كورنيش الإسكندرية بين الاستثمار وحجب الرؤية.. من يُعيد روح البحر للبسطاء؟

لا شك أن مدينة الإسكندرية من أهم المحافظات الساحلية التي يتوافد إليها المصطافين والسُياح طوال أيام العام، إذ تتميز عروس البحر بعدد من الشواطئ الفاخرة، والمناخ المعتدل، والرمال الذهبية، والشمس الدافئة، التي تحتضنها المياه من كل الاتجاهات.
كورنيش الإسكندرية يعد شريان المدينة وسر عشق رودها، ولكن خلال السنوات الماضية، شهدت العمل على مجموعة من المشروعات الاستثمارية على شاطئ البحر، ما يطرح تساؤلًا رأى المواطنون شرعيته: هل ما زال البحر حقا متاحًا للجميع؟
خلال التقرير التالي يستعرض "بلدنا اليوم" التوسعات العملاقة على كورنيش الإسكندرية والاستثمارات التي طغت على حق المواطن في رؤية البحر.
التوسعات.. تحسين أم استثمار؟
يشهد كورنيش الإسكندرية، خلال السنوات الماضية، طفرة عمرانية وتطوير البنية التحتية التي شملت توسعة الكورنيش وتحسين الرصف، وإنارة الاعمدة، وإنشاء اماكن انتظار السيارات وكباري، للحد من التكدث المروري، ةتقليل الاختناقات خاصا في الاماكن الاكثر حيويًا، خلال فصل الصيف من منطقة جليم وسيدي جابر وستانلي وسيدي بشر، رغم ما يحققه التوسعات والتطوير إلا أنها مترافقة مع توسع الاستثمار غير المسبوق من الكافيهات والمطاعم.
أين ذهب البحر؟
ولكن مع التوازي مع تلك التوسعات العظيمة، التي يشهدها الثغربالوقت الحالي أو التوسعات السابقة التي حملت بالتوازي طفرة من نوع آخر وهي انتشار لافت للكافيهات والمطاعم التي لا حصر لها على امتداد الكزرنيش، لاسيما بالمناطق المفتوحة.
فأصبحت المساحات المطلة على البحر مخصصة في معظمها لشواطئ ومطاعم تابعة لفنادق، وجراجات لانتظار السيارات تابعة للفنادق، إلى جانب التوسعات الكبيرة في شواطئ 26 يوليو التابعة لإحدى الجهات السيادية.
إغلاق مساحة شاسعة من الكورنيش
يستوقفنا إغلاق مساحة شاسعة من الكورنيش تمتد من محطة الإقبال حتى شاطئ 26 يوليو، وهي مغلقة بالكامل دون إعلان واضح عن مصيرها حاى الاَن.. ما يثير التساؤلات: هل ستتحول هي الأخرى إلى كافيهات ومطاعم فاخرة؟
وعند الوصول إلى منطقة سان ستيفانو، نلاحظ أن الشواطي باتت مخصصة وتابعة للفندق، يليها جراجات، ثم محطة جليم التي خصصت بالكامل للكافيهات والمطاعم، وبعدها محطة سابا باشا مخصصة للنوادي التجارية والنقابية منذ زمن طويل، ولا تتيح إلا مساحة صغيرة جداً لرؤية البحر.
في الوقت الحالي يتم أيضا إنشاء وافتتاح بعض الكافيهات والمطاعم التابعة لكازينو السرايا سابقا، وصولا لكوبري ستانلي، ثم مناطق سيدي جابر وكليوبترا وسبورتنج حيث تكاد تكون الرؤية منعدمة تمامًا.
ألسنة البحر.. هل تتحول إلى مشروعات استثمارية؟
ومن المشاهد المخيفة للمواطن السكندري، اللسان البحري في منطقة محمد نجيب شرق الإسكندرية، الذي خٌصص كمنطقة عمل مؤقتة للانتهاء من مشروع الحواجز الغاطسة الجاري تنفيذه لحماية الشواطئ من التاَكل، وهو لسان العمل الموجود أمام شارع الطفولة السعيدة وفندق هيلتون سيدي بشر.
ورغم أهمية هذه الحواجز من الناحية البيئية والهندسية، إلا أن التخوف لدى المواطنين والمتابعين، هو أن يتم الإبقاء على هذه الألسنة بعد إنتهاء المشروع، ومن ثم استغلالها في إقامة مشروعات استثمارية جديدة، مثل: الكافيهات والمطاعم.
مواطنون: البحر لم يعد ملكنا
رنا طالبة بالصف الثالث الإعدادي، من سكان منطقة سيدي بشر، تقول: “هم أخذوا شاطي ربنا وتم استثمارة مع انه البحر ملك المواطن، دلوقتي مفيش مكان نجلس فية كلها كافيهات وجراجات للسيارات ومفيش أماكن للمواطنيين”.
سعيد علي، موظف من سكان كليوبترا، يعبر عن هذا المشهد بقوله: “الرصيف اتوسع لكن البحر اتقفل علينا كنا زمان بنشوفه وإحنا رايحين الشغل دلوقتي كافيهات ومطاعم فاخرة”.
في عهد المحجوب.. البحر كان حق للمواطن السكندري
تستدعي الذاكرة السكندرية لعهد اللواء الراحل محمد عبد السلام المحجوب، محافظ الإسكندرية الأسبق، الذي اتخذ قرارات حاسمة بكل حزم بمنع إقامة الكافيهات أو منشاَت على الكورنيش، وذلك حفاظًا على حق المواطنيين والرواد في الاستمتاع بالبحر.
ونتذكر أنه تم هدم جميع الكافيهات على الكورنيش حين ذاك، باستثناء كافية “الشاطبي” الذي يقع داخل البحر، ولا يتسبب في حجب الرؤية وكانت رؤية المحجوب واضحة وصريحة وحازمة “البحر ليس للبيع”.
معادلة ضائعة
ما بين الطوح والتمية والاستثمار وحق المواطن لرؤية البحر بالمجان، تبقى المعادلة ضائعة، وبات كورنيش الإسكندرية “فسحة الغلابة”، اليوم محاطًا بأسوار سياحية وتجارية تحرم المارة من لذة النظر إلى مياه البحر الزرقاء.
لذا يبقى السؤال المحير في ذهن رواد عروس البحر وعشاق السير على الشواطئ.. هل تعود الرؤية للكورنيش من جديد؟ أم أن المُتنفّس بات في الرمق الأخير.