الإعاقة تتحول إلى انطلاقة.. «اللقاني» شاب حصد البطولات بـ«قدم واحدة»

الاربعاء 19 ديسمبر 2018 | 07:25 مساءً
كتب : مروة الفخراني - محمود صلاح

مكانٍ صغير يجمع عددًا من الأشخاص أعمارهم متقاربة، يرتدون زيًا رياضيًا موحدًا فى تفاصيله الدقيقة وشكله اللامع، أحدهما يجلس على كرسيه، والآخر يزحف على قدميه، ومن بينهم شاب فى الثلاثين من عمره، وجهه رائق القسمات من غير سوء ممتلئ قليلًا، يجلس على كرسيه فى بدلته الرياضية، وتتدلى من عنقه عدة ميداليات ما بين الذهبية والفضية، حصل عليهما من خلال إعاقته التى استخدمها كسلاح ليحصد به أحلامه وطموحاته.

 

محمد كمال محمد اللقانى، شاب فى الثلاثين من عمره يقطن بمحافظة القاهرة، بدأ ممارسة الكاراتيه وهو فى الرابعة عشر من عمره، بنادى إسكو الرياضى، ومن ثم نادى الجلاء التابع للقوات المسلحة، واستمر به لعدة سنوات حتى وصل إلى الفرقة الثالثة بكلية التجارة فى جامعة عين شمس، ولكن شاء القدر أن تنتهى الرحلة المفرحة من شاب يمارس الحياة على طبيعتها ويحقق أرقامًا قياسية، إلى شاب يجلس على كرسى متحرك يقضى به أشياءه؛ إثر حادث سيارة قلب حياته رأسًا على عقب فى لحظاتٍ قليلة.

 

 يروى محمد تفاصيل الحادث التى تسبب فى إعاقته: "الحادث كان فى عام 2000، كنت راكب عربية مع عائلتى، متجهين إلى رأس سدر فى البحر الأحمر لقضاء المصيف، وفى لحظات تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، لتصطدم سيارتنا بسيارة أخرى وجهًا لوجه، لتبدأ رحلة الألم".

 

وأضاف: "ابن عمى مات على شمالى والسائق مات على يمينى، ويشاء المولى أن أخرج من بينهما لأكمل حياتى بهذه الإعاقة فى القدم اليسرى، وبعد فترة معالجة امتدت 5 سنوات، انتقلت خلالها بين المستشفيات لإجراء العمليات المختلفة فى النصف الأسفل من جسدى، بالإضافة إلى إنهاء مشروعى الذى كنت أعمل على تجهيزه وعلى وشك الافتتاح، "شركة موبايلات" لم يتم افتتاحها بسبب هذا الحادث.

 

«الحادث مأثرش فيا.. اللى أثر فيا أكتر وفاة أمى».. بهذه العبارات استكمل لاعب الكاراتيه الحاصل على المركز الثانى عالميًا حديثه لـ"بلدنا اليوم"، مؤكدًا أن الله- تعالى- كان له دور كبير فى إعانته على مواجهة هذه التأثيرات التى نشبت إثر الحادث، ولكن بعد أشهر قليلة بدأت أمارس الحياة بشكل طبيعى وأتأقلم على الواقع الذى أصبحت عليه، حتى جاءت اللحظات التى كنت فقدت فيها الأمل إلى العودة للعب الكاراتيه ثانية، ولكن تخطيت ذلك بمساعدة أشقائى البنات اللاتى ضيعن 5 سنوات من عمرهن، حتى أن أحدهن تم فصلها من كليتها وحتى الآن لم تستطع الرجوع بسبب مرافقتى أثناء مرضى، ولكن هذا الحادث كان سببًا فى أشياء أفضل فى حياتى من تقرب إلى الله ومعرفة الدنيا على شكلها الحقيقى.

 

 بعد عدة سنوات من العجز والمعالجة وفقدان الأمل فى العودة إلى اللعبة التى يعشقها، جاءت البشائر من خلال منشور على "فيسبوك" لأحد أصدقاء محمد يلعب كاراتيه على كرسى، ومن وقتها علم أن اللعبة تم إدراجها فى اتحاد الكاراتيه، وأصبح لها بطولات محلية وعالمية، وقتها لم يصدق أنه سيمارس الشىء الذى يعشقه مرة ثانية، وعلى الفور توجه إلى نادى البنك الأهلى الذى كون فريقًا من ذوى الاحتياجات الخاصة، وبدأ فى 2015 اللعب رسميًا مع ذوى الإعاقة للكاراتيه، موضحًا: أنه عاشق للكاراتيه ولن يتخلى عن طموحه حتى النهاية.

 

 لم تقتصر الجوائز المحلية والعالمية على الأبطال العاديين، ولكن هناك أبطالا من نوعٍ خاص، صاروا مع الحلم جنبًا بجنب وأكملوا المسيرة حتى النهاية، لم تؤثر فيهم الإعاقة الجسدية ولا الانتقادات التى يواجهونها من المجتمع، فقد حصل اللقانى على عدد من الجوائز المحلية والعالمية فى نطاق لعبته الشهيرة: "حصلت على العديد من الجوائز المحلية، كما حصلت على المركز الأول على اللاعب الذى هزمنى فى تصفيات 2018، وبعدها البطولة العربية، التى شارك فيها ذوو الاحتياجات الخاصة للمرة الأولى، وبعد ذلك تأهلت إلى بطولة العالم، فى الدور الأول حصلت على أعلى درجات فى البطولة، وبسبب الجهد الكبير الذى بذلته؛ أصبت فى الكتف، ولكن حصلت على المركز الثانى عالميًا، وكانت هذه المرة الأولى التى يتم تمثيل مصر عالميا لذوى الاحتياجات الخاصة فى لعبة الكاراتيه".

 

«الحياة مختلفة من شاب يسير على قدميه وآخر على كرسى متحرك».. هذا ما عبر به الشاب الثلاثينى الذى صنع من الإعاقة سلاحًا يحارب به العالم من أجل الوصول إلى أحلامه، مؤكدًا أن الفرق فى الحياة الشخصية كان مختلفًا تمامًا؛ لأنى افتقدت العديد من أفراد عائلتى، وأيضًا قدمى، وهذا ما يؤثر سلبًا على أى إنسان: "مش علشان أنت فاقد شيئا ما فى جسدك يبقى أنت مش هتقدر تعمل حاجة، ممكن تستغل هذه الحركات من خلال أداء آخر، ولن يكون التركيز على الأشياء المفقودة".

 

واستدل على ما سبق بقوله: "التركيز على المفقود؛ يفقدك الموجود"، وأن هناك فرقًا كبيرًا بين الحياة قبل الحادث وبعده، ولكن هناك نجاحات وإنجازات وصلت إليها، لم تكن لتحدث لولا الإعاقة.

 

صعوبات متتالية فى أثناء التمرينات واللعب، والدعم الكبير كان من والدتى، التى علمتنى أشياء عملية من مسئولية وغير ذلك من الأشياء التى تجعلنى أواجه نوائب الدهر، وبعد الحادث بعدما كنت أطلب الدعم أصبحت داعمًا للكثير من الشباب حول العالم، وأيضًا الدعم كان من اتجاه إخواتى أيضًا، وزوجتى التى تعانى هى الأخرى من إعاقة، وفى النهاية المتابعين عبر السوشيال ميديا لهم تأثير إيجابى فى الدعم لى.

 

«الرفق ما دخل فى شىء إلا زانه».. بهذا الحديث النبوى، أوضح محمد اللقانى، علاقته الوثيقة مع الكرسى الذى يجلس عليه، والمساعد الأول له فى حياته، وسبب من الأسباب التى جعلته يحصل على المركز الثانى عالميا، أن الكرسى كان به عُطل قبل خوض المباراة فى البطولة العالمية، فكان يتحرك بحرص شديد، ولكن بسبب علاقتى الوثيقة معه استطعت خوض المباراة بسلام: "كنت بطبطب على الكرسى، وأقول له: معلش استحملنى، كمل معايا للنهاية".

 

بنبرةٍ حزينة ومخزية، ممتلئة باليأس وعدم الاهتمام، تحدث ثانى العالم فى الكاراتيه، عن الدعم المقدم من الدولة له خلال الرحلة الطويلة التى قطعها، والمكافأة التى كانت فى انتظاره من الأجهزة الرياضية بالدولة المصرية،: "مفيش دعم من الاتحاد، وطبعًا علشان أوصل للعالم فى مصاريف فادحة.. وواخد إجازة من الشغل 4 شهور.. ومستلف فلوس علشان أوصل للحلم.. القانون يقضى بمنح أول الكاراتيه 130 ألف جنيه مكافأة، والثانى ما يقارب الـ70 ألف جنيه.. وفى المقابل أول كاراتيه احتياجات خاصة بياخد 4 آلاف جنيه.. علشان ده معاق وده مش معاق.. تتواصل مع الاتحاد؛ يقول قوانين وزارة، لماذا يعاملون ذوى الاحتياجات الخاصة أنهم من الدرجة الثانية، رغم أنهم من يجلبون الذهب والميداليات الذهبية، والحصول على المركز الثانى من بين 140 دولة مشاركة".

 

وأخيرًا قال محمد إنه حصل على دكتوراه فى التنمية البشرية، ويعمل محاضرًا دوليًا، متمنيا فى السنوات المقبلة أن يكون مدربًا عالميًا ليصبح قدوة لذوى الإعاقة ويبين للعالم أن ذوى الإعاقة ليسوا أقل شأنا من غيرهم ويستطيعون العمل فى جميع المجالات ولكن ينقصهم الدعم فقط.

 

وأشار إلى أنه يحاول إنشاء مركز خاص لتدريب ذوى الإعاقة، ولكن لم يجد دعمًا من أحد، مضيفا: "الإعاقة ليست متوقفة على الإعاقة الجسدية، ولكن هناك أنواعًا كثيرة من الإعاقات، فى عدم الاهتمام والتأهيل والتعامل مع البشر، ولكن على كل حال لن ننتظر المساعدة من أحد، فشعارنا الأول هو "اجعل من الإعاقة انطلاقة".

اقرأ أيضا