وايم الله: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها

الاحد 13 فبراير 2022 | 11:16 صباحاً
كتب : بلدنا اليوم

كتب: زهران جلال

لا يترك القاضي على قضائه إلا سنة واحدة، لأنه متى أشتغل بذلك نسي العلم فيقع الخلل فى الحكم فيقول السلطان للقاضى، ما عزلتك لفساد فيك ولكن أخشى عليك العلم، فأدرس ثم عد الينا حتى نقلدك ثانية ” قول مأثور هو أول ما يتعلمه القاضى منذ بداية السلم القضائى، عرفه وفهمه جميع أعضاء الهيئات القضائية عقب أدائهم اليمين للالتحاق بالسلك القضائى ، بجانب علمه بتقاليد القضاء وشروط القاضى التى استنها شيخ الاسلام قاضى قضاة مصر والشام “بدر الدين عبدالله بن جماعه فى أحد عشر شرطا ” أن يكون ذا ديانة مشهورة وسيرة مشكورة وعفة مألوفة ووقار وسكينة ونفس شريفة وتام الورع خليا من الطمع ، متنزها عن ملابسة الرذائل، ومخالطة الأراذل ، شديدا من غير عنف ، لينا من غير ضعف ” ويبدو أن هناك من لم يعملوا بالتقاليد القضائية التى تعلموها، بما أوصلهم الى الفصل أو العزل أو تقديم الاستقالة بعد أن ضاقت صدورهم لما اتسعت له صدور الناس واتسعت ذمتهم لما ضاقت له ذمم الناس، وأحلت القسوة بدلا من الرحمة في قلوبهم ، حنثوا اليمين وخانوا الأمانة واهالوا التراب علي رؤوسهم ، فعميت أبصارهم ، وانتزع العدل منهم، يقولون ما يفعلون ، يلوذ إليهم المظلوم لإحقاق الحق وهم ليسوا أهلا لذلك فكيف علي هؤلاء أن يناموا ويعلموا أنهم ليسوا أهلا لهذا المقام الرفيع، كيف يشارك أبا ويعلم أخوة جميعهم بمنظومة العدالة بأن هناك مزور شهادة إجازة القانون بينهم ويؤتمنوا علي حقوق المواطنين ، وبطالبوا بعقاب المقصرين من الموظفين؟

كيف يعيش أخوة وسط اخ مرتشي وجميعهم ملاذا للمظلومين ، وكان أبوهما سيدا في اتخاذ كافة القرارات العامة التي تدير الهيئة الموقرة.

وكيف علي من نلوذ بهم أن يقفوا لحد قبول الإستقالة فقط دون إتخاذ أي إجراء ، هل هذا من الممكن أن يحدث من المنوط بهم أمام موظف بسيط في وظيفه دنيا ؟!!

ألم يوجه رسول الله صلي عليه وسلم في حديثه الشريف "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم. الله : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.

و سار علي نهجه الصحابة والتابعين وكانت هذه التوجيهات النبوية دستورا لتنظيم العدالة ففي رسالة "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه التي أرسلها إلى الأشتر النخعي والي مصر، حين كانت تابعة لحكمه، وفيها يقول:

" ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تحكمه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر في الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تستشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، أوقَفُهُمْ في الشبهات، وآخَذُهم بالحجج، وأقَلُّهم تبرماً بمراجعة الخصوم، وأصبرهم على كشف الأمور، وأصرمهم على اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء، وأولئك قليل، ثم أكثر من تعاهد قضائه، وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ، ليأمن بذلك اغتيال الرجال عندك.

في هذه الرسالة أيضاً: أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تَظْلِم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته ، وكان لله حرباً، حتى ينزِع أو يتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله، وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد.

وكان القاضي الفقيه شريح بن الحارث الكندي أسوة حسنة، كان رحمه الله من كبار التابعين، استقضاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الكوفة، كان أعلم الناس بالقضاء، ذا فطنة وذكاء ومعرفة وعقل ورصانة، ولما أراد عمر بن الخطاب أن يولي شريح القضاء كتب إليه، إذا أتاك أمر في كتاب الله فأقض به، فإن لم يكن في كتاب الله وكان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض به فإن لم يكن فيهما فاقض بما قضي به أئمة الهدي فإن لم يكن فأنت بالخيار.

ويوما قال ابن شريح له: يا أبت، إن بيني وبين قوم خصومة، فانظر فيها، فإن كان الحق لي قاضيتهم، وإن كان لهم صالحتهم، ثم قصّ عليه قصته، فقال له شريح ، انطلق فقاضهم ،فمضى إلى خُصُومِه، ودعاهم إلى المقاضاة، فاستجابوا له.

ولما مثلوا بين يدي شريح، قضى لهم على ولده، فلما رجع شريح وابنه إلى البيت، قال الولد لأبيه: فضحتني يا أبت! والله لو لم أستشرك من قِبل لما لمتك ، فقال شريح: يا بُنَيّ، والله لأنت أحب إليَّ من ملء الأرض من أمثالهم، ولكن الله عز وجل أعز عليَّ منك، لقد خشيت أن أخبرك بأن الحق لهم فتصالحهم صلحًا يفوت عليهم بعض حقهم، فقُلْتُ لك ما قلت.