بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

محمد أبو العيون يكتب: الشرق الأوسط الجديد.. هل تنجح إسرائيل في إسقاط النظام الإيراني؟

بلدنا اليوم

في خطابه قبل الأخير، قال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي المحتل، بنيامين نتنياهو، موجّهًا حديثه إلى الشعب الإيراني: «إذا عملنا بطريقة صحيحة يمكن أن نصل إلى تغيير كبير في إيران.. العمليات العسكرية الإسرائيلية تُمهّد الطريق أمامكم لتحقيق حريتكم، والتخلص من نظام شرير وقمعي». التغيير الذي يقصده نتنياهو، هو «هدف إسرائيل بعيد المدى» المتمثّل في إسقاط النظام الإيراني الحالي إما بالانقلاب الداخلي عليه أو إسقاطه بالقوة، والمجيء بنظام جديد يكون استنساخًا للتجربة السورية.

نتنياهو، لم ينكر أن هدف إسرائيل بعيد المدى من وراء هذه الحرب، هو السعي إلى إسقاط النظام الإيراني الحالي؛ بل أكّده قائلًا: «قمنا بتصفية القيادة الأمنية الإيرانية، بمن فيهم ثلاثة رؤساء أركان، وقائد سلاحهم الجوي، وقائدان للاستخبارات.. نعمل على القضاء عليهم واحدًا واحدًا»، كاشفًا في تصريحات لشبكة «إيه بي سي نيوز» الأمريكية عن الخطوة الأخيرة التي ستُقدِم عليها إسرائيل قبل الإعلان رسميًّا عن إسقاط النظام الإيراني، وهي التي عبر عنها بقوله: «إن اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي سينهي الصراع مع إيران».

ومن خلال قراءة تصريحات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي المحتل، وتحليل المؤشرات التي تعكسها الأحداث الجارية في الداخل الإيراني، وتتبع أهداف الضربات الإسرائيلية، وكيف أنها موجهة بدقة لتصفية القيادات البارزة في النظام الإيراني الحالي؛ يتأكد لنا أن الهجمات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد إيران منذ فجر الجمعة 13 يونيو 2025 -والتي تسببت في اشعال فتيل الحرب بين الجانبين- لم يكن هدفها تدمير البرنامج النووي الإيراني، أو القضاء على قدرة طهران لإنتاج الصواريخ الباليستية؛ بل إن الهدف الحقيقي وراء هذه الحرب هو إسقاط النظام الإيراني الحالي، والمجيء بنظام موالٍ للكيان الصهيوني المحتل، في خطوة تُمكّن إسرائيل من استكمال تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد.

وبالرغم من أن هناك العديد من الأسماء المتداولة، التي يُرجِّح المهتمون بالشأن الإيراني تجهيزهم لخلافة نظام المرشد؛ فإنني أريد أن أتوقف عند نجل شاه إيران، الأمير رضا محمد رضا بهلوي، الذي عاد اسمه ليتصدر وسائل الإعلام المحلية والعالمية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلة الإيرانية؛ إذ إنه الأكثر تلقيًا للدعم الأمريكو/ صهيوني، ومن ثَمَّ فهو الأقرب لتولي حكم إيران في حال نجاح المخطط الصهيوني للإطاحة بالنظام الإيراني الحالي.

خطة التجهيز الأمريكو/ صهيونية (المدعومة من بعض الحلفاء الإقليميين)، للأمير رضا بهلوي -المُقيم في أمريكا منذ قرابة خمسة عقود-، ليست وليدة اللحظة، كما أن اختيار الرجل لتولي حكم إيران لم يأتِ من قبيل المصادفة؛ بل إن خطة تجهيزه لهذه المهمة بدأت منذ سنوات، تزامنًا مع خطة تجهيز أبي محمد الجولاني، وتمكينه من الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومن ثَمَّ الوصول إلى سدّة الحكم في سوريا.

خطة التجهيز المُشار إليها تجعل من جميع القيادات الجديدة التي تتولى حكم بلد عربي وإسلامي بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في مخطط الشرق الأوسط الجديد «نسخًا متشابهة»، مهما اختلفت الأيديولوجية؛ إذ لا فرق في هذا بين الأمير رضا بهلوي، وأبي محمد الجولاني -الذي تغير اسمه إلى «أحمد الشرع» بعد توليه حكم سوريا- أو غيرهما؛ فالمشتركات التي تجمع هؤلاء القيادات كثيرة، وفي مقدمتها تنفيذ مخطط التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، والدخول تحت مظلة الاتفاقيات الإبراهيمية (اتفاق أبراهام)، وهي اتفاقيات التطبيع الساخنة التي وقعتها دول: الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والمغرب، مع الكيان الصهيوني المحتل، خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبالتحديد في عام 2020، ثم وقعت عليها في العام الحالي (2025) سوريا، ودولٌ عربية أخرى لم يُعلَن عنها حتى الآن، وتعمل هذه الاتفاقيات على إحداث تطبيع رسمي وشعبي على جميع المستويات: الأمنية والثقافية والاقتصادية والأكاديمية والسياحية والاجتماعية، والاعتراف بإسرائيل دولةَ جوار شرعي، وليست كيانًا محتلًّا، لها جميع الحقوق التي تتمتع بها دول المنطقة.

والدخول تحت مظلة الاتفاقيات الإبراهيمية شرطٌ رئيسٌ من شروط اختيار الشخصيات الجديدة التي يجري تجهيزها لتولي حكم الدول العربية والإسلامية، بعد أن تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما على إسقاط الأنظمة الشرعية في هذه الدول بالقوة، ثم تمكين الحلفاء الجدد الذين جرى تجهيزهم بعناية. وقد وقع نجل الشاه الإيراني (ضمنيًّا وليس رسميًّا) على اتفاق أبراهام قبل أن يُمكَّن من الجلوس على عرش إيران، وذلك حين وافق على زواج ابنته «إيمان بهلوي» من رجل الأعمال الأمريكي برادلي شيرمان، اليهودي الديانة، وقد حُرر عقد الزواج مدنيًّا، لأن الإسلام يمنع زواج المرأة المسلمة من رجل غير مسلم؛ إلا أن الدين الإبراهيمي الجديد الذي ينبسق من اتفاق أبراهام يُبيح بل يُشجع على زواج المسلمة من غير المسلم.

هذا الزواج أحد أهم أسباب دعم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لنجل الشاه الإيراني، ودفعه لتولي حكم طهران؛ لأنه في حال وصوله للحكم سيكون أول حاكم مسلم يطبق تعاليم الدين الإبراهيمي على أرض الواقع، ناهيك عن خضوعه لكل الإملاءات الأمريكو/ صهيونية، التي يأتي في مقدمتها تدمير قدرات إيران النووية، والقضاء على برنامج تصنيع الصواريخ الباليستية، وتوقيع عقود تُمكّن واشنطن وتل أبيب من الاستيلاء على النفط الإيراني وجميع ثروات ومقدرات الدولة، في خطوات تُمهد لتقسيم إيران، مثلما سيحدث في سوريا.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيقف النظام الإيراني الحالي عاجزًا أمام مخطط الإطاحة به؟ فمن البديهي أن مخطط إسقاط نظام، والمجيء بنظام جديد، يتوقف نجاحه في المقام الأول على «النظام الحالي» ومدى قدرته على الصمود، والنجاح في الرد عسكريًّا بالحد الذي يُمثل نوعًا من الردع الذي يُجبر الأمريكان والصهاينة على التوقف عن التدخل السافر في شؤون الدول، وتغيير أنظمتها بالقوة، وكل هذا يحتاج قبل أي شيء إلى تماسك الجبهة الداخلية ووقوف الشعب صفًّا واحدًا خلف قيادته. وكما نرى فالجبهة الإيرانية الداخلية مهترئة للحد الذي جعل الكيان الصهيوني ينفذ العديد من عمليات اغتيال كبار القادة العسكريين وعدد من أنبغ العقول العلمية في مجال الطاقة النوووية داخل طهران في ظل فشل ذريع لأجهزة الاستخبارات الإيرانية.

وهناك مؤشر آخر أكثر أهمية مما سبق، وهو نزوح آلاف الإيرانيين فجر الثلاثاء 17 يونيو الجاري، من العاصمة طهران لمجرد تغريدة كتبها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على حسابه الرسمي بموقع التغريدات القصيرة، طلب منهم فيها مغادرة العاصمة، وهي مؤشرات تعكس أولًا: فشل النظام الإيراني في إحكام سيطرته على الجبهة الداخلية، وثانيًا: فقدان الشعب الإيراني الثقة بالنظام الحاكم، ومن ثَم التخلي عن دعمه شعبيًّا، وكل هذه المؤشرات تجعلنا نؤكد أننا أمام سيناريو يشبه ذلك الذي حدث في العراق عام 2003.
 

تم نسخ الرابط