أكتوبر ١٩٧٣.. أبطال باقون رغم الرحيل

السبت 06 أكتوبر 2018 | 05:37 مساءً
كتب : السيد موسى

ذاق المصريون حلاوة الفرح في حرب أكتور 73، بعد مرار سنين النكسة العجاف في 67، والتي كانت نقطة تحول في الطريقة العسكرية المصرية، فبعد ضياع الأرض ومرار النكسة قرروا أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، لذا أعدوا العدة ووقفوا على الخطوط حاملين الأسلحة ومقاتلين مرددين الله أكبر، حتى جاء النصر العظيم.

 

ومن هؤلاء الأبطال من صنع النصر إلا نهم لقوا ربهم، وهو ما نسلط عليه الضوء خلال السطور التالية:

باقي يوسف.. المهندس الذي هزم «بارليف»

لم تمر سوى أربعة شهور فقط، على رحيل المهندس باقي زكي يوسف، والذي استطاع هزيمة حصن إسرائيل المنيع، بعدما عرض على قائده في مايو 1969، فكرة خارقة في حدود الإمكانيات تمكن الجيش من خلالها فتح ثغرة في خط برليف، ثم عرضها في اجتماع ضم قيادات الجبهة، ليندهش القادة من الفكرة وتبدأ عجلة التنفيذ الذي أبهرت الخصم الإسرائيل وهدت الجيش الذي كان يظن أنه لا يقهر.

 

البداية كانت حينما قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان، بعد النكسة وكان على الجبهة: "الآن أصبح لدينا حدود يمكن أن ندافع عنها"، وكان يستقوى بالحاجز المائي الأضخم في التاريخ، في الوقت نفسه خرج الشعب الذي نكست رأسه الهزيمة مطالبًا بالقتال، وقتها بدأ اليهود في التفكير لصد المصريين ومنعهم من الوصول إليهم، وحسب خطة للجنرال حاييم بارليف، تم بناء خط دفاعي على طول القناة أطلق عليه أسمه، ليكون أكبر حاجز عسكري في تاريخ.

 

وفيما كان الإسرائيليون يجلسون خلف أنابيب النابلم ومرابض المدفعية ومصاطب الدبابات والساتر الترابي الضخم، كان المهندس الظابط يفكر في كيفية إزاحة مئات الأطنان من الرمال في الحرب؟، وحينها تبادر إلى ذهنه ما حدث في السد العالي والذي شارك كمهندس فيه منذ 1964، ففكر في إحداث ثقوب في الساتر الترابي بقوة ضغط المياه، وكانت الطريقة المثلى لذلك حسب خطته، تضييق ماسورة دفع المياه، بحيث تصبح مثل دانات المدافع في قوة الاندفاع، وفي الوقت نفسه، يمكن للجندي التحكم فيها.

 

 وبعد فترة كبيرة من التفكير والجد والاجتهاد، وجد "باقي" ضالته في ماكينات ضخ قادمة من ألمانيا، استطاع تطويرها لإزاحة جبال التراب، وفي 6 أكتوبر 1973، وتحديداً في الساعة السادسة، فتحت أول ثغرة في خط بارليف بمياه المهندس المصري، وبحلول العاشرة ليلاً كان المهندسون قد فتحو 60 ثغرة، وقتها طلب الضابط «باقي» أن تدخل المجنزرات أولًا لتهذيب الثغرات، وبعدها المدرعات، ليفاجأ العدو بأول لواء مدرع يدك حصونه في الثامنة والنصف من مساء 6 أكتوبر، من معبر القرش بالإسماعيلية.

 

 ورحل باقي في آواخر يونيه من العام الجاري، وكانت آخر كلماته: "فكرة خراطيم المياه..كانت إلهاما من الله وحدثت المعجزة على كل المستويات الاستراتيجية وتحقق النصر العظيم، كانت هذه آخر كلمات المرحوم اللواء باقى زكى يوسف..حيث جاء خبر رحيل".

 

محمد عبد العاطى.. صائد الدبابات

ولد "عبد العاطي" فى قرية شيبة قش بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، واشتهر باصطياده لأكثر من 30 دبابة ومدرعة إسرائيلية فى أكتوبر 1973، مما جعله يفوز بلقب "صائد الدابابات"، و أصبح نموذجًا تفتخر به مصر وتحدثت كل الصحف العالمية عن بطولاته حتى بعد وفاته 9 ديسمبر عام 2001.

 

 

 

يقول عبد العاطى فى مذكراته: "إلتحقت بالجيش 1972 و إنتدبت لسلاح الصواريخ المضادة للدبابات، وكنت أتطلع إلى اليوم الذى نرد فيه لمصر ولقواتنا المسلحة كرامتها وكنت رقيبا أول السرية وكانت مهمتنا تأمين القوات المترجلة واحتلال رأس الكوبرى وتأمينها حتى مسافة 3 كيلو مترات"، وحينما انتابته موجة من القلق فى بداية الحرب، أخذ يتلو بعض الآيات من القرآن الكريم.

 

 وكان من أهم أيام اللواء 112 مشاة وكانت البداية الحقيقية عندما أطلق صاروخه على أول دبابة وتمكن من إصابتها ثم تمكن من تدمير 13 دبابة وعربات نصف جنزير، ويضيف "صائد الدبابات": "سمعنا تحرك اللواء 190 مدرعات الإسرائيلية و بصحبته مجموعة من القوات الضاربة والإحتياطى الإسرائيلى وعلى الفور قرر العميد عادل يسرى الدفع بأربع قوات من القناصة وكنت أول صفوف هذه القوات وبعد ذلك فوجئنا بأننا محاصرون تماما فنزلنا إلى منخفض تحيط به المرتفعات من كل جانب ولم يكن أمامنا سوى النصر أو الإستسلام ونصبنا صواريخنا على أقصى زاوية إرتفاع وأطلقت أول صاروخ مضاد للدبابات و أصابها فعلا وبعد ذلك توالى زملائى فى ضرب الدبابات واحدة تلو الأخرى حتى دمرنا كل مدرعات اللواء 190 عدا 16 دبابة تقريبًا، وكان حصيلة ما دمرته عند العدو 27 دبابة و 3 مجنزرات إسرائيلية".

 

محمد علي فهمي.. بطل يسقط قائد طائرات "الفانتوم"

الطيران كان الذراع الطويلة لإسرائيل، لذا قرر الزعيم الصعيدي جمال عبد الناصر، بإنشاء حائط صواريخ تكون مظلة تحميها من غارات العدو المتواصلة، خاصة بعدما تم تدمير الطائرات المصرية على الأرض في النكسة، ولم يجد "ناصر" اكفئ من محمد علي فهمي، والذي تلقى دراسات عسكرية متخصصة في الدفاع الجوي في كالينين بالاتحاد السوفيتي ثم عمل مدرساً لكبار الضباط ثم قائداً للفرقة الثانية المضادة للطائرات عام 1958، لقطع ذراع الجيش الإسرائيلي وتوفير الوقت للقوات المصرية للحشد.

 

مع تعيين "فهمي" لتلك المهمة يونيو 1969، بدأت ملحمة بناء الصواريخ، وكانت المعركة مشتعلة على خط القناة، فالغارات الإسرائيلية، لا تكاد تنقطع والرجل بحاجة للوقت كي يسد ثغرات سماء مصر التي يحاول العدو باستمرار أن يحتلها بطيرانه، لذا قرر أن يبدأ معركته مبكراً وسط ظروف مرعبة، التحمت فيها أجساد العمال بحوائط الصواريخ وقواعدها الأسمنتية، بينما الطيران الإسرائيلي يواصل الضرب، وفي سبتمبر 1970 أسقطت طائرة استطلاع ضخمة للعدو، الذي رد بإرسال الفانتوم، إلا أن البطل وقف بجنوده يواجهون الطائرات بمدافع المضادات حتى أجبروا العدو على الفرار.

 

كان العبء مضاعفاً على "فهمي" وجنوده في الدفاع الجوي خلال الحرب،إلا أنه راهن على تدريب رجاله ووقف معهم كتفًا بكتف يبنون منصات الصواريخ الثابتة والمتحركة، لتتساقط 303 طائرات إسرائيلية، وحسبما كتب تقريره للجنة "أجرانات" التي حققت في هزيمة إسرائيل، فإن الجنرال الإسرائيلي بنيامين بليد قائد طيران العدو، أمر طياريه بعدم الاقتراب لمسافة 15 كيلومتراً من القناة لأن الموت حتمي هناك.

 

فؤاد زكري.. المخطط لعملة ضرب المدمرة "إيلات"

لحسن أو لسوء الحظ لم يكن للقوات البحرية دورًا في حرب 67، ولا دفاعيًا ولا هجوميًا، إلا أنهم النكسة طالتهم، والهزيمة القاسية قوت نفوسهم، ووحدت هدفهم "الثأر" ورد الشرف، وكان من بينهم فؤاد زكري، ابن مدينة العريش بسيناء، والذي تم تعينه بعد النكسة بأسبوع فقط قائدًا عامًا للقوات البحرية، فغير استراتيجيتها بالكامل وخطط لعملية ضرب المدمرة الإسرائيلية «إيلات».

 

 

 أكتوبر 1967، كان لـ"زكري" ضمن المجموعة البحرية رد على غطرسة العدو بصواريخ لنشات تهزم مدمرة، ولم يتوقف دروه عند ضرب عصب الجيش الإسرائيل، بل استمرت مسيرته القتالية ليشارك في تحرير سيناء من أيدي اليهود ويرد الشرف.

 

من السجون لأرض المعارك.. أحمد بدوي أسد الصحراء

أحمد بدوي، ابن الإسكندرية الذي سطر أسمه في دفتر أبطال حرب أكتوبر، ولم تكن هذه هي الحرب الأولى التي يشارك بها، فبعد التحاق "بدوي" بالكلية الحربية عام 1948، كافح قوات الاحتلال في حرب فلسطين بسلاح قديم وفاسد، وبعدما عاد من فلسطين وكان كبير المعلمين في الكلية الحربية آنذاك، سافر في بعثة إلى الاتحاد السوفيتي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك بعدما التحق بأكاديمية فرونز العسكرية، وتخرج في 1961 ليشهد النكسة (يونيو 1967)، ثم يحال للمعاش، ويذوق مرارة الاعتقال لمدة عام، ويخرج بعدها في يونيو 1968.

 

خلال حرب أكتوبر استطاع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الإستعانة بخبرة "بدوي"، لذا قرر عودته للجيش وتولى قيادة فرقة مشاة ميكانيكية في 1972، وبالفعل كان عند حسن حظ "السادات"، فصد هجومًا إسرائيليًا مكثفًا على مدينة السويس، حيث عبر بقواته للضفة الأخرى ليلاقي العدو ضمن فرق الجيش الثالث، وحين التف آرييل شارون بقواته، ليحدث الثغرة، اندفع بدوي بفرقته ليمزق الجيش الإسرائيلي في وسط سيناء، ويحرر مناطق عيون موسى ويدمر مقر قيادة العدو ليصبح شارون معزولاً عن قيادته.

وبفضل مجهوداته ودوره المشهود له به في الحرب، تم ترقية "بدوي" لرتبة لواء، وعيّن كوزير للدفاع بعدما كان قائداً للجيش الثالث، ولم يمر سوى عام واحد حتى فجر بموته لغزاً لايزال عصياً على الأذهان، حيث لقي مصرعه ومعه 13 من كبار قادة القوات المسلحة في اصطدام طائر هليكوبتر بمنطقة سيوة، في الصحراء الغربية، ولم يعرف أحد كيف مات.. الرواية الرسمية تقول إنه لقي مصرعه نتيجة تحطم الطائرة، التي أقلت «بالصدفة» 13 لواءً وعميدًا وعقيدًا، كانوا يمثلون قمة الهرم العسكري في المنطقة الغربية، بينما نجا طاقم الطائرة، وسكرتير الوزير الذي شُيع بجنازة عسكرية في 3 مارس 1981، ليلحقه السادات، قائده الأعلى في 6 أكتوبر من العام نفسه.

 

 

شفيق سدراك.. موت أول شهيد من القادة بعد عبور كتيبته

كان لـ شفيق سدراك، باع كبير في الحياة الحربية بعدما شارك في 4 حروب متتالية: "العدوان الثلاثي 1956 والنكسة 1967 ثم حرب الاستنزاف التي بدأت عقب الهزيمة، واختتم مسيرته بحرب أكتوبر التي سقط مستبشرًا بالشهادة ومبشرًا بالنصر للمصريين".

كانت المدة التي قضاها "شفيق" 11 عامًا متواصلين وسط أجواء حربية تعلوها النيران، رأى بعينه كيف يمكن لدولة حديثة العهد بالاستقلال أن تناطح لندن وباريس وتل أبيب معاً وتنتصر إرادتها، وذاق كيف لهذه الدولة أن تذوق الهزيمة على يد إسرائيل، لكنه وبروح المقاتل كان يعلم أن الحرب سجال، وأن ساعة النصر قادمة ولو تأخرت.

 

مع انطلاق ساعة الصفر، انطلق "شفيق" بلواء مشاة كامل، ليكون أول لواء يعبر القناة من الجيش الثاني في 9 أكتوبر، ويصل قرب الممرات الاستراتيجية في سيناء، وبعد أن أبلغ قيادته بالوضع قرر أن يكون على رأس قواته في مدرعة لصد هجوم العدو، وفي معركة تحرير النقطة 57 جنوب.

 

ودخل المعركة مؤمنًا بأنه إحدى الحسنين ففاز بالشهادة وهو يدافع عن الأرض التي حررها المصريون، ليكون أحد القادة الكبار الذين رفضوا الاكتفاء بإصدار الأوامر، بل ذهب ليكون في الطليعة، ويفوز بالشهادة وتفوز مصر بالنصر.

اقرأ أيضا