صعيدية من أبو تيج.. حكاية «عباسية فرغلي» أول امرأة عربية تحصل على رخصة القيادة

لطالما كان للمرأة المصرية دور رئيسي في الحياة المصرية ,مهما ربطها بعض الناس من ضيقي الأفق بضرورة تبعية الرجل وحاولوا تهميشها, وتهميش تأثيرها في المجتمع اعتمادًا على نظرتهم الخاصة, و معتقداتهم الخاطئة للدين والشرع, فقد كرم الدين الإسلامي المرأة وقدر دورها وأهمية وجودها في المجتمع ,من أم أو ابنة أو أخت أو زوجة.
ومرت على البلاد فترات قبل النهضة الفكرية والأدبية للبلاد ,وكانت تسود فيها أنواع من القمع للمرأة ,ومحاولات لتهميش دورها واقتصاره على تبعية الرجل, تبعية المحكوم للحاكم بلا أدنى حق للاعتراض, وخصوصًا في المناطق الشعبية والريفية في هذه الحقبة التاريخية ,فكانت نادرًا ما تخرج إلى الشارع ,وكانوا تخبئ في المنازل خلف المشربيات ,إلى أن يأتي من يطلبها للزواج وطبعًا لم يسبق له رؤيتها ,ولا يعلم كيف تبدو إلا بعد الزواج ولكن بحلول القرن العشرين ,ومع الثورات الفكرية والأدبية وحركة الترجمة وظاهرة الانفتاح على الغرب ,وانتشار تعليم المرأة وظهورها في سوق العمل بشكل أكبر وزيادة وجودها في المجتمع, بدأت هذه الأفكار في الاندثار ,مع احتفاظ بعض المناطق الريفية بنوع منها تحت مسمى العرف والتقاليد ,وجملة "الست مش زي الراجل" ومن يعاديهم ينظر له على أن معادي للتقاليد والعرف, ومفهوم الصحيح والخطأ في نظر هذا المجتمع.
عباسية فرغلي المرأة التي خالفت التقاليد
ولعل أبرز القيادات النسائية عباسية أو عباسية أحمد فرغلي الابنة لأب من أكبر رجال الأعمال في مصر قبل ثورة 23 يوليو، وينتمى لطبقة رجال الأعمال الوطنيين ,الذين كانوا يهتمون بتحسين اقتصاد مصر عن طريق التجارة وشقيقه محمد أحمد فرغلي باشا الذي لقب بملك القطن في مدينة أبو تيج بصعيد مصر.
نبذة عن عباسية
ولدت في محافظة أسيوط في مطلع القرن العشرين، وتحديدًا في مدينة أبو تيج، ورغم قسوة المجتمع في الصعيد بالنسبة للفتيات كان لها وضع خاص، فقد تمكنت من استكمال تعليمها بكبرى المدارس الاجنبية، ثم انتقلت إلى محافظة الإسكندرية لتعيش فيها بمفردها، لتستكمل دراستها، ومنها إلي عدد من الدول الأوروبية كإنجلترا وفرنسا.
تلقت تعليمها الابتدائي في مدرسة "الجيزويت الفرنسية" في الإسكندرية ,وبعدها دخلت لجامعة «فيكتوريا كوليج» ثم سافرت لإنجلترا، وبعدها لفرنسا واستقرت مع شقيقها لسنوات هناك،و تعلمت قيادة السيارة بدعم من الأب والأخ وحصلت عباسية في فرنسا على رخصة القيادة في 24 يوليو 1920 ثم عادت لمصر لتحصل عليها مرة أخرى من وزارة الداخلية المصرية في عام 1928؛ لتكون بذلك المرأة الحاصلة على أول رخصة قيادة للسيارات لإمرأة عربية، وربما الأولى في دول العالم النامي كلها.
حلم عباسية لتعلم القيادة
بدأت القصة في مطلع العقد الثاني من القرن العشرين،حينما انبهرت تلك الطفلة الصغيرة، بتلك الآلة التي يستخدمها والدها، في التنقل بين الحقول الخضراء، وكانت كلما خرج من المنزل تطلب منه أن يأخذها معه، لترى الحقول والناس السائرين علي شط الترعة من نافذتها، ثم أفصحت عن ذلك الحُلم الذي راودها، بأن تقود بنفسها تلك الآلة، ليُعلمها شقيقها "محمد" فن قيادة السيارات، ثم قررت فيما بعد بالانتقال إلى محافظة أخرى خارج الصعيد، لتقود سيارتها بحرية بعيدًا عن المجتمعات المنغلقة.
دعم عائلة عباسية لحلمها
وقد ساهمت الحالة الإجتماعية الميسورة لـ"عباسية فرغلي" في تشكيل شخصيتها في عالم قيادة السيارات، فوالدها كان أحد أكبر التجار في جنوب الوادي، وشقيقها الأكبر، محمد فرغلي باشا، صاحب شركة فرغلي، أكبر وأنجح شركات القطن فى تاريخ مصر، مما أهله لأن يُصبح ملكًا للقطن، وكانت تلك العائلة تمتلك عقلًا متفتحًا، لدرجة أنهما ساعدا ابنتهم للحصول على رخصة قيادة السيارات فى وقت كان صوت المرأة به عورة، لتصبح أول مصرية تحصل على رخصة قيادة السيارات.

