وزير الأوقاف يحذر من أكل الحقوق ويؤكد على حق الضعفاء

في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر، وإسهامًا في بناء الوعي الرشيد، وخلال الحلقة الثامنة من برنامج "رؤية" بعنوان: "حديث القرآن عن الحق" أشار الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف إلى قول الحق (سبحانه) في كتابه العزيز: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" ويقول (سبحانه): "وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا".
فالمؤمن الحقيقي يأخذ الحق ويعطي الحق ويؤدي الحق الذي عليه، وكان نبينا (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) إذا قام للصلاة في جوف الليل قال: "اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ لكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ.
وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ"، فمن علم كل ذلك أعطى الحقوق لأصحابها، والحقوق نوعان: حقٌ لله (عز وجل) من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج لمن استطاع إليه سبيلًا وسائر الأعمال والطاعات.
وهناك حقوقٌ للعباد؛ وحقوق العباد هي: أصعب ما يحاسب عليه الإنسان، ذلك أن الإنسان كما علمنا نبينا (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) قد يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام ، وزكاة ، وذكر، وتسبيح، وغير ذلك، ثم إذا جاء يوم القيامة صار كل ذلك هباءً منثورًا؛ فيُؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته، ولهذا من حسناته، لأنه كان قد شتم هذا، وسب هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، وهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم، فحملت عليه فطرح في النار، ذلك أنه يوم القيامة لا درهم ولا دينار إنما هي حسنات وسيئات، فإياكم وأن تجوروا على حق أحد، أو أن تظلموا أحدًا، أو أن تأخذوا مال أحد، وبخاصة من يأكلون أموال النساء في الميراث أو يظلمون بعض النساء أولا يؤدون حقوقهن أو يستضعفون بعض الورثة إن كانوا أيتامًا أو ضعفاء فيجورون على حقوقهم، يقول نبينا (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): "من منع وارثًا حقه منعه الله تعالى جنته يوم القيامة"، من منع وارثًا ذكرًا أو أنثى ولا سيما إن كان ضعيفًا أو إن كان يتيمًا أو كانت بنتًا أو فتاةً أو امرأة، أو من جار على حقل جاره أو على زرعه أو على صناعته أو على تجارته أو على أحد من الناس.
بخاصة حقوق الجيران سواءً كان في الحقول أو في غيرها، وما يعانيه بعض الفلاحين مما يعرف بنقل الحد أو نقل حديد المساحة أو نحوه ظلمٌ كبيرٌ وجور كبيرٌ وعقابه شديدٌ فعليك أن تحفظ حرمة جارك ، يقول النبيُّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِّينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"، فهل من وصية رسول الله (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) لك بجارك أن تفتئت على حقه أو أن تنقل الحد عليه وأن تعتدي على زرعه أو على ثماره بدون حق أو أن تأخذ منها دون علمه وما شابه ذلك أو شاكله ، فمن الحقوق ألا تؤذ جارك يقول النبيُّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): " مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ويقول النبيُّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): "ما آمَنَ بي مَن باتَ شَبعانَ وجارُه جائعٌ بجَنبِه وهو يَعلَمُ به"، حق الجار على جاره إذا مرض عدته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن أصابه خير هنأته، وإن اشتريت فاكهة أو شيئا حلوًا أهديت له منها، الجار لا يؤذ جاره ولا يعتدي عليه بل يكرمه.
وذكروا لسيدنا رسول الله (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) امرأةً صوّامة قوّامة أي تصوم النهار وتقوم الليل لا تصوم رمضان فحسب، إنما تجتهد في صيام النوافل وفي قيام الليل ليس في رمضان فحسب، بل في سائر الأيام، إلا أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟، فقال النبي (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) : "هيَ في النَّارِ"، فالقضية ليست في كثرة الصلاة، ولا في كثرة الصيام، ولا في كثرة الحج، ولا في كثرة العمرة، إنما في السلوك الإنساني وفي احترام الإنسان لأخيه الإنسان وفي عدم أذى الإنسان لأخيه الإنسان، لأن الإنسان إذا صلى ووقف بين يدي الله خمس مرات في كل يوم وليلة ولم يمتثل لقول الحق سبحانه: "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ" فلا صلاة له، ورب صائمٍ ليس له من صومه إلا الجوع والعطش إذا كان يصوم ويؤذي الناس، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب إذا كان يؤذي الناس وأيضًا رب حاملٍ للقرآن والقرآن يلعنه إذا كان يؤذي الناس، يقول النبيُّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): "الطُّهورُ شطْرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وسُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ تَملآنِ ما بين السماءِ والأرضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدَقةُ بُرهانٌ، والصبْرٌ ضِياءٌ.
والقُرآنُ حُجَّةٌ لكَ أوْ عليكَ"، كان أصحاب النبيُّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) إذا حفظ أحدهم عشر آيات لا ينتقل إلى حفظ ما بعدها حتى يعمل بها، فأنت في رمضان تحرص على تلاوة القرآن والقرآن حق، وهو نزول من عند الحق، وكلماته حق فعليك أن تحق الحق، فالعبرة ليست في كثرة القراءة وإنما في العمل، العبرة ليست في كثرة العبادة، وإنما في السلوك فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، ومن لم ينهه صيامه عن الفحشاء والمنكر، وعن أذى الناس، وعن أكل الحرام فلا صيام له، ومن لم تقوِّم قراءته للقرآن سلوكَه فما انتفع لا بذكر ولا بقراءة قرآن، فلا ينبغي أن نكون أهلَ كلامٍ فحسب، بل ينبغي أن نتحول إلى أهل سلوك؛ فالإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل، والعبرة بالسلوك، وعندما تحدثت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن نبينا (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) قالت: "كان خلقه القرآن" لم تتحدث عن كثرة قراءته للقرآن قدر ما تحدثت عن تمثله للقرآن سلوكًا وأخلاقًا، فقالت: "أو ما تقرأ القرآن؟ كان خلقه القرآن" أي كأنه (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) كان قرآنًا يمشي على الأرض؛ يجسد تعاليم القرآن في أفعاله وأقواله وهكذا كان أصحابه.
نسأل الله العليَّ العظيم أن يرزقنا حسن الفهم لكتاب الله، وحسن الفهم لمقاصد العبادات، وأن يتقبل صلاتنا وأن يرزقنا الانتفاع بها، وأن يجعلها مقومة لسلوكنا، وأن يجعل الصيام معلمًا لنا لحسن المراقبة والإحساس بالآخرين، وأداء الحقوق ، وأن يمن الله علينا بشرح صدورنا جميعًا لإخراج زكاة مالنا، نسأل أن ينفعنا بذلك، وأن يرزقنا حسن الفهم، وحسن الوعي وحسن العمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.