"عامان في خدمة الجنود".. طفلة عراقية تروي مأساتها تحت الأسر الداعشي

الاحد 01 سبتمبر 2019 | 03:16 مساءً
كتب : سارة أبو شادي

قبل خمسة أعوام من اليوم، كان حلمها أن تصبح معلمة لتعين والدها على الحياة الصعبة، لكنّ الآن تغيّر الوضع كثيرًا فبات أملها الوحيد الخروج من هذا المكان الذي تحوّل لكابوس بين ليلة وضحاها، تتذكر الصغيرة هذا اليوم جيدًا، كانت تتشبث بيد والدها ترتجف من الخوف، تختبئ برفقة أسرتها في وسط الجبل، يتحركون في صمت يتهامسون فيما بينهم خشية أن يكتشف أحد مكانهم، أصوات الرصاص وصراخ البعض ممن يحاولون الهرب كانت هي السائدة، حاولت أن تتظاهر بالقوة بالرغم من كونها طفلة لم تتجاوز العاشرة، دقائق وحلّ الهدوء تيقنوا أنّه حان وقت العودة لكن ما حدث لم يخطر ببالهم مطلقًا.

"هنا فارس" فتاة إيزيدية تبلغ من العمر 15 عامًا، قبل خمسة أعوام كانت الصغيرة تقطن بمنطقة القحطانية بالموصل إحدى المدن العراقية، تلك المدينة التي فور دخول "داعش" إليها وبدأت بها المجازر التي طالت الجميع لم يفرق هؤلاء بين صغير أو كبير شاب أو عجوز، كانت "هنا" في ذلك الوقت لم تتجاوز العاشرة من عمرها، تعيش برفقة أسرتها التي تتكون من أب وأم واثنان من الأشقاء الذكور، طفلة أقصى أمانيها اللهو برفقة صغار الحي، لكنّ كان للقدر رأي آخر.

فتاة ايزيدية

"قصتي لا تختلف كثيرًا عن غيري من الفتيات الإيزيديات الذين اختطفهم التنظيم" ففي إحدى ليالي الشتاء القاسية، أوشكت الساعة على منتصف الليل، هدوء حذر يسكن بين جنبات منازل القرية فكان أشبه بهدوء ما قبل العاصفة، على حين غفلة حلت الفوضى وبدأ الجميع يهرول من أجل الاختباء، أسرع والد "هنا" برفقة والدتها وأشقائها يبحثون عن مكان يمكثون به حتى تذهب تلك الغمة عن بلدتهم، فقد احتلت "داعش" المدينة وهم يعلمون جيدًا أنّه لا تنجوا مدينة إيزيدية من أيديهم، لذا فلا بديل عن الهرب.

صعدت الفتاة برفقة أسرتها وعدد من أقاربهم إلى الجبل كونه المكان الأكثر أمنًا في تلك اللحظة، مكثوا به عدة أيام حتى جائهم نبأ بأنّ "داعش" خرجت من المدينة وأنّها أصبحت أمانًا الآن، فقرر الأب أن يصطحب أسرته ويعودوا للمنزل، لكنّهم لم يلبثوا أن وصلوا إلى أطراف المدينة حتى تفاجؤا بسيارتين تتبعان التنظيم، حاول الأب الفرار لكن بلا فائدة فتمّ اختطاف الأسرة بالكامل، بعد فترة تركوا الأم تعود للمنزل، بينما هرب الإبن الأكبر منهم، لكن لم ينجوا الأب والشقيق الأصغر والذين قتلهم أعضاء التنظيم أمام الفتاة الصغيرة التي اتخذوها من ضمن سباياهم.

سنوات قضتها "هنا" بداخل "داعش" عاشت فيهما كل أنواع التعذيب الجسدي مابين الضرب ليل نهار والحرمان من الطعام، لكنّها كانت تتحمل كل ذلك على أمل العودة لأسرتها مرة أخرى، بعد ما يقرب من عامين مكثتهم الفتاة برفقة عدد من الجنود باعتبارها إحدى جواريهم، ليقرروا فيما بعد بيعها لإحدى الأسر التابعة لهم والتي تقطن بمدينة تلعفر، لتعمل خادمة لديهم وظلت برفقتهم حتى قامت الحرب بالمدينة وتمكن الجيش من دخولها.

فتاة ايزيدية

بعدما اشتد القتال بتلعفر قررت الأسرة بيع الصغيرة لأخرى، والتي قررت الأسرة الجديدة الهروب من المدينة والنزوح إلى مدينة زمار، في محاولة منهم لدخول إقليم كردستان، هنا تجدد الأمل من جديد في قلب "هنا" عسى أن يشاء القدر وأن تلتقي بأسرتها من جديد، فهي تيقنت أنّ أسرتها تقيم بإحدى مدن الإقليم لذا فالتواجد في أي مكان بالقرب منه يجعل هناك أمل اللقاء.

فور نزوح الأسرة الداعشية ووصولهم إلى إقليم كردستان، حاولوا التسلل إلى الإقليم لكن الأمن منعهم من الدخول، كانت الفتاة برفقتهم أينما تواجدوا، وفي محاولة من الدواعش الدخول تصادف وجود شخص على علم بالفتاة الصغيرة، فأخبرهم بأنّ أسرة الفتاة التي تسير معهم تتواجد هنا بالإقليم ومن الممكن أن يساعدوهم في المرور للداخل، وبالفعل حصلت الأسرة على رقم شقيق الفتاة وقرروا استخدام الفتاة في خطتهم حتى تساعدهم لمرور السياج.

 

"طلبوا مني الاتصال بشقيقي وإخباره بأنّي على السياج أريد الدخول برفقة أسرة أنقذتني من داعش وهددوني لو لم أتحدث بهذا الكلام مع أخي سيقتلوني" فعلت الفتاة ما يريده هؤلاء خوفا على حياتها، وبالفعل اتصلت بشقيقها وأخبرته بما ذكروه، فتحرك شقيقها وتواصل مع أحد رجال الأمن على الحدود وطلب منه المساعدة، وبالفعل لم تمر ساعات قليلة حتى وصل شقيق "هنا" إليها وأنقذ من أيدي الأسرة الداعشية، وأخبرتهم الفتاة بالحقيقة ودخلت بمفردها إلى الإقليم لتلتقي بأمها بعد سنوات من الأسر، وهي تعيش الآن برفقتها وشقيقها بمخيم شاريا بمحافظة دهوك في العراق.

"حلمي اليوم يجي باقي عيلتي من الدواعش ونخرج من العراق، بعد رحيل أبي وشقيقي لم يعد لنا شيئ أنا وأمي وشقيقي الأكبر فقط، حلمي تغير كثيرًا عن الماضي، كنت أحلم بأن أصير معلمة لكن اليوم، حلمي أن ينجو أهلي من أيدي الدواعش وأن نخرج سويًا من العراق، فلم تعد تلك البلد آمنة لنا بعدما فعله التنظيم الإرهابي بنا، فأهلي نصفهم في مخيم شاريا معنا والنصف الآخر في أيدي الدواعش، بتلك الكلمات أنهت الفتاة الإيزيدية "هنا الزاهد" حديثها تلك الفتاة كانت نموذجًا لعشرات الأطفال ممن يتعرضت يوميًا لانتهاكات من قبل جماعة ترفع راية الدين المزيفة.

فتاة ايزيدية

اقرأ أيضا