المواصفات الفنية للسيارات الواردة.. 10 بنود ولا يوجد فحص فني مطلقا

التضحية بعوامل الأمن والسلامة من أجل أرباح أكبر

الاحد 18 يونية 2023 | 01:56 مساءً
المواصفات الفنية للسيارات المستوردة - صورة أرشيفية
المواصفات الفنية للسيارات المستوردة - صورة أرشيفية
كتب : محمد الإمبابي

أظهرت "المجلة الدولية للسياسات العامة في مصر"، والصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أن أكثر المركبات التي تسببت في الحوادث المرورية في مصر خلال عام 2021 هي مركبات الملاكي بنسبة 31.5% من إجمالي الحوادث المرورية.

وعلى الرغم من أن المجلة وضعت عدة توصيات لتقليل الحوادث تتعلق جميعها بالتشريعات والتوعية بالمخالفات المرورية وغيرها، إلا أنها أغفلت تناول الحالة الفنية للسيارات الواردة إلينا.

حيث لا تمتلك مصر مواصفة فنية مصرية، تحدد معايير الأمان والسلامة الخاصة بتصنيع مكونات السيارة، ولا أجهزة لتقوم بمثل هذا الفحص للمكونات، وبما أن سوء المواد المستخدمة في صناعة أجزاء السيارة أو قطع الغيار، يجر علينا حوادث وخسائر بشرية واقتصادية قد تكون أقل في حالة توافر أجهزة الأمن والسلامة اللازمة لجميع أجزاء السيارة.

المواصفات الفنية الرديئة للسيارات ترتبط بنسبة الحوادث

يوضح المهندس خالد عامر خبير معاينة السيارات أن عدم وجود كشف أو اختبارات للسيارات الواردة إلى مصر يظهر أثره جليا في نسبة الحوادث لبعض الماركات دون غيرها، فالمكون السيء لأجهزة التعليق أو المقصات والفرامل؛ يزيد من نسبة الخسائر البشرية والمادية عند حدوث التصادم، ويؤثر على العمر الافتراضي للمكون، فنجد أجزاء السيارة بالكاد تتجاوز فترة الضمان ثم يبدأ تلف الأجزاء. مشيرا أن كثيرا من الأجزاء تتعرض لتقليل التكلفة والجودة وفي مقدمتها نظام التعليق –العفشة- حيث تتكون من حديد يرتفع ثمنه كلما زادت الجودة، وبالتالي كلما انخفض سعره، زادت رداءة الخامة المستخدمة.

وأوضح أن الصين استجابت لأهواء المستوردين والوكلاء المصريين عبر خفض التكلفة مقابل انخفاض الجودة ورداءة الخامات، مع العلم أن ظاهرة الخامات الرديئة في السيارات لا تقتصر على السيارات الصينية فقط بل تمتد إلى بعض العلامات الكورية التي تعتمد على أرخص المكونات الصينية في سيارتها بهدف تقليل السعر دون الاهتمام باحتياطات الأمن والسلامة، مضيفا "خلال عملي ومعاينتي للعديد من السيارات، أؤكد أن السيارات الواردة إلى مصر بعيد عن النسخ التي تدخل إلى الخليج أو غيرها، باستثناء سيارات الاتحاد الأوربي التي تتعرض لمواصفات أوربية لا تتساهل في تلك الإجراءات مقارنة مع واردات الصين وكوريا بل والقليل من اليابانية، وتابع أن الوقت قد حان لفرض مواصفات خاصة بنا تناسب الأجواء المصرية وتؤمن سلامة العميل وغيرها من الجوانب المتعلقة، حيث أن ارتفاع الأسعار الحالي يسدعي أن لا نسمح بدخول سيارات تعرض حياة المواطن للخطر، أو تستنفذ أمواله بلا مقابل، وقليل من الارتفاع في السعر مقابل الأمن والسلامة؛ يفيد ولا يضر.

وتابع أن بعض السيارات تكون قطعة الغيار الجديدة أفضل لها من الأصلية، حيث تخضع واردات قطع الغيار إلى اختبارات قياسية قبل السماح بدخولها، في حين لا تخضع السيارة الكاملة لمثلها.

قطع غيار السيارات تخضع للاختبارات

يقول سيد دسوقي رئيس شعبة قطع الغيار بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن قطع الغيار مضمونة، فالهيئة العامة للمواصفات القياسية تقوم بعمل اختبارات لكل قطع غيار السيارات، كي يتم تحديد مطابقتها للمواصفات القياسية وتمتعها بالجودة المقررة وفقا لاعتبارات الهيئة، ويتم وضع كل قطعة على مايناسبها من أجهزة متخصصة تقوم بتقييمها وفي حالة مخالفتها للمواصفات يتم رد الشحنة بالكامل، مؤكدا أن جميع قطع الغيار المتوافرة مطابقة للمواصفات القياسية ولكن الكماليات مثل الفرش الداخلي والدوسات والإضاءة وغيرها لا تخضع لهذه الإجراءات.

المسؤولية تقع على وكيل السيارة

يوضح المهندس صلاح الدين عبد العظيم خبير معاينة السيارات بالهيئة العامة للرقابة المالية والمحاكم الاقتصادية، أن العديد من الوكلاء جلبوا سيارات رخيصة لا تضمن للسائق الأمان بسبب الرغبة في تحقيق أعلى المكاسب، وبسبب عدم وجود قياس أو كشف فني على شحنات السيارات الواردة لمصر، يتسرب للسوق المحلي مركبات مصنعة من خامات رديئة لا تراعي مواصفات الجودة أو الأمن والسلامة، ولا يضع الوكيل حينها نصب عينيه سوى رخص السعر.

ويمكن التأكد من ذلك عن طريق عقد مقارنة بين سيارة واردة لمصر بنظيرتها الواردة للملكة العربية السعودية أو غيرها من دول الخليج، فستجد فروق واضحة في إجراءات السلامة والكماليات والخامات بصفة عامة.

ويؤكد أن المواصفات الخاصة بكل سيارة تقع على مسؤولية الوكيل، حيث أنه من يقوم بإرسال المواصفات الخاصة للسيارة، فمثلا أحد السيارات الكورية الشهيرة والمجمعة محليا تباع بـأكثر من 7 فئات أو أكثر بسبب أن الوكيل يقوم بتقديم الفئة الأولى دون وسائد هوائية وفرامل مانعة للانغلاق، والفئة الثانية بوسادة هوائية واحدة، وكلما ارتفع فئة أضاف تفصيلة بسيطة لوسائل الأمان، بغض النظر عن الاهتمام بأهمية تواجد الوسائد الهوائية وأنظمة الفرامل الحديثة في أي سيارة حيث لم تعد رفاهية.

ولفت النظر أن في حالة وضع جدول خاص بمواصفات مصرية قياسية تضمن الأمان والسلامة، فإن أسعار السيارات سترتفع لكن معدلات الأمان أيضا ستزداد للضعف، وكذلك العمر الافتراضي لمكوناتها من محرك وأجهزة تعليق وغيرها.

لا نمتلك الأجهزة اللازمة لفحص السيارات فنيا قبل دخولها

المواصفات الفنية للسيارات المستوردة - صورة أرشيفيةالمواصفات الفنية للسيارات المستوردة - صورة أرشيفية

قال المهندس جمال عسكر خبير السيارات ورئيس لجنة الصناعة بنقابة المهندسين إن مصر لا تمتلك الأجهزة اللازمة لاختبارات السلامة الخاصة بالسيارة من كفاءة المكونات وغيرها، حيث أنها مكلفة للغاية، مشيرا إلى أهمية الاهتمام بوضع مواصفة مصرية تلزم مستوردي السيارات بمراعاتها عند جلب الشحنات للسوق المصري، على غرار ما تقوم به الدول الأخرى، فدول الخليج العربي على سبيل المثال لها مواصفة قياسية للسيارات تتضمن جودة الخامات وغيرها ولايمكن دخول سيارة مخالفة للاشتراطات، التي تضعها كل دولة لتناسب الظروف الجغرافية والطبيعية لديها، فنجد مواصفات سعودية ومواصفات أمريكية ومواصفات أوربية وغيرها، يكون هدفها في النهاية حماية حياة المواطن باعتباره المكون الرئيسي لتقدم المجتمع.

وأضاف أن تقليل مواصفات الأمان والسلامة ورداءة الخامات، تؤدي إلى زيادة نسبة حوادث الطرق ونزيف من الأرواح، وقد طورت الحكومة الشبكة القومية للطرق من أجل تقليل نزيف الأسفلت، إلا أن الوقت قد حان للاهتمام بجودة السيارات الواردة وما تحتويه من وسائل أمان لتحقيق الرضا الكامل لقائدي السيارات.

وأكد أن لجنة مختلطة من وزارتي التجارة الصناعة، ووزارة الإنتاج الحربي، ومجموعة ممثلين عن الهيئة العربية للتصنيع ومركز تحديث الصناعات ونقابة المهندسين تستطيع وضع مواصفة فنية للسيارات الواردة للأراضي المصرية بما يناسب طبيعة الشوارع والبيئة لدينا، والتي تستطيع الحكومة إلزام الوكلاء باتباعها بدلا من الاتجاه لتقليل السعر مقابل انخفاض الجودة والأمان، داعيا للتشديد فيما يخص المواصفات الفنية والاختبارات القياسية التي تجرى لقطع الغيار لضمان جودة ما يحصل عليه العميل.

وتابع أن وضع مواصفة مصرية للسيارات سوف تقوم بإخراج السيارات الرديئة الصنع والتي جلبها وكلاء "تحت السلم" دون النظر لجودتها أو لأمان المواطن بل لرخص سعرها فقط.

10 بنود فقط نطبقها من بين أكثر من 140 بند

المواصفات الفنية للسيارات المستوردة - صورة أرشيفية

المهندس أيمن سعيد

ويؤكد المهندس أيمن سعيد رئيس شعبة وسائل النقل بغرفة الصناعات الهندسية التابعة لاتحاد الصناعات، أن جميع السيارات الواردة لا تخضع لاختبارات قياسية من أي نوع، بينما يوجد 10 بنود إلزامية من ضمن أكثر من 140 بند حددتهم الأمم المتحدة، اختارتها الدولة المصرية منذ حكومة رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة الأسبق، ولم يتم زيادتها أو فرض اختبارات منذ ذلك الحين، إلا أنها كانت مجرد خطوة لم يليها خطوات أخرى، وربما كانت تتحقق قائمة المواصفات الفنية المصرية الكاملة، لو عملنا منذ ذلك الحين على الوصول لمواصفات قياسية تضمن جودة السيارة.

ويضيف أن تحقيق مواصفات سلامة قياسية لدخول السيارات يتطلب تضافر جهود عدد من المؤسسات من أجل الخروج بشروط إلزامية تتوافق أو تقترب مع المستوى العالمي المتعارف عليه لضمان الأمن والسلامة في السيارة الواردة، بما يقلل ويحد من دخول الرديء.

ونبه رئيس غرفة النقل باتحاد الصناعات المصرية، إلى أهمية وجود منظومة متكاملة معتمدة ومؤهلة لفحص حوادث السيارات جيدا للخروج بتقرير يوضح أسبابها وما إذا كانت رداءة القطع الميكانيكية هي السبب أم لا، كي نستطيع السيطرة على جودة المنتج، مشيرا أن أغلب الجهات المحققة في حوادث السيارات لدينا تقع تحت ضغط الوقت ويشوبها التعاطف والتحيز مع العميل في أغلب الأوقات، ولا تزال تعتمد على وجهة نظر دكتور جامعي، دون قياسات واختبارات كما هو معمول به في الدول الأخرى، مشيرا أن أغلب التقارير التي اضطلع عليها كانت بلا دلائل فنية، فالعديد في حوادث السيارات تحتاج لوقت طويل نسبيا للخروج بنتيجة قاطعة حول السبب.

وأشار أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا تمتلك المعاهد المتخصصة في عمل اختبارات قياسية وتقييم السيارات فنيا، بما يسمح للعميل معرفة كافة التفاصيل المتعلقة بجودة وتوافر وسائل الأمان قبل شرائه للمركبة.

وأوضح أن التحديات الاقتصادية الحالية لا تسمح لنا بتوفير سيارات الفئة الأولى من حيث السلامة والأمان في ظل ارتباط السعر بالخدمة المقدمة من المُصنع، واختيار العميل ما يناسب ميزانيته.

وقال أن الوصول لمواصفات فنية تحقق السلامة والأمان يحتاج للدراسة المتأنية وللتدريب والفحص للآثار المتعلقة وعدم الاستعجال في إصدار القوانين دون دراسة ودون اللجوء إلى المصانع والمستوردين، لمنح الجميع مهلة لتوفيق أوضاعه والتخلص من المكونات الغير مرغوب فيها، وبالتالي يحدث رفع لكفاءة السيارات الواردة والمجمعة في مصر، مع النظر أن الجودة سوف تنعكس على أسعار مرتفعة مقارنة بغيرها.

وتابع أن التحدي الحقيقي لأي فكرة جديدة يتمثل في ألية التنفيذ وكيف يتم تطبيقه على أرض الواقع، لذلك فلا بد أن لا تنفرد جهة بتحديد المواصفات الفنية كي لا يحدث تضارب، بل يجب أن يكون الموضوع بالتعاون والتنسيق مع المجلس الأعلى للسيارات الذي يضم كبار المسؤولين عن ملف السيارات في مصر.

واختتم أنه بالفعل طرح ملف المواصفات الفنية للسيارات خلال لقاؤه مع أعضاء المجلس الأعلى للسيارات، من أجل وضعه بعين الاعتبار خلال الخطة الطوحة التي تسعى القيادة السياسية إلى تطبيقها فيما يخص صناعة السيارات. 

المواصفات الفنية للسيارات المستوردة - صورة أرشيفية
المهندس أيمن سعيد
المهندس جمال عسكر