د. حسام الدين بدر يكتب: أمريكا ونحن إلى أين؟- نار تحت الرماد!

د. حسام الدين بدر يكتب:
أمريكا ونحن إلى أين؟- نار تحت الرماد!
إن إرتباط البشر بعضهم البعض في حالة من السلميّة يستوجب نوعا من الحوار الحضاري والثقافي، يعمل على إذابة الفروقات بين البشر، بهدف الإعلاء من قيمة الإنسان بوصفه المسير لشئون الكوكب الذي يعيش عليه؛ إلا أنه وعلى الرغم من تقدم الإنسانيّة (عامة) والدول الغربيّة (خاصة) على المستوى التقني منذ عصر التنوير، إلا أنها شهدت تدني على مستوى موضوع العنصرية، ضمنها العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء، على النحو الذي نجده في الولايات المتحدة؛ وهي عنصرية يؤججها بين الفينة والأخرى القائمين على عالم السياسة ؛ رغم أن فلاسفة عصر التنوير وأيضا قبل بدايته قد نبهوا إلى وجوب التسامح مع الغير ونبذ العنصرية لاستقامة الحكم، على سبيل المثال نجد الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632-1704) في كتابه "رسالة في التسامح" وقد أشار إلى أن الحاكم ينبغي عليه ألا يتسامح مع الأراء المضادة للمجتمع المدني أو مع الأخلاق الضرورية للمحافظة عليه.
بدأت حقبة التنوير خطواتها بصورة جادة باندلاع الثورة الفرنسية عام 1789، وقد عرّفها الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانت (1724-1804) على أنها خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه النضج الإدراكي لمصلحته في إطار مصلحة الجميع؛ ومن هذا المنظور جاءت صيحته التنويرية الآمرة بإعمال العقل وألا تكون ثمة طاعة للقادة أو لرجال الدين إلا بما يرتضيه العقل وصالح المجتمع .
ظهرت حركة في أمريكا أطلقت على نفسها حركة "كو كلوكس كلان"، وكان ذلك كجماعة معارضة مقاومة لعملية تحرير العبيد التي حدثت عقب الحرب الأهلية الأمريكية (1861- 1865) ، التي استخدمت العنف والإرهاب وممارسات تعذيبيهم وقتلهم بصور مختلفة؛ ومنذ السبعينيات تفرّعت هذه الحركة إلى جماعات أربع؛ فرسان كو كلوكس كلان؛ جماعة إخوان كلاين؛ وجماعة إمبريال كلانز الأمريكية؛ وكنيسة الفرسان الوطنيين ، وهي من أنشط الجماعات، حيث طوعت بعض نصوص الكتاب المقدس بصورة اعتسافية للتأكيد على أفضلية البيض على السود.
امتد احتقار السود على يد هذه الحركة إلى واقعنا المعاصر، لدرجة أنها كانت تقوم بسبّ الرئيس الأسبق أوباما لبشرته السوداء وكان انتخابه بالنسبة لهم تدنيسا للبيت الأبيض، إلا أن خلفه ترامب قد أنتخب بعد حملة شعبوية وقودها اللعب على مخاوف الأمريكان البيض من تحولهم إلى أقلية؛ فعند انتخابه حصد ترامب أصوات 81 بالمئة من الناخبين الإنجيليين البيض، كما تفوّق على منافسته هيلاري كلينتون بأصوات الكاثوليك البيض.
في مايو 2020 بدت التربة خصبة لتأجيج العنصرية ضد السود، وذلك بعد مقتل رجل أسود على يد شرطي من البيض، وحدثت مظاهرات شديدة ضد ما حدث ، بيد أن رد فعل الرئيس الأمريكي كان خروج مترجلا نحو كنيسة القديس يوحنا في واشنطن، ثم رفع أمامها الكتاب المقدس على بعد شارع من البيت الأبيض، يعكس من خلال ذلك ضمنيا كونه القائد المخلص، الذي يرفع شعار أفضلية العنصر الأبيض ، وبالتالي تأييده لما يرمي إليه التفسير الديني لحركة كلوكس كلان بأفضلية العرق الأبيض، الذين قام بعض أفرادها من أجل تأكيدهم على انتمائهم الديني بتثبيت صليب مشتعل أمام مبنى الكابيتول ، وذلك أثناء الأحداث التي وقعت بواشنطن في بداية يناير 2021حين اقتحمت مجموعات مؤيدة للرئيس ترامب مبنى الكابيتول لمنع التصويت لصالح الرئيس المنتخب بايدن.
لقد عكست شوفانية ترامب صورة قبيحة غوغائية ، تمجد الأنا الجمعي الممثلة في العنصر الأبيض، يجعل من جماعته الحق في القيادة وغيرها أغيار ما لهم من اختيار، غير القيام على خدمة الأسياد من البيض؛ لقد أشعل بذلك ترمب نارا وقودها العنصرية، التي ستؤدي بحال من الأحوال إلى خروج أمريكا من قيادة العالم ، وإن كانت عملية الخروج ستأخذ وقتا يمكن أن نطلق عليه "الوقت المتأرجح" ، يعقبه الخروج التام؛ ولا يعني تقلُد بايدن لرئاسة أمريكا أن نار العنصرية قد خمدت، بل هي قد خفتت إلى حين، فثمة نار تحت الرماد، وعليه لابد من التنويه إلى أهمية النظر إلي باطن الأمور وليس الظاهر منها.
إن خروج أمريكا من قيادة العالم سيحدث زلزلة شديدة، ستنال منطقتنا بصورة أو بأخرى؛ السؤال هنا: ما الذي يمكننا أن نفعله في "الوقت المتأرجح" قبل خروج أمريكا؟ تأتي أصداء الإجابة على استحياء من بعض مطابخ السياسة في العالم العربي؛ إجابة تنادي بوجوب تشكيل تكتلٍ على مستوى الأصعدة (سياسية واقتصادية وربما عسكرية)، يمثله على الجانب العربي مصر ودول الخليج، وعلى الجانب الأخر تركيا وإيران.
هل يمكن أن يقع هذا؟ هل نحن فاعلون قبل فوات الأوان ما يمكنه أن يوفر حماية لدولنا ومجتمعاتنا في هذا الوقت العصيب؟ أم أننا سنظل نبكي على اللبن المسكوب، نعاني من غيبوبة سياسية، لا ندري أن ثمة نار تحت الرماد ستشتعل يوماً إلى السطح لتحرقنا قبل أن تمتد إلى غيرنا؟.