بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

من رابعة لمعارضة الجماعة.. "بلدنا اليوم" ينشر قصص خاصة للتائبون الجدد داخل الإخوان

بلدنا اليوم
كتب : عبدالله أبوضيف

الشباب: الجماعة قتلت المتظاهرين وليس الأمن

خبراء: قيادات الإرهابية باعوا الشباب في أول صدام

"الحضور إلى ميدان رابعة العدوية يوم 28 يونيو 2013.. انصر الرئيس الشرعي".. رسالة ليست كأي رسالة بدأ بها عمرو الحج من محافظة قنا يومه، ليسارع بقطع تذكرة من محطة القطار، بينما يجد أمامها تجمعًا معارضًا لرئيسه محمد مرسي، :"مرسي ياستبن هنرجعك السجن" هتافات اعتاد على سماعها بينما يتم إعطاءه استمارة لحركة تمرد تضم بنودًا لأسباب الدعوة للتظاهر يوم 30 يونيو، ينظر إليها بغضب ويتظاهر بأنه سيقوم بالتوقيع عليها قبل أن يدسها في جيبه ويسرع لقطع تذكرة القاهرة.

يقول عمرو الحج، أن هذه الفترة كانت طبيعية على الإطلاق، نصرة الرئيس حسبما كان يطلق على الدكتور محمد مرسي، كانت متكررة سواء وقت نشره الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012، أو مع قرار تعيين النائب العام طلعت عبد الله، مظاهرات هدفها الرئيسي منع آخرى مناهضة للسياسية الخاصة بالجماعة، بالتأكيد لم يكن التوقع أن تمتد مظاهرات 30 يونيو إلى عزل الرئيس نفسه والقبض على قيادات الجماعة والزج بهم في السجن، التوقعات كانت أقل من ذلك بكثير من الحشد الكبير الذي عزمت الجماعة في هذا الوقت على تواجده في ميادين رابعة والنهضة.

يوم 30 يونيو يقف عمرو على أحد جوانب الميدان، يعلو هتافه :"مرسي رئيسي"، بينما تتعالى من المنصة كلمات القيادات التي أثارت عواطف الشباب، في الجانب الآخر تتزايد الأعداد في ميدان التحرير الذي كان المقر الرئيسي لحركة الشعب المصري:"لا يمكن أن ننكر هذه الأعداد التوتر كان يزيد من وقت لآخر، ومع تواجد قوات من الشرطة والجيش تؤمن الميدان وتمنع كافة تحركات الجماعة كان الأمر بمثابة صدمة، خاصة وأن قيادات الجماعة كانت تفهمنا أن الأمر مستتب ومؤسسات الدولة خاضعة لسيطرتنا، لكن شيء من ذلك لم يكن صحيحًا، انحازت المؤسسات لـ30 يونيه وسقط حكم الإخوان.

عاد عمرو في أعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة، إلى محافظة قنا مرة ىخرى، حاملًا الخيبة التي نتجت مما كان، فرئاسة اتحاد طلاب الجامعة الذي كان أحد رواده أصبح هواء منثورا، كافة أحلامه سقطت، أعوام تمر في المظاهرات المطالبة بعودة مرسي للحكم بإيعاز من قادة الجماعة، قبل أن يتم القبض عليه في نهاية عام 2016 ضمن مجموعة بتهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، والترويج لأفكارها بما يخالف القانون، ليقضي عمرو 2017 بالكامل داخل غياهب السجن، الأمر يظهر أنه في غاية السواد، لكنه كان مختلفًا بالنسبة لعمرو.

يقول عمرو لـ"بلدنا اليوم" أن فترة السجن كانت أكبر محفز للتغيير، لا يمكن أن ترى القيادات خارجة واحدًا تلو الآخر، وانت وحيدًا تدفع الثمن لما قاموا هم أنفسهم بالتعبئة من أجله، أول من باعوا داخل السجون هم القيادات، تبرأهم من فكرة الجماعة كانت مفاجئة بالنسبة للشباب، الأمر الذي شكل صدمة وإعادة تدوير للأحداث منذ البداية، كيف تدعونا للتظاهر داخل ميدان يتوسط المؤسسات العسكرية ويتسبب في إغلاق الطرق الرئيسية، وتطمئن الجميع بأن الأمر مستتب بينما تعترف في أول سؤال بانك أخطأت، كل هذا كان كذب من قيادات الجماعة، لم يكن هناك فكرة رئيسية بنت عليها الجماعة أوضاعها كله كان للمصلحة، وبمجرد تأكدهم من انتهاءها، تبرؤوا حتى من وقودهم وهم الشباب، حينها قررت أنه لا عودة لهؤلاء من جديد.

أفرج عن عمرو بداية من عام 2018، بمقتضى توقيعه على أوراق "التوبة" عن أفكاره، بينما قرر الابتعاد عن كافة النشاطات السياسية والدعوية، خاض فترة الخدمة العسكرية، واعتبرها أشرف اوقاته، بينما يقضى هذه الفترة حياته في هدوء بعيدًا عن كل شيء.

انفوجراف.. رابعة العدوية

8 قتلى من قوات الشرطة

156 مصاب فى جانب الشرطة .

607 قتلى بعضهم من المتجمعين حول الميدان

1492 مصاباً

363 حالة تم تشريحها في الطب الشرعي

كان اتجاه الطلقات التى أصابت الحالات التى جرى تشريحها كالتالى :

ـ 29 حالة من أعلى إلى أسفل .

ـ 87 حالة من الأمام إلى الخلف .

انفوجراف.. القتل داخل النهضة

88 قتيلا و 366 مصابا

2 قتلى من الشرطة

14 مصابًا

23 قتيلًا من المتجمعين

38 مصابًا

63 من القتلى حول الميدان

314 مصابًا

أهم الخسائر

ضبط 41 سلاحاً نارياً مختلف العيار

آلاف من الذخائر التى تستخدم عليها

اشتعال النار فى كلية الهندسة

إشعال النار فى أماكن متفرقة

المصدر: تقرير لجنة تقصي الحقائق

يرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن الأزمة الحقيقية مع المراجعات لدى الجماعة، أنها تتعلق لديهم بمذهب البرجماتية، فبينما يتم التأكد من خلال عدد من الإجراءات أنهم خاضوا فترة المراجعات، بينما يتم الإفراج عنهم، فيعودوا إلى ماكانوا عليه بمجرد انتهاء فترة التضييق السياسي والأمني عليهم، وهو أمر سبق وحدث مع سيد قطب نفسه في أول الستينيات، ليعود بعدها مرة آخرى بتنظيم سري أقوى ويستهدف راس الحكم الرئيس جمال عبد الناصر.

قائد مراجعات الإخوان يكشف وهم الجماعة

عماد علي، أحد شباب الإخوان الذين حضروا في ميدان رابعة، إلا أنه أصبح شخصًا مختلفا في أعقاب فترة الحبس التي قضاها على مدار عامين ونصف داخل السجون بداية من عام 2016، وحتى النصف الأول من عام 2018، إلا أن ذلك لم يكن بالأمر السهل حدوثه، حيث قرأ عماد عشرات الكتب داخل السجون، التي هيأته لتغيير أفكاره اسلحة جوا الاعتصام، كان منها "أزمة التنظيمات الإسلامية، الحق المبين للدكتور أسامة الأزهري، الدولة الاسلامية المفهوم والإنسان" وغيرها من الكتب التي ساهمت في إحداث خلخة للمفاهيم التي تشبع بها طوال سنين ساهمت في جعله "إخواني منتظم".

يقول عماد لـ"بلدنا اليوم" أن فترة رابعة العدوية كان بمثابة ارتكازًا لجماعة الإخوان، بينما في نفس الوقت سببًا رئيسيًا في تذكر أحداثه، إحداث مراجعات للأفكار، حيث بدأ التنظيم التظاهرات بتخزين السلاح والذخيرة لاستخدامها في حال عدم استتباب الأمور أو التعدي عليهم، وبالتالي تسبب في إشعار الشباب وأنهم في حالة حرب، بينما بعد نجاح ثورة 30 يونيو، قرر التنظيم إظهار أن ما يقومون به بمثابة ثورة شعبية ضد انقلاب عسكري، فقرروا التراجع عن فكرة السلاح وصدروا أحاديث السلمية وما صاحبها من تغيير القيادات المسيطرة على المنصة، في الوقت الذي قررت الجماعة نفسها استخدام السلاح في أعقاب فض رابعة العدوية والنهضة، وبالتالي عدم وجود خطة وتقديم الشباب كبش فداء ووفاتهم وحبسهم بينما ينعم القيادات بحياة رغدة وهروب في اول اشتباك سهل كثيرا من فكرة تغيير الأفكار وضرورة إعادة تقدير الموقف بالكامل، وأن الأمر لا يتعلق بالدين على قدر ما يتعلق بالمصالح.

ويشير عماد الذي حبس في سجن الفيوم، أن لدى الجماعة أزمة حقيقية في الربط بين الدين والتنظيم، ومع أول مراجعة المتمثلة في نقد الأفكار العامة وتوجيه الأسئلة حولها، يظهر مدى هشاشة هذه الأفكار، واستحالة الربط بين الدين الذي هو ملك للجميع وبين أفكار التنظيم، وهو أمر جعله يغير أفكاره التي بدأت معه عام 2002 كمضن حديث لجماعة الإخوان، ان يكون فردًا على العكس تمام في 2018، بينما أصبح حاليًا واحدًا من المساعدين في إحداث المراجعات الفكرية، وباحث في الجماعات الإسلامية، وبات قريبًا من نشر اول كتبه حول التجربة بشكل عام، بينما يؤكد أن العشرات غيره يخوضون فكرة المراجعات وهي في طريقها للنجاح بالفعل.

لجنة تقصى الحقائق دليل إرهاب الإخوان

ما أشار إليه عمرو وعماد، كان قريبًا بحد كبير إلى ما نص عليه تقرير لجنة تقصي الحقائق المشكلة بقرار جمهوري، من الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور رقم 698 لسنة 2013 فى 21 ديسمبر 2013، وخلص التقرير إلى القول بأن تجمع رابعة " وإن بدا فى مظهر سلمى إلا أنه لم يكن سلميا قبل أو أثناء الفض " ، مؤكدا أن المسوغات القانونية توافرت للشرطة لفض التجمع بالقوة بعد أن فشلت مساعى إخلائه إراديا ، ولافتا إلى أنه تم الإعلان عن عزم الحكومة فض التجمع من خلال البيانات التى كانت تلقى على المتجمعين وفى وسائل الاعلام قبل تحديد موعد الفض، وجرى تسريب موعد الفض بعد ذلك لوسائل الاعلام التى أرسلت مراسليها لتغطيته، بالإضافة إلى الإنذار الصادر قبيل الفض، وتحديد الممر الآمن، ودعوة المتجمعين للخروج الآمن منه، و لكن كثيرا منهم رفضوا الخروج أو أجبروا على ذلك.

سامح عيد القيادي السابق في جماعة الإخوان، أشار بدوره إلى مبدأ التقية لدى جماعة الإخوان، والذي يلجؤون من خلاله لإعلان شيء يبرر موقفهم، في الوقت الذي يحتفظون بافكارهم الأصلية بعد حين، مشيرا حسب تصريحات مع "بلدنا اليوم" إلى أنه مع ذلك يجب إعطاء فرصة لهذه المراجعات سواء داخل السجون أو خارجها، خاصة وأن هناك نسبة كبيرة بالفعل لدى شباب الجماعة حاجة للعودة إلى حضن الدولة والعمل معها، أو اعتزال العمل السياسي الذي ورط فيه في فترة من الفترات من حياته ولم يعد قادرًا على مغادرته.

ويضيف عيد أن الصدمة المتعلقة بتصريحات قادة جماعة الإخوان انهم غير مسؤولين عن الشباب، أو حتى حبسهم كان لها دورا كبيرا في إحداث تغيير حقيقي في عقول هؤلاء الشباب، خاصة وأن مبدأ السمع والطاعة يضع القائد محل الجماعة، فالطاعة له طاعة للجماعة ومخالفته مخالفة للجماعة، وبالتالي إعلان القادة بارءتهم من الشباب يجعل الشباب نفسهم براء من القادة والجماعة على حد سواء، على أساس من الفكر الذي تربوا عليه أن الاثنين سواء، مشيرًا إلى أن المراجعات الفكرية الكاملة شرط أساسي للتعامل مع الشباب وهو الأمر الذي من الممكن حدوثه بالتعاون مع الأجهزة المختصة، مؤكدا في الوقت ذاته أن الأعدا قليله للغاية من أصحاب المراجعات الفكرية لكنها يمكمن أن تكون نواة لهذه المراجعات.

بينما يشير اللواء محمد ذكي مساعد وزير الداخلية الأسبق، إلى أن الاطمئنان للإخوان أو منشقيهم أمر غير طبيعي على الإطلاق، والطبيعي هم وضعهم تحت المراقبة، خاصة وأن الإخوان يتحدثون عن المراجعات أغلب الأوقات إلا أنهم مختلفين عن كافة التنظيمات الىخرى التي أحدثت مراجعات فكرية بالفعل، بينما تتبع الإخوان مبدأ التقية والمتعلق بقول شيء وإضمار شيء آخر في نفوسهم، وهو الأمر الذي يجب الحذر في التعامل معها، خاصة وأن الجماعة لها عديد السوابق في هذا المنوال، ووجود شباب تربى على هذه المباديء لا يمكن الاطمئنان لهم بسهولة.

الجماعة قتلت الشباب وليس الأمن

أما إبراهيم حسين، كان موقفه أكثر تضررًا من الشخصيات السابقة، حيث فقد أحد أصدقائه خلال فض اعتصام رابعة العدوية قبل نحو 6 سنوات، يحكي إبراهيم أن تغيير أفكاره كان سببا رئيسا فيه هو ما يحدث من قادة الجماعة التي لا تتوقف في وجهة نظره عن تصدير الشباب للمعارك نيابة عنهم، قضى إبراهيم عامين داخل السجن، إلا أن السجن نفسه لم يتمكن من جعله يغير من أفكاره بقدر ما كانت الجرائم التي ارتكبها قيادات الإخوان من التبرأ من المتوفين ممن ليس ذنب لهم كان العامل الأبرز في التخلي عن هذه الأفكار التي تربى من خلال القيادان نفسها عليها.

ويضيف حسين أن صديقه لم يكن إخوانيًا يومًا، إلا أنه دخل الاعتصام بناء على دعوته لها، والتي كانت بدورها بناء على أمر من قيادات الجماعة بان كل أخ في الجماعة يصطحب مجموعة من أصدقائه وعائلته، حتى يصبح الاعتصام ممتلئًا طوال الوقت، لكن ذلك كان بمثابة الطلقة الحقيقية التي قتلت المتواجدين داخل ميدان رابعة العدوية، فلم يكن الأمن الذي قتلهم على قدر ما كانت دعوات الجماعة التحريضية التي رفضت الخروج من الممرات الأمنة في ذلك الوقت، وعبأت الحضور بأن الأمن سيقتلهم في حالة اللجوء للمرات الأمنة.

فترة سجن إبراهيم التي كانت بناء على انتماء لجماعة أسست على خلاف القانون، كانت فترة جيدة في رأيه لمواجهة أفكار مخالفة، كتب ساهمت في طرح أسئلة حقيقية حول جدوى الانضمام للتنظيم، وصحة أفكاره التي تلبث بها لمدة كبيرة، وفي النهاية قرر ترك الجماعة تمامًا، حيث قرر عزله نفسه عن السياسة بشكل عام، والعمل على تطوير نفسه للعمل فقط، بينما السياسة في رأيه لم ينل منها شيء سوى خسارة صديق عمره، بالإضافة إلى أنها مرتبطة بالدين عند الجماعات الدينية، وهو الامر الذي ثبت كذبه تمامًا.

وحسب الدكتور سعيد صادق في تصريحاته لـ"بلدنا اليوم" أن هؤلاء الشباب في حاجة إلى الابتعاد بشكل كامل عن السياسة، بعد كل ما خاضوه من معارك بالنيابة عن القيادات، وأن الصدمة التي تلقوها بناء على تصريحات القيادات، سهلت من عملية انتقالهم من معسكر إلى معسكر آخر، وبالتالي لا يمكن التعجب من هذا الانتقال، على العكس تماما فهو طبيعي ومنطقي، عندما تجد أكثر الأشخاص الذي تستند إليه ليعطيك الثقة، يعتبرك نكرة، وقتها تحدث الصدمة وتبدأ في كرهه.

وأشار اللواء محمد ذكي لـ"بلدنا اليوم" أن تقرير لجنة تقصى الحقائق حول ما حدث في رابعة العدوية والنهضة يمكن أن يكون عاملًا مؤثرا في عمل الدولة وهؤلاء الشباب، الذين يمكن أن يكون نبتة لإنقاذ العشرات غيرهم ممن خدعوا في تنظيم ينادي برفعة الدين، بينما هو في الأساس يعمل على جمع الأموال والعمل على التمكين من المناصب القيادية.

تم نسخ الرابط