بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

السفير الأوكراني: لن نقدم تنازلات من طرف واحد.. والمصالح الأمريكية والأوروبية محط اعتبار

السفير الأوكراني
السفير الأوكراني في مصر مع محرر بلدنا اليوم

سفير أوكرانيا:
- لا نتائج إيجابية من قمة إسطنبول
- لا نرى تغيرات جدية في الموقف الروسي
- أوكرانيا لن تقدم تنازلات لا يقـابلها تنازلات
- نخطط لتأسيس المركز اللوجستي الأوكراني المصري 
- مصر دولة رائدة وركيزة أساسية لحفظ السلام والاستقرار 
- نعترف بحقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته لإقامة الدولة المستقلة

بنبرة أكثر هدوءًا وانفعالات أقل حدةً عن سابقتها من حواراتنا السابقة على مدار ثلاث سنوات على الحرب في أوكرانيا؛ تحدث إلينا السفير مِيكُولا نَاهورني، سفير دولة أوكرانيا في مصر، خلال مقابلة خاصة من مقر السفارة في القاهرة، عن الأوضاع حاليًا في أوكرانيا، وانطباعاته حول المفاوضات الجارية بوساطة دولية، وفرص التوصل إلى اتفاق سلام عادل مع روسيا، وإلى نص الحوار:


1. بعد إعلان ترامب عقد مفاوضات بين البلدين.. هل تتفاءلون بقرب نهاية الحرب؟

الرعاية الأمريكية الحالية للمفاوضات الروسية الأوكرانية تعطي بلا شك دفعة قوية لهذه المسألة، كما حدث في مارس الماضي خلال عقد قمة جدة برعاية أمريكية حيث شهدت لأول مرة مشاركة وفدين روسي وأمريكي، كما هو الحال في قمة إسطنبول الأخيرة.

أود أن أشير إلى أن أوكرانيا كانت مستعدة لإجراء هذه المفاوضات على مستوى القمة، وقد وصل الرئيس زيلينسكي إلى أنقرة استعدادا للمشاركة في القمة التي أعلن الرئيس ترامب أنه قد يشارك فيها أيضا، لكن على العكس تمامًا، الجانب الروسي أعلن رفض مشاركة السيد بوتين، وأرسل وفدًا منخفض المستوى إلى إسطنبول، لذلك لا نرى حاليا تغيرات جدية في الموقف الروسي، تشير إلى قرب انتهاء الحرب.

2. كيف تقيمون نتائج قمة إسطنبول.. وهل فتحت المجال أمام استئناف المفاوضات؟

وفي الحقيقة لا نستطيع أن نطلق عليها قمة، لأنه في مقابل مشاركة الجانب الأوكراني برئاسة وزير الدفاع وبمشاركة النائب الأول لوزير الخارجية وممثلين من المخابرات الأوكرانية ورئاسة الجمهورية، نجد من الجانب الروسي مستوى تمثيليًا منخفضًا إذ ترأس الوفد وزير الثقافة السابق. وأرى أن قمة إسطنبول بمثابة حلقة أخرى ضمن مسلسل المفاوضات الطويل للأسف.

وإجمالا، أنا لا أرى أي نتائج إيجابية ملموسة من القمة عدا الاتفاق على تبادل الأسرى، وحتى الآن لم يتم تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، لكن المشاورات مستمرة ونحن جاهزون لمواصلة الحوار، ومن أهم الخطوات التي قد تؤكد جدية الجانب الروسي والإرادة السياسية لديهم لمواصلة المفاوضات، هو وقف فوري لإطلاق النار على الأقل لمدة 30 يوم.


3. لماذا ستعقد المفاوضات الروسية-الأوكرانية المقبلة في الفاتيكان، وفق إعلان ترامب؟

بالنظر إلى الإمكانيات والخيارات المختلفة، وبعد مباحثات جدة وإسطنبول، فإن أوكرانيا درست الخيارات المطروحة لاستضافة المحادثات المقبلة مع روسيا ومن بينها عقد المفاوضات في الفاتيكان وسويسرا وتركيا، لكن وقع الاختيار على الفاتيكان، نظرًا لما تمثله المباحثات هناك من رمزية ملحوظة لسمعة الفاتيكان كبلد يمثل ديانة سماوية، ونظرا لتولي بابا جديد المنصب.

وجاء هذا القرار بأن أن اجرى الرئيس زيلينسكي لقاءً مع البابا حول الحرب في بلادنا، ووصلنا شعور بأن لدى البابا الرغبة القوية في لعب دور جدي لإحلال السلام في أوكرانيا.

     
4. هل لديكم توقعات حول مطالب البلدين على طاولة المفاوضات؟

أوكرانيا لن تقدم تنازلات طالما لا يقابلها تنازلات من جانب روسيا، ونتوقع أن تكون الصيغة النهائية بها تنازلات من الطرفين، ولكن من جانب روسيا نحن حتى الآن لم نرى أي بوادر في اتجاه السلام، والدليل على ذاك الضربات المتتالية على أوكرانيا التي تستهدف البنية التحتية، والتهديدات المتتالية باستعمال الأسلحة الجديدة مثل الصواريخ متوسطة المدى، عدا عن الممارسات التي تطيل أمد الحرب مثل استجلاب الجنود من كوريا الشمالية. هذه كلها بوادر خطيرة لكننا نأمل في النهاية أن تتخذ القيادة الروسية خطوات تؤكد رغبتها في إحلال السلام.

ومن جانب كييف فإن وقف إطلاق النار شرط أساسي، وأي اتفاق أوكراني لابد أن يأخذ في الاعتبار مصالح الولايات المتحدة وأوروبا، لأن أمن أوكرانيا من أمن أوروبا والأمن العالمي.


4. هل تتوقعون انسحاب روسيًا كاملا أو جزئيا من الأراضي الأوكرانية؟ 
 

لا نلمس أي تغيرات جدية في الموقف الروسي، روسيا لا تزال تصر على ضم 5 مناطق للاتحاد الروسي وهي دونيتسك، لوهانسك، زاباروجيا، خيرسون، وشبه جزيرة القرم، كما ترفض روسيا سحب القوات حتى من الأراضي التي تحت سيطرة الحكومة الأوكرانية.

وعلاوة على ذلك فإن روسيا تطلب نزع السلاح من الجيش الأوكراني وتقليص عدد جنوده، ولديهم متطلبات أخرى تمس سيادة أوكرانيا، لكن كييف لديها خطوط حمراء، إذ أننا لن نوافق على الاعتراف بتبعية الأراضي الأوكرانية المحتلة للاتحاد الروسي، بما يخالف بذلك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولن نقبل بأي مساس بسيادة الدولة، ولن نوافق بأي شروط متعلقة بهوية الشعب الأوكراني، المهتم بالدرجة الأولى بإحلال السلام الشامل والعادل والمستدام، بما يضمن لنا عدم تكرار الحرب في المستقبل.

 

4. ما الذي دفع الرئيس زيلينسكي لقبول اتفاقية المعادن رغم رفضه السابق؟
 

فكرة اتفاقية المعادن مع الولايات المتحدة، طرحت من قبل الرئيس فولدمير زيلينسكي، لكن الصيغة الأمريكية الأولية كانت غير مناسبة وغير عادلة بالنسبة لأوكرانيا، إذ كانت تتطلب اعترافا أوكرنيا بدين قدره 350 مليار دولار بالإضافة إلى شروط أخرى غير مقبولة.

لذلك أجرى الطرفين الأمريكي والأوكراني عددا من جولات المباحثات، وفي النهاية تم التوصل إلى الصيغة المقبولة للطرفين، إذا لم تتضمن الصيغة النهائية أي إشارة لوجود ديون على أوكرانيا.

كما تم الاتفاق على تأسيس الصندوق الاستثماري الأوكراني-الأمريكي المشترك بما يضمن حقوق الطرفين، والهدف الرئيسي للصندوق إعادة إعمار أوكرانيا في فترة ما بعد الحرب، لذلك فإن الصيغة النهائية لاتفاقية المعادن عادلة ومقبولة من الطرف الأوكراني والأمريكي، وصادق عليها البرلمان الأوكراني مؤخرًا، وهي اتفاقية تهيئ الظروف المناسبة لتفعيل الدور الأمريكي في إعادة إعمار أوكرانيا وتكثيف الجهود الأمريكية لإحلال السلام في أوكرانيا.

لذلك لم يكن هناك أي تنازلات، لكن تم التوصل إلى حل وسط، والتنازلات تتم في إطار محدود بما لا يخالف القانون الدولي وبما لا يخالف الدستور الأوكراني والدستور الأمريكي، وما عدا ذلك فهو غير مقبول.
 

5. كيف تصفون مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية بين أوكرانيا ومصر في الوقت الراهن؟
 

العلاقات المصرية الأوكرانية لم تنقطع حتى مع وقوع الحرب، ونحن نحتفظ بحوار دبلوماسي على جميع المستويات، وتم عقد العديد من الاتصالات الهاتفية بين الرئيسين المصري والأوكراني، والحوار مستمر على مستوى وزراء الخارجية وهناك اتصالات منتظمة بين الوزيرين.

وفي أكتوبر الماضي، زار وزير الخارجية الأوكراني القاهرة، والتقى مع عديد المسؤولين المصريين، وتحقيقا للاتفاقيات التي أبرمها وزير الخارجية، زار وزير الزراعة الأوكراني مصر في مارس الماضي وأجرى سلسلة مقابلات وحضر منتدى رجال الأعمال الأوكراني المصري.

واستفادة من الموقع الاستراتيجي لمصر حيث تستضيف القاهرة العديد من المنظمات الدولية، عقد وزير الزراعة الأوكراني لقاء مع المدير العام لمنظمة التنمية الزراعية وتركز اللقاء على دور أوكرانيا كدولة ضامنة لأمن الغذاء عالميا وإقليميا.


6. رغم ظروف الحرب استمرت أوكرانيا في تصدير القمح لمصر.. كيف نجح البلدان في الحفاظ على هذا التعاون الحيوي؟


تزويد مصر بالحبوب الغذائية الأوكرانية استمر حتى في ظل الحرب ولم تنقطع الشحنات التجارية الأوكرانية، وقبل الحرب في عام 2021، كان حجم الصادرات إلى مصر 2 مليار و2 مليون دولار، من القمح والذرة والصويا وزيت عباد الشمس، لكن في السنة الأولى من الحرب أصيبت التجارة الثنائية بخسائر كبيرة نظرا لمحاصرة الموانئ الأوكرانية.

لذلك تراجع حجم التبادل التجاري ثلاث أضعاف ما قبل الحرب وسجل 8 مليون دولار، ولكن فيما بعد نتيجة جهود القوات الأوكرانية وإنشاء الممر الآمن لتصدير الحبوب، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى مليار و800 مليون دولار.

جاء ذلك بإجمالي 5 مليون 600 ألف طن من الحبوب الغذائية وهذا بلا شك مهم لتلبية الاحتياجات المصرية، ونحن مهتمون بزيادة التعاون مع مصر ليس في مجال تصدير القمح إلى مصر، وهناك خطط لتأسيس المركز اللوجستي الأوكراني المصري بمشاركة أطراف ثالثة لتلبية الاحتياجات المصرية والرد على الاحتياجات في الأمن الغذائي في القرن الأفريقي والشرق الأوسط.


7. ما تقييمكم للدور الإقليمي الذي تلعبه مصر في قضايا محورية مثل غزة، السودان، وليبيا، من وجهة نظر أوكرانية؟


أوكرانيا كانت ولا تزال تنظر إلى مصر، باعتبارها دولة رائدة وركيزة أساسية لحفظ السلام والاستقرار ليس في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية فقط، ونحن نقدر عاليا دور القيادة المصرية والشعب المصري في القضية الفلسطينية، التي تكتسب في الوقت الحاضر أهمية خاصة نظرا للأحداث الجارية في غزة.

والموقف المصري يدعو لوقف فوري لإطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينية، ولقيام الدولة الفلسطينية، وهذا موقف مرحب به في أوكرانيا، وكييف تشارك المبادئ الرئيسية التي تنطلق منها مصر بخصوص دعم القضية الفلسطينية، وكذلك نرحب بالدور المصري الداعم للاستقرار في السودان وليبيا.

8. هل تقدم أوكرانيا مستقبلا على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة؟

لدينا سفارة فلسطينية في كييف تعمل في كييف منذ عام 1994 وهناك مكتب تمثيل دبلوماسي في رام الله منذ سنوات، وأوكرانيا وفلسطين تربطهم علاقات مميزة وهناك الكثير من الطلبة الفلسطينيين تخرجوا من الكليات والجامعات الأوكرانية حتى في زمن الاتحاد السوفيتي.

كما أن هناك أسر فلسطينية أوكرانية، وهذه فرصة لشكر الحكومة المصرية على مساعدتها في إجلاء المئات من أفراد العائلات الأوكرانية الفلسطينية، والذين سقط شهداء منهم في حرب غزة.

ورغم أن الدولة الفلسطينية لم يتم تأسيسها بعد وفق القانون الدولي لكن نحن نعترف بالشعب الفلسطيني وحقوقه وتطلعاته لإقامة الدولة المستقلة، وكما أخبرتكم لدينا سفارة فلسطينية تعمل منذ عقود في كييف وهذا دليل على اعترافنا بالشعب الفلسطيني، وبالمناسبة الرئيس الأوكراني الأسبق زار رام الله، ونحن نحتفظ بالعلاقات السياسية والدبلوماسية مع القيادة الفلسطينية.



9. هل تسعى أوكرانيا لوضع استراتيجية جديدة لتعزيز علاقاتها مع العالم العربي وأفريقيا؟

نحن ندرك أهمية العالم العربي والقارة الأفريقية، وفي السنوات الأخيرة أوكرانيا باتت تتخذ خطوات ملموسة لتعزيز التعاون مع دول القارة الأفريقية، على سبيل المثال شهد العام الماضي.

ورغم الظروف الصعبة التي تشهدها أوكرانيا بما في ذلك الأوضاع المالية، افتتاح عدد من الممثليات الدبلوماسية الأوكرانية في عدد من الدول العربية والإفريقية من بينها سفارة في سلطنة عمان وفي موريتانيا، وبوتسوانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا ورواندا ودول أخرى، وهذه إشارة قوية للاهتمام الأوكراني بقارة تكتسب أهمية خاص على الخريطة السياسية والاقتصادية.


10. كم يبلغ عدد الأوكرانيين المقيمين في مصر حاليًا؟ وما نوع الخدمات التي تقدمها لهم السفارة؟

عدد الأوكرانيين في مصر ليس كبيرًا، ويقدر بحوالي 8:6 آلاف أوكراني مقيم في مصر، وبحسب إحصائيات عام 2021 قبل الحرب كان عدد السياح الأوكرانيين مليون و600 ألف، لكن الحرب أثرت على عدد السياح في السنوات اللاحقة، وفي عام 2024 بلغ عدد السياح الأوكرانيين 300 ألف.

وبشكل عام تكتسب مصر لدى الأوكرانيين سمعة طيبة بأنها دولة سلام واستقرار، لذلك العديد من الأوكرانيين يقررون شراء عقارات في المناطق السياحية المصرية خصوصًا شرم الشيخ والغردقة بجانب العاصمة القاهرة. وهناك عدد كبير من العائلات الأوكرانية المصرية في مصر، يتحدثون بلغة البلدين، نحن نعتبرهم حلقة الوصل بين الشعب الأوكراني والمصري.

وتقدم سفارتنا خدمات التوثيق للأوكرانيين وإصدار جوازات السفر والتصديق على الأوراق الرسمية والخدمات الأخرى، بجانب تقديم الحماية القانونية للجالية الأوكرانية لحماية حقوقهم بدون خرق للقانون المصري.


11. هل لديكم تواصل مع الجالية المصرية في أوكرانيا؟ وكيف تأثر وضعهم بالحرب المستمرة؟

الحرب أثرت على الجالية المصرية في أوكرانيا كما الشعب الأوكراني، وقبل الحرب كانت أوكرانيا جهة معتبرة للطلبة المصريين للدراسة في المؤسسات التعليمية، وفي 2021 كان عدد الطلاب المصريين يزيد عن 6 آلاف طالب في الجامعات المختلفة.

وعندما اندلعت الحرب غادر الأغلبية الساحقة منهم أوكرانيا، وتم تقديم كافة المساعدات من الجهات المختصة الأوكرانية لهم بما في ذلك وزارة الخارجية، والجالية المصرية لا تقتصر على الطلبة فقط ولكن بينهم رجال أعمال وصحفيين وأطباء وصيادلة. ورجال الأعمال المصريين لديهم دور كبير في الحفاظ على التبادل التجاري بين أوكرانيا ومصري.


12. أخيرًا، ما الرسالة التي تودون توجيهها من قلب القاهرة إلى الشعوب العربية بشأن ما يحدث في أوكرانيا؟

 

رسالتنا هي السلام، في أوكرانيا والعالم أجمع، نظرا للظروف الصعبة التي يمر بها العالم بسبب الحروب، وكما في أوكرانيا فإن الشعب المصري أيضا مر بفترات حروب، لذلك ندرك جميعا أن السلام يجب أن يكون عادلا وشاملا ومستدامًا لضمان المستقبل اللائق للأجيال القادمة، لذلك أنا لا أتصور مستقبل أجيالنا سواء في أوكرانيا أو مصر أو ليبيا أو السودان أو سوريا أو غزة دون تحقيق السلام الشامل. رسالتنا هي السلام للجميع..

___

نشرت نسخة من الحوار في العدد الصادر للجريدة يوم الثلاثاء 27 مايو 2025

تم نسخ الرابط