وقفت أمام باب المنزل، طرقته بهدوء ففُتح على الفور، رجل في آواخر الخمسينيات، ظهر الشيب على شعره الأبيض، كان يرتدي جلبابّا طويلّا يكاد أن ينفجر من شدة ضيقه فلا يتناسب مع جسده السمين، وجهه اختفى بداخل لحيته الكثيفة، أمرها بالدخول، كانت تتردد في كل خطواتها لكنّها لا يمكنها التراجع الآن فقد فات الآوان، سار أمامها إلى إحدى الغرف وطلب منها الانتظار حتى يعود، الخوف يسيطر عليها، فالغرفة التي بداخلها يغطيها الظلام لا ينبعث منها سوى شعاع من نور خرج من داخل فتحات نافذة صغيرة.
أصوات خطوات تقترب من بعيد، فهي تعرفها جيدّا فالقبقاب الذي يرتديه يصدر صوتّا قويّا تجعل المارة بالشارع يسمعون خطوات تحركاته في المنزل، فور دخوله الغرفة، كانت هي تجلس في إحدى زواياها وكأنّها تختبئ بها، ولم تنتظر حتى يُغلق الباب حتى هبّت مسرعة، واستأذنته في المغادرة لدقائق فصغارها ينتظرون في الشارع ولا بد أن تذهب إليهم، ووعدته أن تعود مرة ثانية ولن تتأخر عليه، علا الغضب ملامح وجه العجوز وسمح لها بالمغادرة بشرط أن تعود وسينتظرها، خرجت الفتاة تهرول من داخل المنزل تلهث تُسابق أصوات أنفاسها، حتى وصلت إلى طريق الأمان بعيد عن هذا المكان.
حكاية فتاة طلب الجآن كذبّا معاشرتها
سوق شعبي أصوات الباعة تٌسيطر على كآفة جوانب المكان، المارة يسيرون ملاصقين بعضهم البعض بسبب الازدحام، وقفت بعبائتها السوداء وبيدها شنطة صغيرة بها بعض أنواع الخضروات والفاكهة، كانت تبكي بهدوء وصديقتها تُحاول التهدئة من روعتها «اهدي أكيد هنلاقي حل للمشاكل دي» قطع حديثهم صوت قادم من بعيد، محاولة التدخل لمعرفة ما يحدث، سيدة خمسينية ملامح وجهها تنم عن أنّها قادمة من صعيد مصر، يبدو أنّها كانت تستمع للحديث منذ بدايته «أنا عندي اللي يلاقيلك حل لكل المشاكل دي».
لم تنتظر الفتاة كثيرّا لتتعرف على هوية السيدة، بل بادرت على الفور بالاستنجاد بها، خاصة وأنّ مشاكلها مع زوجها قد تزايدت بشكل كبير في الأيام الآخيرة، فبالرغم من كونها الفتاة الشابة الجميلة التي لم تتخطى حاجز الثلاثين من عمرها إلّا أنّ مشاكل الزواج موجودة في كل مكان لكنّها تخطت المراحل الطبيعية معها، حتى باتت الحياة صعبة.
العجوز أو كما يُطلق عليها في السوق «أم أمير» والتي تعمل في إحدى محال الخضار بسوق العشرين في منطقة أبو السعود بمصر القديمة، طلبت السيدة من الزوجة أن تأتي لها في اليوم التالي لتذهب بها إلى الشخص الذي ستجد عنده كآفة الحلول لمشاكلها مع زوجها، فوافقت الفتاة على الفور دون تفكير، وبالفعل في العاشرة صباحّا من اليوم التالي انتظرتها أمام محل الخضار وسارت معها إلى المجهول.
عقار قديم يتكون من 4 طوابق بدا عليه آثار الزمن، صعدت الفتاة على سلالمه المتهالكة حتى ساقتها قدماها إلى الطابق الآخير، فتحت العجوز باب المنزل دخلت بصحبتها الزوجة، فور دخولها اخترقت حنجرتها رائحة دخان كثيف كان يغطي أنحاء المنزل، يبدوا أنّه بحسب رائحته بخور، جلست الفتاة على إحدى الكراسي المتواجدة تنتظر السيدة التي استأذنتها في إبلاغ زوجها بقدومهم، بدأ الخوف يتسلل لقلبها، خرج شيخ في بداية الستينات، بلحيته الكثيفة وشعره الأبيض، وتحدّث مع الفتاة وأخبرها أنّ زوجته حدّثته عن مشكلتها مع زوجها، وأنّه يمتلك الحل، فهو الشيخ «عماد» والذي يعمل بحسب حديثه معالجّا بالقرآن، لكن ما اكتشفته الفتاة أنّه لا يوجد للقرآن أي مكان في منزل هذا العجوز.
بعد ما يقرب من ساعة والفتاة تُشاهد أمورّا غريبة لم تكن تسمع عنها إلّا في الأفلام القديمة، فجأة قطع شرودها صوت أجش «إنتي معمولك سحر سوفلي بالخراب والطلاق»، وطلب منها الطلبات المعتادة لأي دجال في مثل تلك الظروف، «قطر منها ومن جوزها بمعنى ملابس يكون فيها عرقهم،» ومبلغ مالي حوالي 2000 جنيه كمقدمة، وبعد تجهيز الطلبات تأتي إليه مرة ثانية.
مرّ أسبوع على هذا الحال والفتاة تحاول جمع المبلغ، فقررّت الاستدانة من شقيقها بحجة أنّها تريده في أمر هام وزوجها ظروفه المادية لا تسمح، وعادت الزوجة للشيخ محملة بالأموال والطلبات، وأمرها بالمغادرة والعودة إليه في اليوم التالي، وبعدما عادت إليه أخبرها أنّه أبطل جزء كبير من السحر لكن هناك سحر أسود سفلين هذا لن يتم إبطاله إلّا بممارسة الجنس والقيام بعلاقة غير شرعية معها، ولا يمكن الرفض لأنّ هذا الأمر من شروط الخادم، الجملة التي نزلت على الفتاة كالصدمة والغريب أنّ زوجة العجوز هي الأخرى توافقه الرأي وبدأت تُقنع الفتاة بالموافقة، فأخبرتهم أنّها ستفكر في الأمر.
خرجت الفتاة وقد أصابها حالة من الذهول لما سمعته، وقررّت أنّها لن تعود مرة ثانية ولن تفعل ما يطلبه منها هذا المعتوه، كما وصفته فيما بعد، لكن ظلّت زوجته تُطاردها في كل مكان لإقناعها بالعودة، وأنّها حال عم تنفيذها المطالي سيقوم الخادم بأذيتها هي وزوجها وأولادها الصغار، لتُقرر الفتاة الذهاب إلى العجوز، فور وصولها وانتظاره بداخل غرفة مظلمة، وجدت هاتف محمول يقوم بالتصوير موضوع في مكان مرتفع مقابل للسرير ، فعلمت الفتاة أنّه بالتأكيد سيلتقط هذا الهاتف صورّا لها وهي في أحضان العجوز، فهمّت مسرعة للخروج من الغرفة لظرف آلمّ بها، ووعدته بالعودة.
خرجت الفتاة في محاولة منها لتختفي بعيدّا عن هذا الرجل وزوجته، لكنّ زوجته لم تتركها لحالها، بل ظلّت تطاردها وتطلب منها مزيدّا من الأموال حتى لا تقوم بأذيتها، ولأنّ القدر كان يُساند تلك الفتاة في طريقها، قابلت صدفة أحد جيرانها والتي أخبرتها بما حدث لتُفاجئ بأنّها تعلم جيدّا هذا الأمر وأنّ تلك الفتاة لم تكن الضحية الأولى لهذا الشيخ وزوجته، وأنّ هناك الكثير من الضحايا له من سيدات المنطقة وخارجها ، والذي يقوم بابتزازهم بالصور التي التقطها معهم، ومن يُحاول معارضته أو مخالفته فإنّه مهدد بالأذى من قبل هذا العجوز وزوجته، خاصة وأنّهم مقتنعين بكونه ساحر.
الفتاة لم تكن تعلم كآفة تلك الأمور، فهي الوافدة الجديدة لتلك المنطقة لم تبلغ مدة إقامتها بها سوى شهور قليلة، لكنّها اكتشفت فيما بعد أنّه مشهور بمثل تلك الأمور لكن لا يجرؤ أحد أن يعارضه أو يقف في وجهه، حتى هذه اللحظة.
طلبت الفتاة عدم ذكر اسمها أو بيانات عنها، لكنّها تُحاول أن تفضح هذا الشيخ المخادغ عسى أن تكون سببّا في نجاة فتيات غيرها لكنّها وحتى تلك اللحظة لا تستطيع حتى أن تقوم بتقديم بلاغ ضده خوفّا من أن يؤذيها وأسرتها.
تزايد حالات الاغتصاب بالدجل
برغم انتشار التكنولوجيا المتطورة، ووسائل التواصل التي تجعل من قضية مثل هذا عبرة وعظة لغيرها، إلّا أنّه خلال الخمس سنوات الآخيرة تجاوزت حالات الدجل بتلك الطريقة العشر آلاف حالة، والتي تم إثباتها، لكن هناك الآلاف غيرها ممن لم تثبت في الأوراق الرسمية ولا تحاول الخروج مخافة الفضيحة، أو حتى الابتزاز.
موضوعات متعلقة
”الأعلى للإعلام” يغلق قنوات السحر والشعوذة
السحر ينقلب على الساحر.. مساعي «مبعوث السلام» تجلب الخراب على الفلسطينيين
تابعوا أخبار بلدنا اليوم على Google News
