قبائل «الهنجرانية».. الرواية الحقيقية لـ«مئة عام من العزلة»

"الهنجرانية" هم فئة من المواطنين الذين توغلوا في المناطق العشوائية والشعبية، ولكنهم في الحقيقة قبائل لها عالمها الخاص فهو سري للغاية وغامض يحكمهم قوانين خاصة وعادات وتقاليد غريبة في العمل والزواج والطلاق بالإضافة إلي ذلك وجود شيوخ تحكم تلك القبائل سنكتشف معا ذلك العالم السري الملي بالأسرار والحكايات فهناك طقوس خاصة و خطوط حمراء لايمكن تجاوزها ولكن قبل ذلك سنرجع بالزمن للقرن الخامس الميلادي لنتعرف علي أصل "الهنجرانية" ،ومن أين أتوا؟أسطورة "هنجرانية" يرجع تاريخ تلك القبائل الي القرن الخامس الميلادي ، كان "بهرام شاه" ملك بلاد "فارس" يهتم كثيرا براحة رعاياه فحدد لهم نصف اليوم للراحة والحفلات والنصف الاخر للعمل، وصدم عندما علم بأن الفقراء لا يجدون ما يرفه عنهم بعد يوم عمل طويل، فطلب من والد زوجته في "الهند" أن يرسل له اثني عشر ألف موسيقي للترفيه عن الفقراء ، وعندما وصلوا أقسموا علي إسعاد الفقراء، ومقابل ذلك أعطا "بهرام شاه" لكل منهم قطعة ارض زراعية وحمارا وثورا وكمية من الحبوب كافية للزراعة، ولكنهم اكلوا ثيرانهم والحبوب ولم يقوموا بالعمل المكلفين به.فأكد لهم "بهرام شاه" ان لم يتبق لهم سوي الحمير والآلات الموسيقية ، وأمرهم بالرحيل من بلاد "فارس" بعد رفضهم إسعاد الشعب الفارسي وبالفعل قرروا الخروج باحثين عن مكان أخر يعيشون فيه ونبتت بداخلهم الرغبة في حياة بلا حدود او قيود، فبدا التنقل من مكان لأخر حتي وصل جزء منهم لمصر والاناضول وبلاد الشام.واستمروا في الترحال والتنقل من بلد لأخري حتي وصل البعض منهم إلي الدول الأوربية مثل: المانيا واليونان .ومن هنا بدأت "الهنجرانية " تستقر في بعض الدول وتكونت لديهم عقيدة وهي أنهم أولاد "قابيل" ابن "آدم" عليه السلام ، فهو كتب عليه الترحال بعد أن قتل أخاه "هابيل"، ومنذ ذلك الوقت عرفت مصر "الهنجرانية" وهناك آراء مختلفة بشأن تاريخ الغجر وأصولهم، فيقول البعض ان شعوب الغجر تنقسم إلى قسمين أحدهما ينتمى إلى الرومان " في أوروبا" والثاني إلى قبائل الدومر "في الشرق الأوسط" ومناطق وسط وجنوب آسيا وشمال إفريقيا ويتكلمون لغة مشتركة قد تكون من أصل هندي، وبعضهم لهم ثقافة وتقاليد متشابهة.والان سندخل معا إلي ذلك العالم محاولين معرفة بعض اسراره.مناطق تمركز "الهنجرانية" استوطن الغجر في أطراف القاهرة وسعوا للعيش في مناطق مزدحمة فقرروا الاستقرار في بيوت خاصه بهم عرفت بعد ذلك ب "حوش الغجر"، فكانت هذه البيوت في "امبابة" و "ميت عقبة" و"المطرية" و"الإمام الشافعي" و"عزبة الوالدة" و "عزبة الهجانة" أن دخول هذا العالم مستحيل دون موافقة كبيرهم، فهو الوحيد الذي تمشي كلمته علي الكبير قبل الصغير، فإذا اردت الدخول يجب ان تكون محمى حتي تستطيع الخروج مره اخري .وكانت محافظات مصر لها نصيب من ذلك ايضا فستوطن اكثر من 4ألاف في محافظة الدقهلية ، إضافة إلي500غجري متفرقين في المنصورة والجمالية، واطلق عليهم الهنجرانية ولم يجدوا في ذلك عيبا بل كانوا يتفاخروا بهذا الاسم."الغاية تبرر والوسيلة" هذا مبدأ "الهنجرانية" لكسب عيشهمعمل الغجر من مجالات عديدة فقاموا بالعمل في مجال التجارة وقد اكتسبوا من خلالها خبرة في معرفة الشخص الغني من الفقير، والذي يحمل معه مال من عدمه، وعمل البعض في صناعة المناخل من شعر الخيل، وعمل المسامير والرقص الشعبي وتدريب القرود ـ خاصة من يسكنون منطقة الأزبكية بالقاهرة، وأعمال البهلوانات في الموالد، وتعمل نساء الغجر في قراءة الطالع والكف، ومن أشهر الأعمال التي تمارسها الغجريات الغناء والرقص والتسول، ولكنهم وجدوا طريق السرقة أسهل بكثير من أي عمل آخر، وبدلا من الخسارة في البيع والشراء والمشقة يمكنهم الحصول على المال الوفير وبأقل مجهود.ولكن الاوضاع تغيرت عن ذي قبل، حيث أصبح الغجري يعمل بنفسه ويعلم ابناءه سواء بالمدارس أو الحرف ويلتحقوا بالدبلومات، فتعليم الحرف عندهم أصبح شيء مهم حتي يندمجوا مع باقي افراد المجتمعحياة "الهنجرانية" تحكمها السرية التامة و طقوس خاصة من الميلاد حتي الموت يعيش الغجر في مصر متحررين من قيود المكان والزمان لا يهتموا للماضي ولا يفكرون في المستقبل المجهول. ما يشغلهم هو كيف يقضون يومهم دون تخطيط للغد.وكذلك معروف أنهم يحلون مشاكلهم فيما بينهم بمساعده مجلس المغارمة وهو يشبه مجلس العرب ولا يلجؤون إلى القضاء أو أقسام الشرطة، فيذهبوا إلى زعيم القبيلة ويقدم له الشكوة سواء شفهية أو مكتوبة، ويبدأ هو في التحقيق فيها، ويحكم فيما بينهما، ويتم تنفيذ القرار دون مناقشة من الخصوم.بالإضافة إلي ان الدخول وسطهم مستحيل دون موافقة كبيرهم.ولديهم طقوس للزواج تختلف بشكل جذري عن طقوسنا، لا يتزوج "الهنجرانية" ابدا بالأغراب كما انهم لا يدعو غير الغجر إلي افراحهم فالزواج بين الغجر بسيط وسهل لا يمكن مقارنته بمتطلبات الزواج عندنا، و تعدد الزوجات يعد من الأمور السهل والطبيعية في مجتمع الغجر، ولكن الطلاق صعباً للغاية، بل نادر الحدوث، وفي هذه الحالات تدفع الزوجة لطليقها حتي تصبح حره، واحيانا يتم رد المهر للعريس مرة أخري.ذلك المهر يفوق الخيال، قد يصل إلي 500الف جنية ولا يقل عن 100ألف ويتم تحديده علي اساس حصيلة السرقة اليومية والدخل السنوي وليس علي أساس جمالها أو رشاقتها أو نعومة شعرها فكل هذا ليس له أهمية للعريس بل كل ما يهمه هو المال الذي سوف يجني من العروس بعد الزواج.و من العادات المهمة انجاب أطفال كثيرين لأنهم يحبون العزوة ولذلك يحتفلوا بولادة الاناث احتفالا كبيرا ولا يبالوا بولادة الذكور وذلك لأن الاناث سرعان ما تكبر وتتزوج وتلد ومن خلالها يزيد عددهم وعزوتهم. فالنساء هم من يقومون بالعمل وتظل الرجال في بيوتهم لرعاية الاطفال وتربيتهم منتظر عوده زوجته بفارغ الصبر ولكن ذلك يحدث في بعض القبائل فقط وليس بأكملها.وفي حالة القبض على أي هنجرانية يقوم الزوج بمتابعة محاكمتها وإرسال كل ما تحتاجه السجينة، ويصرف مرتبا شهريا للسجينة، وكذلك زوجها حتى تستمر الحياة بواسطته صندوق التكافل الاجتماعي ذلك الصندوق يكون من تبرعات الهنجرانية، والمبالغ الذي يقررها كبيرهم على كل سيدة .أستطاع الغجر الحفاظ على أغاني الفولكلور والغناء الشعبي من الضياع ، لعبوا دوراً كبيراً في الحفاظ على السيرة الهلالية فتخصصوا في روايتها على نحو احترافي، واعتبرها مصدراَ للرزق.إذا رواية مئة عام من العزلة قد تبدو حقيقية في مجتمع آخر فارسي لا يقل إثارة عن مجتمع جابريل جارسيا ماركيز في روايته الشهيرة «مئة عام من العزلة»، وستظل الكثير من اسرارهم حبيسة في عالم سري للغاية، لم يستطع احد الوصول اليها.