عادل عامر يكتب.. بيزنس الأسواق الشعبية في مصر

الاربعاء 27 يناير 2016 | 09:53 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

بدأت الأسطورة على أعتاب «دكان» متواضع الأركان بحي شعبي، أسسه أب عصامي، وأفني فيه سنين عمره، حتى يصبح تجارة خاصة و«بيزنس عائلي كبير».مع مرور الوقت تنضم ذرية الأب للمشهد فتساعده على إدارة وتشغيل تجارته، لتتحول اللافتة الخشبية المتداعية في زاوية ضيقة من شارع جانبي من «دكان فلان» إلى أخرى رخامية يعلوها اسم سابق الذكر وأولاده في موقع مثالي بأحد الطرق الرئيسية، ليتبدل المشروع الصغير بتجارة عائلية ناجحة، تؤمن عيش عدد من الأسر وعشرات العاملين والعاملات. وفي حين يعد «البيزنس العائلي» أحد أبرز أشكال التجارة المصرية خاصة في ثوبها الشعبي، فضلاً عن توسعها في بعض الأحوال لتقدر بملايين الجنيهات، إلا أن لإدارة المشاريع العائلية بين الأبناء والأخوة وأبناء العمومة قواعد حاكمة، أحيانًا ما تجعل لأغلبها سمات محفوظة تُفسر للمارة طبيعة إدارتها بمجرد مطالعتهم لافتات المتجار. لضمان مكسب يومي يُتيح لأفراد عائلة يتشاركون المكسب والخسارة و مواسم الكساد والرواج، قوت يوم غير مهدد بتقلبات السوق وأزمات البلاد السياسية والاجتماعية، عادة ما يلتزم أرباب التجارة العائلية بتبني سلع أساسية مقاومة لضربات القدر، تصلح لكافة طبقات المُستهلكين. فإذا لم يوطن الأب أبنائه على إجادة حرفة أو صنعة خاصة تُجيدها يداه ويلجأ الزبائن لبراعته في صنعها لسد حاجاتهم من السلع اليدوية المُختلفة، عادة ما يلجأ رب التجارة لتزويد زبائنه بأحد ضروريات الحياة من مأكولات وملبوسات تتعطش لها الأسواق، ولا يؤجل استهلاكها لمواسم دون أخرى فيطارد «وقف الحال» عائلة كاملة بأفرعها المتعددة، بدلاً من أسرة واحدة تنتظر مواسم الرواج على أحر من جمر. تنجح عادةً المشروعات العائلية مع بدايتها وحتى مع انتقالها من جيل الآباء لجيل الأخوة والأبناء، لكن سرعان ما تتبدد المودة وتتسلل الخلافات المادية والإدارية بين أفراد الأسرة، خاصة في حال مزج الشئون العملية بالخاصة، ومع تطور الأجيال وتوسع الأسر وصولا إلى الجيل الثالث من العائلة أو ما يطلق عليهم «الأحفاد»، فيُصبح الانفصال قدر محتوم على أغلب تلك المشاريع، ينتظر اللحظة السانحة ليظهر في هيئة رأس مال مُقسم بين أفراد العائلة وأفرع جديدة غير رسمية عن العلامة التجارية ذاتها، يُجازف بعض المنشقون بالمنافسة بها، فتتحول اللافتات المعلقة من «فلان وأولاده» أو «فلان وأخواته»، لسياق جديد ينفرد فيه كل فرد من أفراد العائلة التجارية بشكله الخاص، ومكانه الجديد، لكن ربما لا يختلف كثيرًا عن نوع التجارة الأصلية التي أسسها الأب. كخير مُعين لوالده، وموضع ثقته وسره، عادة ما يتحول الأبن الأكبر في الأسرة إلى ذراع والده اليُمنى في العمل، فيتلقى عنه أسرار المهنة دون كلل، ويتشبع بتفاصيلها عن وعي ومنذ سن صغيرة، ليتابع بمرور الوقت سير العمل نيابة أبيه، ويضطلع بمهام الإدارة في غيابه، متأهلا بذلك لقيادة المسير. فعلى اختلاف أهواء وميول الأبن الأكبر عادة ما توكل إليه مهمة إدارة التجارة وإمداد كافة أفراد الأسرة بالنقود، غير أن دوره لا يعفي باقي أفراد الأسرة من دفع ضريبة شبه إلزامية للحفاظ على إرثهم التجاري، فيتخلى البعض عن طموحاته للانضمام لركب الإدارة، بينما يجنح البعض لدراسة الشئون التجارية عوضًا عن الاهتمامات الخاصة لتوفير ظهير أكثر حرفية لتشغيل العمل، فضلاً عن مهارات «السوق»، من أجل ضمان نصيبه في «الإرث»، أو الاستفادة من اسم العائلة. عادة ما تقف التجارات العائلية على أعتاب نقاط تحول محورية تضمنها زيادة ملحوظة في رأس المال وتكاتف أفراد الأسرة لإدارة أعمالهم. تبدأ من خلال استثمار نجاح التجارة العائلية الشعبية بالإتجاه إلى التوسع الجغرافي منقطع النظير، فتعمد العائلات على افتتاح عدد من الأفرع الجديد لمتاجرها، فتزداد شعبية العلامة التجارية، وتستحوذ على اهتمام شريحة أكبر من المستهلكين في عدد من المناطق المُختلفة، حيث لا يشغل تطوير الخدمات المُقدمة للمستهلكين وخروجها عن القالب النمطي أذهان الكثيرين. أما في حال تفرد السلعة المقدمة بخصائص مفتقدة في الأسواق فعادة ما تتجه العائلة لزيادة الإنتاج مع الحفاظ على عبارة كلاسيكية للافتات «ليس للمحل فروع أخرى». جرت العادة على انفراد الذكور من الأبناء وأبناء العمومة على إدارة «البزنس»، فيما تبقى الوريثات الأخوات خارج معادلات الإدارة الرسمية، بما تتطلبه من ساعات عمل مطولة،غير أن عالم التجار أحيانًا ما يفتح ذراعيه للسيدات، خاصة حال مُباشرة سيدة لشئون تجارة ورثتها عن أحد الأقارب أو أرملة تولت مسؤليته تجارة قرينها عن قرب في أعقاب رحيله. لتوطيد مكانة الأسرة في عالم المال وبين كبار التجار والمنافسين، تبدو المصاهرة هى الحل السريع لتدعيم سمعة العائلة بين الأسواق وتطوير علاقتها بالأنداد أو أرباب «الكار» إذا سمح الأمر. ففي حين يهدف الزواج لتكوين أسرة في الأحوال الطبيعية، ربما يتحول في عالم التجارة الشعبية لأحد مقومات النجاح الضرورية، بقدرته على تحويل الأعداء لحلفاء وضمانه استقرار مستقبلي غير مشروط بين المصالح المشتركة.غير أن الكارت الرابح له أن يُكشر عن وجه قبيح ويتحول لسلاح فتاك، إذا نشب خلاف أسري بسيط بين طيات الزيجة الجديدة، أما في حال الطلاق المباغت سرعان ما تتسلل نيران الانفصال لتلتهم تعاون الأصهار، وربما تخلق من الطرفين ألد الأعداء. تعد الأفراح وحفلات افتتاح المحال الجديدة المدخل السري لنيل رضا أقطاب التجارة أو أحد العائلات التجارية الكبرى، حيث تدعم المجاملة والتهادي العلاقات ما بين أصحاب التجارات الشعبية، فتمثل هدية من أحد الأطراف لآخر «عربون محبة» يُيسر عمليات التعاون المستقبلية ويرسخ لعلاقة طويلة الأمد بين التجار بعضهم البعض. وفي حين تتنوع مظاهر المجاملات ما بين ارسال «فراشة» لأحد المناسبات أو «نُقطة» مادية مغرية، تعتبر المجاملات في صورها المتعددة مقياس لكرم العائلات ومن ثم درجات التزامها التجاري ونزاهتها، كما أنها تفتح بابا لكسب السوق ودعم الموقف لتسهيل الحصول على بضائع، وربما كسب «زبون» دائم تحولت بعض الأحياء الفقيرة في القاهرة بفعل الأزمة الاقتصادية الضاغطة إلى مزارع شعبية للكلاب، وذلك بعد أن كسر الفقراء احتكار العائلات الكبيرة والغنية لـ"بيزنس" الكلاب في مصر، وصار طبيعياً أن يقسم موظف صغير أو عامل سطح منزله إلى غرف خشبية عدة يستخدمها لتزويج الكلاب وتهجينها وتربيتها في محاولة مستميتة لتحسين دخله في مواجهة مطالب الأبناء المتزايدة. ودخلت الأحياء الشعبية إلى الصناعة الفئوية التي تنتعش كثيراً مع تعاظم ثراء الطبقات الغنية لتنافس عائلات عريقة استقرت على احتكار تلك التجارة الترفيهية وحافظت لفترة طويلة على أن تبقى أسواقها شبه مغلقة على أصحابها، وساعدها في ذلك ارتباط تربية الكلاب بمزارع الخيول حتى أصبحت مزارع الكلاب هي أحد المكملات التجارية في اقتصـــاد تربيــة الخيــول، وهو اقتصاد بـاهــظ التكـاليــف.وتتنوع الكلاب المتوافرة في الأسواق المصرية تنوعاً شديداً، ويعتبر الكلب "السلوقي" المصري الأصل الأندر والأغلى والأذكى في العالم ويستورد من أوروبا، كما يتميز الكلب "الفرعوني" وهو الكلب الذي نشاهد رسومه على لوحات المعابد وفي البرديات الكثيرة بالرشاقة الفائقة، فالأرجل طويلة والصدر عريض والخصر دقيق وله وجه طويل مسحوب.ويعتبر الكلب المصري أكثر الأنواع تهديداً بالانقراض على رغم أن الطلب عليه مرتفع، إلا أن الأعداد الموجودة منه قليلة للغاية. هناك أيضا في الأسواق المصرية الكلب "الوولف" وهو من أشهر الكلاب في العالم وتحت هذه السلالة تدرج أنواع كثيرة، منها البلجيكي والفرنسي وتختلف في لون الشعر وطوله، وهو من الكلاب العريقة والأصيلة التي لم يتدخل الإنسان في مواصفاتها، ويعتبر كلباً ودوداً وطيباً وقوياً أيضا.وينافس "الوولف" الكلب "البوكسر" القوي بوجهه المفلطح المخيف وصدره العريض، وتحول "البوكسر" بالتهجين إلى كلب مدلل معظم الوقت مقاتل أحيانا، إضافة إلى أنواع أخرى منها "الماستيف" و"الدينوا" و"البولدوغ" و"الدوبرمان".ويعتبر كلب "الشيواوا" من أكثر الكلاب انتشاراً ومبيعاً في السوق المصرية. و"الشيواوا" كلب صغير جداً بحجم كف اليد لطيف المنظر وجميل مع أنه عصبي المزاج وموطنه الأصلي جنوب أمريكا. ويحمل بعض الكلاب شهادات نسب معتمدة من الخارج - لا يوجد في مصر مراكز أو متخصصة بأنساب الكلاب - ويرتفع سعر الكلب كثيراً إذا أصر المشتري على توفير شهادة بالنسب. وفرضت تلك الأسواق الرائجة ظهور الكثير من العيادات الطبية، وأنواع جديدة من جراحات التجميل للكلاب وذلك فضلاً عن ظهور الأسواق المتخصصة في بيع مستلزمات الكلاب من طعام واكسسوارات وشامبوات، والكلب بصفة عامة يستحم ثلاث مرات في الصيف ومرة كل عشرة أيام في الشتاء ويجفف بفوطة خاصة ويترك في الشمس حتى يجف تماماً، حيث يدهن بمحلول مطهر يحميه من الحشرات، ويستخدم في غسل الكلب شامبوات وأملاحا ومعادن من شأنها الحفاظ على لمعان شعره وعينيه وعلى حيويته ونشاطه، ويتناول الكلب ثلاث وجبات يومياً تقل إلى وجبتين ثم وجبة واحدة بعد البلوغ، ويجب أن يتنوع طعامه، وأن يحتوي الروز والخضروات واللحوم والدهون أيضاً. ويبلغ متوسط سعر علبة الطعام المحفوظ التي تكفي لوجبة واحدة 17 جنيهاً، أما كيلو الطعام المجفف الذي يخلط بالماء فيصل سعره إلى 40 جنيهاً. ويتحايل المربون الجدد على تكاليف التربية الباهظة باختراع وجبات رخيصة تتمثل في عمل خلطة من فضلات اللحم الأحمر وبواقي تنظيف الدجاج مع بعض فول الصويا والخضروات ويفرم الخليط ويسوى مع بعض الزيت ليساعد على تسهيل مرور الطعام في الأمعاء فضلاً عن قليل من الملح. وبعيدا عن الصوفية بمعناها التعبدي والتجرد لله سبحانه، فقد تحولت ممارسات بعض الطرق الصوفية والموالد وأضرحة "أولياء الله الصالحين" في مصر إلى خرافات وشعوذة وبيزنيس (تجارة) وكل شيء ، إلا كونها تعبدا وذكرا لله ، بل وأصبح الاختلاط بين الرجال والنساء فيما يسمي حلقات الذكر و"التحرش" بالنساء هو سمة هذه الموالد.وقد وصلت السخرية بهذه الموالد و"حلقات الذكر" حد تصوير المخرج خالد يوسف في فيلمه الأخير (دكان شحاته) أشخاصا في "حلقة ذكر" بأحد الموالد ، وهم يتمايلون جهة اليمين وجهة اليسار للذكر ، ثم يتوقفون فجأة عندما تصعد بطلة الفيلم لتركب "مرجيحة" يتطاير منها فستانها القصير لتظهر مفاتنها ، فيبدأون في التمايل يمينا ويسارا ، لا مع الذكر وإنما مع مفاتن هذه المرأة التي يظهرها الفستان الطائر وهي تركب المراجيح ؟!ولا تقتصر البدع والخرافات علي هذه الموالد ولكنها تشمل الأضرحة والزوايا وأماكن تسمى بأنها "مبروكة" يشد إليها الجهلة الرحال للبحث عن شفاء المريض بواسطة الولي ، والطريف – إمعانا في النصب – أن بعض الأضرحة تعمل بنظام التخصص الطبي ..فبعضها مخصص لعلاج أمراض معينة لا غيرها مثل ضريح الشيخ أو الولي "فلان" لعلاج العظام وآخر لعلاج العقم وهكذا .. فهناك ضريح باسم "راكب الحجر" في شمال القاهرة بجوار بئر مخصص لعلاج العقم فقط، حيث يطلب من النساء الدوران حوله سبع مرات لشفائهن من العقم بخلافات طلبات أخرى شاذة.وغالبا ما يتحول ضريح لشيخ أو ولي من أولياء الله الصالحين – كما يطلق عليه، وربما لا يكون فيه أحد أصلا - لمكان ذي قدسية خاصة لأهالى المنطقة والمناطق المجاورة ، ويتحول "الولي" إلى "قديس" .." سره باتع" يشفي الأمراض العضال وسبباً فى شفاء كثير من حالات العقم التى فشل الأطباء فى علاجها .أن بعض المصريين الذين يؤمنون بالخرافات والدجل والكرامات وغيرها ينفقون قرابة 10 مليار جنية مصري (حوالي 2 مليار دولار) على الدجالين والمشعوذين الذين يلجأون إليهم بهدف إخراج جن أو "فك عمل" أو عمل "حجاب" يقي صاحبه شرا ما ! إن هناك قرابة 300 ألف شخص يعملون في مجال الدجل والشعوذة في مصر نتيجة استمرار اعتقاد الكثير من الأسر المصرية في دور هؤلاء الدجالين في حل الكثير من المشاكل المستعصية مثل تأخر سن الزواج أو عدم الإنجاب والعقم أو وفك السحر والاعمال ، وأن كم الخرافات والخزعبلات التي تتحكم في سلوك المصريين يصل إلى 274 خرافة!موالد مسيحية أيضا!وفي البلاد غير المسلمة أو التي توجد بها أقليات دينية ، لا تقتصر المسألة على المشايخ وأولياء الله الصالحين بافتراض أنهم كذلك ، لكنها تمتد لتشمل القساوسة والقديسين وهو أمر منتشر في قرى في جنوب مصر بها أقليات مسيحية كبيرة مثل مقام القديس عبد المسيح المقارى وموالد ماري جرجس والسيدة العذراء ، التي تنشر الصحف المصرية عنها قصص غريبة لمسلمين ومسيحيين يذهبون إليها طلبا للشفاء ، حيث كرامات القديسين هناك - طبقاً لحكايات الأهالى - تشمل شفاء المرضى والحيوانات والطيور ، ومزاعم أن أكثر من 100 ألف مسلم ومسيحى يحرصون على زيارة هؤلاء القديسين!والكارثة الكبرى هي وجود موالد للنصارى يحضرها - مع الأسف - بعض عوام المسلمين، كما يوجد مولد لليهود اسمه مولد «أبي حصيرة» في محافظة البحيرة شمال مصر ، ولا تكاد تخلو مدينة مصرية من عدة أضرحة تُقام حولها الموالد السنوية ، ومن أشهر هذه الموالد: الحسين، والرفاعي، والبدوي، والسيدة زينب، والقناوي.موالد مصر .. جهل وتحرشوغالبا ما يحتفل الصوفيون في مصر بذكرى المولد النبوي الشريف في مصر بتسيير مسيرة مليونية طولها نصف كيلو تضم نحو نصف مليون صوفي من أبناء نحو 77 طريقة بمباركة أجهزة الأمن ورعايتها لها بحيث تخرج بالأعلام والأناشيد والهتافات والرايات من مسجد الشيخ صالح الجعفرى بـ"الدراسة" قرب منطقة الأزهر وتتجه إلى مسجد الحسين فى تقليد عمره نحو 1000 عام "منذ عهد الدولة الفاطمية"،ويتقدم كل شيخ طريقة أتباعه ومريديه من جميع أنحاء مصر . ويواكب المسيرة ترديد الأناشيد الصوفية المعروفة فى حب الرسول، وحمل الأعلام الخضراء، والتكبير والتهليل ، حتي الوصول الي مسجد الحسين وزيارة الضريح وقراءة الفاتحة ، بيد أن مناسبة المولد تشهد زحاما شديدا وتجاوزات دينية من قبل بعض منتسبي هذه الطرق الصوفية والقيام بأفعال لا علاقة لها بالدين وأقرب للدروشة والعادات.إن سر انتشار هذه الموالد والأضرحة وتبرك الناس بها يرجع - مع تقادم الزمن - لتخلِّي بعض العلماء عن مهمته؛ فانحرفت فئات من المسلمين عن جادة الطريق، وزيَّنت لهم شياطين الإنس والجن ما لم يُنزِل به الله من سلطان؛ مثل تقديس القبور والأضرحة واتخاذها واسطة للتقرُّب إلى الله عز وجل؛ وصرف صنوف من العبادة لها مثل: الذبح والاستغاثة والتوسل.. إلخ، وتتعاظم الخطورة مع إقامة الاحتفالات السنوية عند هذه القبور فيما يسمى بظاهرة «الموالد» حيث تجتمع الانحرافات السلوكية والمظاهر البدعية والشركية في صعيد واحد ووقت واحد . إن أهم ملامح الاحتفالات الفرعونية هي تقديس الآلهة والفرعون وتقديم القرابين، والجانب الفلكلوري مثل: الموسيقا والغناء والرقص ، كما أن هناك عبارات التقديس التي كانت تُطلق على الفرعون؛ فهو الذي يهب الحـياة، وهو النور الذي يهدي الناس، وهو إما الإله أو من سلالة الآلهة. وهذه الصفات نفسها نجد كثيراً منها مستخدَماً حتى الآن في تقديس الأولياء والقديسين.تجارة الموالد والأضرحةولأنها تجارة مربحة لكل من يرتبط بها سواء كان أصحاب الضريح أو القائمين عليه والمحال التجارية والتجار القريبين منه ، فهناك حرص على تنمية هذه التجارة عبر الترويج لـ كرامات أولياء هذه الأضرحة وأهميتها بين الجهلة وضعاف الدين والمحبطين والمحبطات من العاقرات والعاطلين والباحثين عن حلول لمشكلاتهم المستعصية حتي أصبح أكثر زوار هذه الاضرحة والموالد والمشعوذين هم من الطبقات الغنية والمتعلمة والمثقفة ! أن حصيلة "النــذور فقط بلغت 152 مليوناً و67 ألفاً و579 جنيها ، ولو أضفنا ما ينفقه المصريون خلال الموالد على اللهو والمأكولات؛ تتبين الضخامة المادية لعوائد الأضرحة والموالد، فجدول أعمال أصحاب الأغاني والموسيقى والألعاب النارية مزدحم بالموالد في أرجاء مصر، كما أن الباعة وأصحاب الفنادق الرخيصة بالقرب من مواقع الموالد تنتعش تجارتهم في تلك المواسم، فضلاً عن المنافع الواسعة للقائمين على الموالد خاصة فيما يتعلق بالنذور والوجاهة والمكانة الاجتماعية والدينية وكسب الولاء الديني والاستزادة من الأتباع والمريدين.فالمولد اصبح سوقا تجارية تعرض فيه البضائع والمأكولات ولوازم خدمة زوار أهل البيت، ويختلف المولد بحسب مكانه فمعظم الموالد في القري والريف تكون موجهة اساسا لتجارة المواشي والحيوانات والحبوب الزراعية اما في المدن فتكون مخصصة لتجارة السلع الأخري مثل الملابس والماكولات والأجهزة وبعض المنتجات اليدوية التي يحضرها أهل الريف معهم . أن "مواسم الموالد ترتبط في الأقاليم المصرية بمواسم تصريف محاصيل زراعية بعينها ، وتقترن مواعيدها بمواعيد الانتهاء من جني المحصول الذي يشتهر به الإقليم الذي يقام فيه المولد" . ولو تصورنا أن بعض الموالد يشارك فيها ما يقارب نصف مليون إلى مليوني شخص لأدركنا الحرص على الاستفادة التجارية من الإبقاء على هذه الموالد ، وهذا بخلاف تجارة الملاهي والغناء والفرق الاستعراضية التي أصبحت مرتبطة بالموالد برغم أنها لا علاقة بينهما.2850 مولدا للأولياء!أن مصر تضم حوالي 2850 مولدا للأولياء الصالحين، يحضرها أكثر من نصف سكان الدولة" ، ولا يتقيد أهالي كل قرية ومدينة بوليهم المحلي، حيث أسقط المصريون حاجز المكان، بتوجه سكان أسوان إلى طنطا للاحتفال بمولد "السيد البدوي"، وبتوجه سكان الإسكندرية للاحتفال بمولد "سيدي أبو الحجاج" بالأقصر، وسكان حلوان للاحتفال بمولد القديسة دميانة بالبحيرة، وسكان البحيرة للاحتفال بمولد سيدي مار برسوم العريان بالقاهرة. ولأنها ظاهرة اجتماعية دينية هامة ، فقد بدات وزارة الثقافة المصرية مؤخرا في إقامة أول قاعدة بيانات في مصر لاحتفالات المصريين بموالد الأولياء والقديسين ، ممثلة فيما سمي (أطلس الفولكلور المصري) ، حيث يقوم باحثي الأطلس حاليا بالتوثيق الحي لبعض الموالد الإسلامية والمسيحية التي أقيمت منذ شهر يوليو 2008 ، بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو والحكايات الشعبية والأشعار، والهتافات ، والموسيقا والترانيم وغيرها. بدأت ظاهرة المتاجر الكبيرة «المولات» تنتشر بشكل ملاحظ، فى مقابلة الأسواق الشعبية، الأولى يتردد عليها طبقة الأغنياء، والثانية ملجأ الفقراء والبسطاء من المصريين. إن الأسواق الشعبية قادرة على توفير جميع المنتجات للمستهلك البسيط، بعكس المولات الكبيرة، أن تواجد المولات الكبيرة في مصر، لن يجعل المواطن يتخلي عن الأسواق الشعبية؛ لأهميتها بالنسبة لربات المنازل وقربها من المناطق التي يسكنون فيها، على عكس المولات التي تتواجد أغلبها في منطقة أكتوبر. أن أغلب المواطنين المصريين بطبيعتهم البسيطة يفضلون الشراء من الأسواق الشعبية؛ لأنها أقل سعراً من المولات التى لا يتردد عليها سوى الطبقة الأكثر ثراءً. أن مشكلة الأسواق الشعبية تكمن فى انتشار البلطجية بداخلها، ومطالبة بتشديد الرقابة عليها من أجل خدمة أفضل. أن أغلب حالات التسمم تأتي بسبب المنتجات التي تتعرض للتلوث في الأسواق الشعبية، على عكس المولات التجارية الضخمة التي تحفظ الطعام وفقًا لدرجة حرارة مناسبة، متابعا أن الرقابة على المولات التجارية الكبري تكون بشكل مستمر، على عكس الأسواق الشعبية. إن التخوف من الأسواق الشعبية يعود إلى السلع المغشوشة التي تقدمها، أن المواطن المصري بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيش بها، يبحث وراء الرخيص دون النظر إلى نوع السلعة وجودتها، إضافة إلى انعدام الضمير لدى العديد من البائعين وقلة الرقابة على الأسواق. أن الغرفة التجارية طالبت منذ فترة رئيس مجلس الوزراء بضرورة عقد اجتماع استثنائي للحكومة؛ لمناقشة هذه الظاهرة واتخاذ القرارات الملزمة للأجهزة الحكومية ووضع الخطط والبرامج ورفع تقارير دورية عن الأسواق الشعبية؛ وذلك للحد من ظاهرة الغش التجاري لأنها عامل طارد للمستثمر بمن فيهم المستثمر المحلي، ومدمرة للاقتصاد الفردي والوطني. أن المشكلة في الأسواق الشعبية تكمن حاليا فى إعادة تعبئة المنتجات في عبوات مجهولة المصدر أو بيع منتجات ليس لها تاريخ صلاحية إلى الأهالي بأسعار أقل، ما يجعل الشراء عليها بشكل أكبر. أن المولات التجارية ليست للأغنياء فقط، بل للجميع؛ لأنها توفر المنتجات بشكل جيد وبنفس الأسعار المتواجدة في الأسواق الشعبية، لكن المواطنين تعودوا فقط على الأسواق الشعبية أن المولات التجارية تضمن البضائع وعليها تاريخ الإنتاج والانتهاء، وإذا حدث أي شىء يخالف المدون على المنتج من الممكن اللجوء للقضاء، بعكس الأسواق الشعبية التى بسببها يحدث الكثير من حالات التسمم والغش التجاري.أن الأسواق الشعبية والمولات يجب أن يكونا متساويين؛ لأن أسعار الخضروات والفواكه تكون ضمن تسعيرة عامة، لكن المصريين يفضلون الأسواق الشعبية على عكس المولات الكبيرة. أن المولات التجارية الكبيرة تبعد عن القاهرة والمناطق الشعبية، لذا يفضل المواطن الشراء من الأقرب، موضحا أن ثقافة تخصيص منتجات للأغني والأفقر، أمر لا يليق بمصر في الوقت الحالي، مطالبا برقابة دورية على الأسواق الشعبية، بجانب تجميلها. أن الاهتمام بالأسواق الشعبية سيجعل المواطن البسيط يشعر بكرامته في مصر؛ لأنها ستعكس عليه حالة من الطمأنينة فى شراء المنتجات وجودتها، مطالبا برقابة على على أسعار الخضروات. أن المولات التجارية تخلق نوعا من العبء النفسي على المواطن الفقير الذي يشعر دومًا أنه يحصل على المنتجات من الدرجة الثانية أو الثالثة لعدم امتلاكه الأموال، أن التأثير على نفسية المواطن يأتي من تردده على الأسواق ورؤية الذباب على المنتجات، وبين المولات التي يحيطها المباني الشاهقة الجميلة، وحين دخولها يجد البضائع معروضة بشكل جيد مما يستهويه الشراء من المولات إذا كان من الأغنياء. أن العمل على تهيئة الأسواق الشعبية بشكل جيد، سيجعل الأمر بسيط بالنسبة للجميع دون خلق فوارق اجتماعية بين المصريين.

اقرأ أيضا