينها للشباب من أبناء جيلك؟
عالم القراءة عالم رائع، والخاسر الأكبر هو من يحرم نفسه من دخول هذا العالم، وكل من يدخله فهو فائز، والمشاركة فى التحدى فرصة رائعة لاكتساب مهارات جديدة، وتطويرها.
ومن لم يقرأ إلى اليوم، يستطيع أن يبدأ فى القراءة ويفوز بالمغانم الكثيرة التى نحصل عليها من القراءة، فهى الطريق الأول لاكتشاف الذات لتطوير كافة المهارات بعد ذلك.
بعد التحدى.. كيف تشجعين من حولك فى محافظتك على القراءة؟
صارت لدى دائرة تأثير أكبر بكثير، لذا أدعو للقراءة والمشاركة فى الأنشطة التى تدعم القراءة، فى مدنيتى ومحافظتى، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعى، فهى منصة واسعة بجمهور أكبر، أوجه دعوة للجميع دائما لكى يدخلوا عالم القراءة، ولا يحرمون أنفسهم منه.
كما أننى بعد التحدى، قررت أن أساعد جميع المشاركين، فكتبت كتيبا أسميته "نصائح على درب التحدى"، وضعت فيه خلاصة تجربتى، ونشرته على الإنترنت ليكون متاحًا لجميع المشاركين، لترافقهم النصائح فى دربهم، فهى رسالتى التى أحلم أن أنقلها لجميع محبى القراءة.
خليل إبراهيم: مشكلة القراءة فى مصر ليست إمكانات بل فِكر.. وأطالب الدولة بتوعية المواطنين بأهمية القراءة
قال خليل أمين إبراهيم، الحاصل على المركز الأول على مستوى الأزهر الشريف، والمشارك فى مسابقة تحدى القراءة العربى، إن الثقافة ليست متوقفة على القراءة فقط، رغم أن لها الدور الأكبر فى ذلك، ولكن تشمل العديد من الوسائل التعليمية الأخرى، التى يجب أن يتم الأخذ من كل مجال فيها بطرف.
ولفت إبراهيم، إلى أن المشكلة فى القراءة ليست مشكلة إمكانات، بقدر ما هى مشكلة فكر، موضحاً أهمية عمل دعاية فكرية لدى الشعب، لتحفيزهم على القراءة.
وإلى نص الحوار...
متى بدأ شغفك بالقراءة؟
بدأ الأمر معى منذ نعومة أظافرى، فلقد نشأت على تعلم قراءة وحفظ القرآن الكريم، فى الرابعة، وبعد ذلك كبرت ووجدت مكتبة هائلة عند والدى، شعرت بقيمتها، فى المنزل، مع الوقت فى مرحلة سنية معينة كنت بقلد، وبعدها تخصصت فى قراءة مجالات بعينها.
ما هى المجالات المحببة إلى قلبك فيما تقرؤه؟
بطبيعة الحال أقرأ فى الدين كثيراً، وأحب الأدب، والكتب التى تقوم على الأسلوب الأدبى الرفيع، كما أننى أحب الكتب الفكرية كالكتب الفلسفية والمنطق، والتى لها علاقة بالعقل، فهى ما تستهوينى.
دور الأهل فى تطوير مهاراتك؟
الدور الأكبر على من يقوم بشراء الكتب، ويقترح عليك قراءة أخرى بعينها مكان أخرى، فالدور الكامل على الأهل فى تدعيمى وثقلى.
وماذا عن المدرسة ومكتبتها؟
لم أكن أعرف طريق المكتبة فى المعهد الذى كنت ألتحق بها فى دمياط.
وما أهم العوائق التى واجهتك فى مشوارك؟
هناك عائق كبير أن دمياط لا يوجد بها إلاّ قليل من المكتبات لبيع الكتب، فقد تظهر بين الحين والآخر أحدهما ومن ثم تُغلق، فكنت أشترى ما أريده من معرض الكتاب، علاوة على أن قصر الثقافة كان يفصلنى عنه مسافة كبيرة، وكان هناك مشقة فى الذهاب إليه، وأحمد الله على وجود تقنية كتب البى دى إف، فهو ما أغنانى عن ذلك، وكنت أحصل من خلالها على الكتب التى أريدها.
وماذا عن اشتراكك فى تحدى القراءة العربى؟
سمعت عن الموضوع الذى كان مروجا له بشكل كبير بين المدارس، وتقدمت وحصلت على المركز الأول على الأزهر الشريف، وشاركت فى المسابقة بدورتها الثالثة، أكتوبر الماضى، وحملت شرف تمثيل مؤسسة الأزهر فى هذا المحفل الكبير.
كيف طور اشتراكك فى المسابقة من مهاراتك؟
جعلنى أقرأ بتركيز أكبر، وأطلع على جميع المجالات المختلفة، علاوة على إعطائى نظرة ثقافية على إصدرات وقطاعات لم أقرأ فيها من قبل، وأحب اكتشاف مجالات جديدة.
كما أن الاستفادة أكبر أتت من مقابلتى طبقة جديدة، من المثقفين، وهو ما يستدعيك إلى تطوير نفسك لتضاهى المكان الذى أنت فيه.
من هو المنوط بتولى المسئولية فى التشجيع على القراءة الدولة أم الأسرة؟
المشكلة فى القراءة ليست مشكلة إمكانات، بقدر ما هى مشكلة فكر، وهو ما يحتاج إلى عمل دعاية فكرية لدى الناس، فهم لا يعرفون قيمة القراءة.
الدولة توفر قصور ثقافة، ومعارض ومكتبات ونوادى أدبية، لكن الناس لا تذهب إليها، ولذا عليها توعية الناس بأهمية القراءة، وهو ما يبدأ من الأسرة، وتشجيع أبنائها على القراءة بشتى الطرق.
كم كتابًا قرأته فى مسيرتك؟
مستحيل حساب أمر كهذا، فالموضوع فى الكتب ليس بالكم، فلا نستطيع إحصاء عدد حبات طبق أرز بعد أكله.
وما هو حلمك الذى تصبو إلى تحقيقه؟
أحلامى إلى حد كبير متغيرة، ولا أضع لها سقفًا، فأنا حالياً أطمح أن أصبح شيخ أزهر، وأكون فى الصدارة دوماً، وأبذل مجهودا من أجل ذلك، وليس مجرد كلام.
بعد المشاركة فى التحدى.. هل تحمل على عاتقك مسئولية التوعية بأهمية القراءة؟
بالتأكيد، فأنا داعية أزهرى، مهمتى توصيل الأفكار لغيرى وتوعية بأهميتها، فهناك بعض المراكز التعليمية فى دمياط، ألقى فيها محاضرات وندوات عن القراءة وأهميتها، والصعوبات التى قد تواجه الشباب فى ذلك، وكيف نشجع أطفالنا على القراءة، كذلك فى دروس المساجد، وخلال جلسات الأهل والأصدقاء فى محيط محافظتى.
أخيراً.. كيف نحفز أبناءنا على القراءة؟
أمر يختلف من ابن للثانى، فاستحضار الجائزة يذهب مشقة العمل، فعلى كل أب أن ينوع من الجوائز التحفيزية لأبنائه لتشجيعهم على القراءة وكلٍ على حسب شخصيته وما يحب.
وعلينا أن نعلم أن الثقافة ليست متوقفة على القراءة فقط، رغم أن لها الدور الأكبر فى ذلك، ولكن الثقافة تشمل الفيديوهات على الإنترنت، وبعض المقالات، فهناك وسائل تعليمية أخرى بجانب القراءة، يجب أن نعود أبناءنا عليها، واختيار المفيد منها لتنمية فكرهم.
وعلى الرغم من أن الأمة العربية هى أمة أقرأ ولكن تدهور حال القراءة فى جميع دول الوطن العربى إلى نسبة لا تذكر فقد ذكرت بعض التقارير أن نسبة القراءة فى الوطن العربى لا تتعدى الـ 6 دقائق للمواطن الواحد فى السنة على الرغم من أن المواطن الأوروبى يقرأ فى السنة 200 ساعة حسب التقارير العالمية، وفى هذا التقرير نرصد آراء الخبراء فى سبب تدهور ثقافة القراءة لدى أمة القراءة.
تقرير اليونسكو
وآخر تقرير صدر من منظمة اليونسكو، عن أنّ متوسّط قراءة الفرد العربى 6 دقائق فى السنة، وفى البحث فى تقارير مؤسسة الفكر العربى، نجد أنّ التقرير العربى الثالث للتنمية الثقافية، الصادر عن مؤسسة "الفكر العربى"، ذكر فى فصل بعنوان "حركة التأليف والنشر فى العام 2009، ماذا قرأ العرب فى العام"، أنّ حركة النشر فى الوطن العربى تفتقر إلى نظام إحصائى شامل، وسعى التقرير إلى إجراء إحصائيات لحركة النشر فى الوطن العربى، استهدفت الفئة العمرية من 15 إلى 65 عاماً، من خلال عينة عشوائية من المواطنين العرب، تقريباً 1215 شخصاً، إلى جانب 160 ناشراً عربياً، وأوضح التقرير أنّ الفئة الغالبة على عينة البحث أكثرها من مصر وتونس.
التقرير أشار أيضاً إلى دراسات سابقة، لفتت إلى انخفاض نسبة القراءة بين العرب عموماً، جاء فى التقرير: "إذ أشار البعض مثلاً، إلى دراسة قاربت بين متوسط ساعات القراءة عند العرب والأوروبيين، فجاءت النسبة، بالطبع، لمصلحة الأوروبيين، متوسط القراءة فى الدول الأوروبية حوالى 200 ساعة سنوياً، بينما تنخفض هذه الساعات وتتقلص إلى 6 دقائق سنوياً للفرد العربى".
فعبارة "متوسط قراءة العربى 6 دقائق فى السنة"، هى الأكثر تداولاً فى وسائل الإعلام العربية خلال عدة أعوام خلت، يلحق بتلك العبارة جملة أخرى، توضّح حجم الفجوة؛ حيث تسرد غالبية التقارير الصحفية أنّ متوسط القراءة فى الدول الأوروبية، حوالى 200 ساعة سنوياً.
واستناداً إلى تلك الأرقام الهزيلة، سطرت عشرات المقالات بحثاً عن إجابة السؤال الأهم خلال الأعوام الماضية؛ متى يُستنهض شغف المعرفة لدى "أمة اقرأ"؟!
أسواق تهيمن على القراءة
وفق آخر تقرير صدر عن "اتحاد الناشرين الدوليّين"، قدِّر حجم ما ينفقه القرّاء على الكتب بـ 114 بليون يورو، وتهيمن 6 أسواق على هذه الصناعة، باحتكارها 71 فى المئة منها، وتتصدّرها الولايات المتحدة بحصة 26 فى المئة، تليها الصين (12 فى المئة)، وألمانيا (8 فى المئة)، واليابان (7 فى المئة)، وفرنسا (4 فى المئة)، وبريطانيا (3 فى المئة).
حجم الصناعة يشير إلى معدلات القراءة المرتفعة فى الغرب، غير أنّ محاولة إدراك حجم تلك القراءة عربياً مسألة معقدة جداً؛ فلا توجد أرقام محددة يمكننا الاعتماد عليها للإجابة عن سؤال: هل يقرأ العرب؟ إلى جانب أنّ معظم مراكز صناعة الكتاب ترفض الإفصاح عن أرقام بيع الكتب، التى نستطيع أن نستدلّ من خلالها على حجم قراءة المواطن العربى، بعض تلك المؤسسات لا يقوم بعمل ذلك الحصر من الأساس.
الشعب يقرأ.. ولكننا نحتاج إلى الترشيد
قال محمد ناصف، رئيس المركز القومى لثقافة الطفل، إن وضع القراءة فى مصر، ليس متدهورا، وإنما ليس هناك ترشيد لثقافة القراءة.
السوشيال ميديا تسيطر
وتابع ناصف، أن معظم الشعب المصرى يقرأ فى الآونة الأخيرة كل ما يكتب على صفحات السوشيال ميديا، ما جعل نسبة القراءة تزيد عن معدلها الطبيعى، مضيفاً: "لكن السؤال الذى يجب أن نضعه نصب أعيننا.. ماذا نقرأ؟".
وتابع: "فكرة عادة القراءة موجودة بين مجتمعنا، ولكن الكثير مما يقرأون لا يستفيدون من مضمونه، كونه غير مفيد، ولذا فإن تطوير أدوات السوشيال ميديا، وما يتم طرحه على صفحاتها من معلومات ومقالات، لتكون منبعًا للمواد التى تستحق القراءة، هو الأهم فى المرحلة الحالية، وهو التحدى الكبير الذى نمر به".
ولفت رئيس المركز القومى لثقافة الطفل، إلى أنه لا أحد يستطيع إنكار وجود حالة من القراءة، ووجود مجموعات من البشر تستغل صفحات السوشيال ميديا لاستقاء المعلومات، والقراءات الجيدة، مشاهدة الفيديوهات التعليمية، موضحاً أن ما ينقص المجموعة المتبقية، هى القراءة المنظمة والهادفة.
واستطرد: "من يشترى كتابًا يشتريه ليقرأ شيئًا، إنما على السوشيال ميديا، القراءة موجودة ولكنها غير مرشدة، كطرح البحر".
مصر تقرأ مشروع جديد
وكشف ناصف، عن إعداد المركز القومى لثقافة الطفل، مشروعًا جديدًا، يهدف إلى جعل مصر تقرأ، قراءات لها قيمة وذات مغزى وهدف، "المطلوب منا أن نقوم بعادات محددة للقراءة عند أطفالنا، وتشجيعهم عليها، وهو ما نعمل على تحقيقه والتوعية عليه، خلال الفترة القادمة".
وثمّن ناصف، مشروع وزارة التربية والتعليم فى تحدى القراءة، قائلاً: "شاركت فى المشروع كمحكم فى السنة الفائتة، فهم يطلبون من الطالب فى المستوى الأول أن يقرأ 10 كتب، ومن ثم 25 كتابًا، ومن ثم 50 كتابًا، وهناك لجان يختارون الفائزين الأكثر قراءة، فهى تجربة ثرية وجميلة".
وطالب ناصف الدولة بتبنى مشروع وزارة التربية والتعليم، وتسليط الضوء عليه، ورصد المبالغ كجوائز تحفيزية للأطفال، موضحاً: "يجب أن نسلط الضوء على المشاريع الناجحة، وما تقوم به الوزارة فى هذا المشروع أمر ممتاز، ولذا فهو يحتاج إلى الاهتمام على نطاق أوسع، ورصد مبالغ مالية كبيرة كجوائز، أعتقد أنه سيؤتى ثماره وعدد من يقرأون سيتضاعف، ووقتها عوضاً أن يتم حصر عدد الفائزين فى 3، ليحصلوا على جوائز لا تتعدى الـ500 جنيه، من الممكن أن يضاعف عدد الفائزين، ويتم تحفيزهم بجوائز، تجعل باقى الأطفال يثابرون ويقرأون للدخول فى المسابقة".
ونوّه إلى أنه فى سبيل التشجيع على القراءة، اقترح على المؤسسات التى تطرح إصدارات سنوية، أن تقوم بتدعيم الفائزين بمجموعة من الكتب، متابعاً: "فتحدى القراءة العربى فى الإمارات لماذا وصل إلى هذه الدرجة من الاهتمام والأهمية، بسبب ما رصد لها من مبالغ كبيرة للفائزين، وهو ما شجّع الجميع على المشاركة، ولذا يجب أن نستفيد من تلك النماذج، ونطور من أنفسنا من أجل أولادنا".
20 كتابا فى السنة
وعن فعاليات وزارة الثقافة، فى التشجيع على القراءة، تابع: "المركز القومى لثقافة الطفل، يصدر سنوياً من 15 إلى 20 كتابا، نقوم بتوزيعها على المكتبات والهيئة العامة للكتاب، وقصور الثقافة، لتكون متاحة للأطفال بالمجان، علاوة على ما تقوم به الوزارة من نوادٍ للقراءة ومعارض للكتاب، ولكن عادة القراءة فى الأصل عادة منزلية، تبدأ من البيت".
وبحسب ناصف، فإن التشجيع على عادة القراءة، منظومة متكاملة، كل قطاع فيه يجب أن يؤدى دوره على أكمل وجه، بداية من الأسرة ومن ثم المدرسة، لوزارة الثقافة.
وتابع: "يجب على الوالدين فى المنزل أن يشجعا الطفل على القراءة، ومن ثم وزارة التربية والتعليم، التى يجب أن تهتم بالكتاب المدرسى، وتجعله وسيلة لجذب الطالب، من لغته البسيطة وهيئته الملونة، ليأتى فيما بعد دور وزارة الثقافة، وبقية المؤسسات للتشجيع على تنمية الفكر، ونشر ثقافة القراءة فى مصر".
الشعب لا يمتلك ثقافة القراءة
ومن جانبه قال الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، إن الشعب المصرى لا يمتلك ثقافة القراءة حتى المتعلمون، لأننا لم نغرس فى نفسه سمة القراءة مثلما يحدث فى الدول المتقدمة فيقومون بالقراءة فى أى زمان وأى مكان لا يتركون دقيقة من دون قراءة فى المواصلات فى المنزل فى النادى على حمامات السباحة.
وأكد "عصفور" أن المسئول عن ذلك هو المجتمع ووزارة التربية والتعليم وخاصة فى المرحلة الابتدائية، لافتا إلى أن نسبة القراءة فى مصر والوطن العربى لا تقارن بالدول الأوروبية، لا توجد نسبة من الأساس.
عمل مسابقات تشجيعية
مطالبا وزارة التربية والتعلم بتشجيع الطلاب فى مرحلة الحضانة والابتدائية على تشجيع الأطفال من البداية على القراءة، وعمل مسابقات لتشجيع الكلاب على القراءة، لافتا إلى أن مسابقة تحدى القراءة العربى بدبى هى خطوة على الطريق ويجب أن تعمم فى مصر وتكون عبارة عن نشاط مشترك بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة، مؤكدا أن القراءة هى سلاح ضد الجهل والتعصب.
30 مليون أمى
وأوضح الروائى يوسف القعيد عضو مجلس النواب، أن القراءة متراجعة فى مصر بسبب الأمية فيوجد فى مصر 30% أمية أى ما يعادل 30 مليون مصرى أميين، بسبب ارتفاع أسعار الكتاب وخلو المدارس من المكتبات وخلو البيوت والأحياء من المكتبات، فيجب أن تكون القراءة الحرة زادا ثقافيا للأجيال القادمة مثلما كان يحدث فى الستينيات.
عودة المكتبات العامة فى الشارع
وأضاف "القعيد" أنه إذا أرادت الدولة أن تعيد القراءة من جديد مثلما كانت فى السابق فيجب عليه أن تُمحى الأمية وأن تدعم الكتاب وعمل مكتبات فى الشارع، ويجب على المواطن ألا يعتمد على النت والتكنولوجيا فى القراءة لأنها ليست ثقافة حقيقية.
وأكد أن وزارة الثقافة قائمة بدورها على أكمل وجه لسبب بسيط للغاية أن 95% من ميزانيتها تصرف على المرتبات والأجور و5% تصرف على الأنشطة فهى مظلومة ظلم الحسن والحسين.
الشعب غير مثقف
وأضاف الدكتور حسن السنوسى الخبير التربوى، أن الشعب المصرى غير مثقف وخاصة الجيل الحالى الذى لا يهتم بالقراءة ولا الكتابة والتعليم الآن أصبح عبئا من وجهة نظر الطلاب، الطالب لا يريد أن يتعلم هو يريد أن يصبح ممثلًا أو فنانًا أو لاعب كرة، وذلك بسبب تدهور حالة التعليم فى مصر بشكل كبير.
التعليم الأجنبى
وأوضح "السنوسى" أن المسئول عن تدهور التعليم والقراءة فى مصر هى الأسرة والمدرسة لأنهم هم الأساس وبسبب الظروف الصعبة التى تمر بها الأسر لا تهتم بالتعليم ولا من القريب أو البعيد، الأسرة فى السابق كانت تشجع أبناءها على القراءة والتعليم وكان رب الأسرة يأتى بالكتب والجرائد حتى يثقف أبناءه على الرغم من أنه من الممكن أن لا يكون متعلما أو متعلما تعليما متوسطا ولكن كان يهتم بالقراءة، ولكن الطلاب حاليا فى الجامعة ولا يستطيعون القراءة، مشيرا إلى أن التعليم الأجنبى أفسد الطلاب ولا يهتمون باللغة العربية ويهتمون فقط باللغة الأجنبية وهذا أدى إلى تدهور اللغة العربية.
مكتبات عامة
وتابع أن وزارة الثقافة لها دور فى هذا الإهمال والتقصير بسبب أن دورها بسيط للغاية وخاصة فى الفترة الحالية بسبب ارتفاع أسعار الكتب ويجب أن يكون هناك دعم من الوزارة على الكتب حتى يستطيع الطالب أن يوفر من مصروفه اليومى لكى يشترى الكتاب ويقوم بالقراءة ولكن الكتب فى الوقت الحالى مرتفعة للغاية وأقل سعر كتاب يتعدى الـ50 جنيها، فيجب أن يكون هناك حملة توعية من الدولة والإعلام بأهمية القراءة لأن القراءة هى ثقافة المجتمع ويجب أن يكون هناك كتب عامة فى الشوارع حتى نساعد الطالب على القراءة.
وقال الدكتور كمال مغيث الخبير التربوى، إن القراءة والتأليف والترجمة محدودة فى مصر بالمقارنة بالعالم، لافتا إلى أن هذا يرجع إلى أسباب عديدة منها التعليم لأنه قائم على فكرة النموذجية والإجابة النموذجية وليس قائمًا على فكرة أن الكون كتاب مفتوح، والنسق التعليمى الحديث قائم على لاحظ وفكر وعبر لأن الظواهر لا تنتهى فالقراءة حول هذه الظواهر لا تنتهى، ثانيا الفقر عنصر أساسى فى قلة المعرفة فالمواطن بدلا من أن يشترى كتابا يشترى الأكل والشرب، وسيادة ثقافة الحلا والحرام فيجب على المواطن أن يعرف ويعلم.
وأوضح "مغيث" أن العناصر كلها مرتبطة بعضهها ببعض سواء البيئة والأسرة والتعليم جميعهم مرتبطون ببعض وجميعهم أدوا إلى تدهور التعليم والقراءة.
وأكد الخبير التربوى أن القراءة تجعل الشخص إنسان حقيقيًا فالفرق بين الإنسان والحيوان أن الإنسان يعيش حياة ثقافية والحيوان يعيش حياة غرائزية بيولوجية، فالثقافة تنقل الخبرات من جيل لجيل، فالحياة هى القراءة والكون كتاب مفتوح يجب أن نقرأ حتى نستطيع أن نعيش ونتعايش بداخله.
وتابع أن وزارة الثقافة مقصرة فى دورها الحقيقى، لافتا إلى أن ميزانيتها محدودة للغاية وتصرف على العاملين بها لذلك اختفت أنشطتها الثقافية إلى حد كبير، فهى لا تقدم شيئا.