وليد إبراهيم: بغداد تراقب بقلق التصعيد بين إيران وإسرائيل.. والخطر قد يكمن في الداخل| حوار

تزداد المخاوف من تداعيات الحرب الخطيرة وانعكاساتها المحتملة على العراق، خصيصاً من انتهاك إسرائيل وإيران على حد سواء للأجواء العراقية واحتمالات تورط فصائل عراقية موالية لطهران في الصراع بين الطرفين.
في هذا السياق، تُجري «بلدنا اليوم» حوارًا خاصًا مع الكاتب الصحفي العراقي وليد إبراهيم، للوقوف على طبيعة التهديدات المحتملة، وانعكاسات الصراع الإيراني - الإسرائيلي على الساحة العراقية، وخيارات بغداد لتجنّب الانزلاق إلى قلب العاصفة، وفيما يلي نص الحوار:
كيف تنعكس هذه التطورات على مستقبل السيادة العراقية في ظل تصاعد النفوذ الإقليمي داخل أراضيه؟
لا شك ان الوضع العراقي يعيش حالة ترقب وقلق كبيرين من أي تداعيات محتملة يمكن أن تنشأ جراء هذه الحرب المتصاعدة والمواجهة بين ايران واسرائيل والتي تشير كل الموشرات أنها ستكون مفتوحة ومتصاعدة.
بداية، لا يمكن أن ننسى أن الوضع في العراق قد مر قبل بضع سنوات بسيناريو مشابه وكاد ينزلق إلى مواجهة مسلحة وتحديدا في العام ٢٠٢٠ بين فصائل عراقية مسلحة مقربة من ايران والقوات الأمريكية على خلفية اغتيال قائد فيلق القدس الايراني السابق قاسم سليماني ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية بطائرة مسيرة أمريكية قرب مطار بغداد انذاك.
ولولا الجهود الكبيرة التي بذلتها انذاك السلطات العراقية ومعها اطراف سياسية داخلية وخارجية، نجحت هذه الجهود من تهدئة الموقف الذي كاد يتفجر، خاصة عندما قدم متظاهرون غاضبون اغلبهم موالون للفصائل المسلحة والحشد الشعبي بحرق جزئي لمبنى السفارة الأمريكية في بغداد انذاك، اليوم يعود ذلك السيناريو مرة اخرى وان كان بشكل مختلف لكنه بالمحصلة لا يختلف كثيرا في تسببه بسخونة الوضع ودفعه نحو اتجاهات، لا نبالغ إن قلنا انها أوصلته إلى حافة الهاوية.
الجميع يراقب عن كثب مايجري خلف حدود العراق سواء الشرقية (وتحديدا داخل ايران)، أو الغربية (داخل اسرائيل) الجميع يتفاعل مع ما يجري ويكاد الموقف العراقي منقسما على نفسه بين طرفين، طرف يقف داعما لايران ويعارض اي فعل اسرائيلي ضد ايران؛ عسكريا كان او سياسيا.
ويمكن القول إن هذا الطرف يمكن ان يذهب لنهاية المطاف في موقفه، ويقيني انه يقف مستعدا للانخراط في لحظة ما باي عمل يمكن ان يشكل دعما لايران حتى وان كان عملا مسلحا، بغض النظر عن طبيعة هذا الدور وتوقيته ومكانه.
وآخر يعتقد ان هذه المواجهة لا ناقة للعراق فيها ولا جمل ولا يفترض ان يتورط العراق بها باي شكل وان الحكمة تقتضي أن يبقى العراق بعيدا عنها باي شكل، لان التورط بها سيكلف العراق أثمانا باهضة قد لا يتمكن العراق من مواجهتها ومواجهة تداعياتها على المستوى الداخلي والإقليمي وحتى الدولي، خاصة وان العراق قد بدأ موخرا باستعادة انفاسه ونجحت الحكومة من فرض واقعا امنياً يمكن وصفه بانه مستقراً، ساعد كثيرا هذا الواقع في احداث نوع من المعافاة بالوضع العراقي.
في كلا الحالتين فإن الوضع العراقي يعيش حالة ترقب كبيرة وفيها يضع كثيرون أيديهم على قلوبهم خوفا من تداعيات ما يجري خلف الحدود العراقية والخشية كبيرة من اي احتمال يمكن ان يتسبب في توسعة نطاق هذه الحرب لان هذا معناه ان العراق سيكون لا محالة احدى المساحات الجغرافية المحتملة لهذه التداعيات ما يزيد من هذا التخوف هو قرار واشنطن سحب رعاياها العاملين في سفارتها في بغداد قبل يوم من اندلاع هذه المواجهة ورغم أن هذا القرار يمكن النظر اليه على انه تطور طبيعي عادة ما تلجأ إليه الإدارة الأمريكية لمواجهة تطورات أمنية غير مستقرة في اي بلد وبالتالي فان مشروعية هكذا قرار هو كما قلت تطور طبيعي لحماية رعاياها الدبلوماسيين، لكن هناك من ينظر إلى هذا القرار بانه قراءة أمريكية مسبقة لتداعيات ما سيحدث على الأرض العراقية.
وهذا احتمال يبقى قائما خاصة مع استمرار هذه المواجهة وتصاعدها بشكل مقلق وهو تطور يفتح آفاق هذه الصراعات على كل الاحتمالات.
إلى أي مدى يمكن أن يتحول العراق إلى ساحة تصفية حسابات بين طهران وتل أبيب؟ وهل من أطراف داخلية قد تستثمر في هذا التصعيد لمصالحها الخاصة؟
تماسك الوضع العراقي حاليا، هو أمر لا يمكن نكرانه. فقد نجحت الحكومة موخرا من تعزيز سيطرتها على الوضع الداخلي.
لكن السؤال هل سيبقى هذا التماسك قائما وسيبقى قويا بما يكفي لمواجهة أي تداعيات؟
أعتقد أن الوضع العراقي قد لا يبقى متماسكا بنفس القوة التي عليها الان وانه يمكن ان يواجه انتكاسة في أي لحظة على خلفية هذه المواجهة ما يزيد من حالة القلق هو الموقف الذي أعلنته في اليومين الماضيين فصائل مسلحة عراقية والتي عبرت عن موقفا معارضا للهجوم الذي شنته إسرائيل ضد إيران.
كما أن هذه المواقف تدفع إلى القول ان الفصائل التي تربطها بايران علاقة ايدلوجية دينية مذهبية ويدين بعضها بالولاء لايران بشكل علني، لن تقف مكتوفة اليدين ازاء تصاعد المواجهة خاصة إذا تدخلت القوات الأمريكية لصالح اسرائيل لتكون طرفا مباشرا في الحرب هذا النزاع ضد ايران. وهو احتمال سيبقى قائما وممكن ان يحدث في اي لحظة. فامريكا لم تسمح لنفسها ان تقف موقف المتفرج وهي ترى ايران تلحق ضررا كبيرا بربيبتها اسرائيل.
ما يعزز من هذا القول هو التصريحات السياسية التي اطلقتها احزاب وشخصيات، تحدث اصحابها بصوت مرتفع مؤكدين ان لا حياد في هذه المواجهة، بل ان بعضهم وصف اي حديث عن الحياد في هذه المواجهة هو خيانة، وهذه المواقف تنذر بتصعيد خطير للمواقف ويضع الحكومة العراقية امام تحديات كبيرة.
وبعض هذه الفصائل اعلن صراحة قبل انطلاق هذه المواجهة ان اي هجوم اسرائيلي او أمريكي على ايران يعني ان المصالح الأمريكية ستكون هدفا لهذه الفصائل سواء داخل العراق او خارجه.
صحيح ان هذه الفصائل لم تنخرط حتى الآن بشكل علني، لكن هذا الموقف قد لا يستمر طويلا والانخراط بالعمل المسلح يبقى احتمالا قائما وقابلا للتنفيذ في اي لحظة خاصة إذا استمرت هذه المواجهة، وهو ما يدعم هذا القول هو الموقف المعلن الذي أبدته بعض قيادات هذه الفصائل التي وصفت الهجوم الاسرائيلي ضد ايران بانه جريمة وطالبت بضرورة معاقبة إسرائيل وأمريكا على هذه "الجريمة"
بالمقابل دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعا قبل يومين بضرورة ابقاء الارض العراقية بعيدة عن هذه الحرب. وقال ان العراق وشعبه ليس بحاجة إلى حرب جديدة، وطالب إلى ماوصفها "كتم الأصوات الفردية الوقحة (التي تريد زج العراقي في هذه الحرب) والإصغاء إلى صوت الحكمة لتجنب الحرب. "
هذه المواقف المتناقضة والمتضادة تدفع كثيرا إلى القلق بان الوضع العراقي ممكن ان يشهد انتكاسا خطيرا على خلفية مايجري اقتصاديا؛ فان العراق سيتأثر كثيرا بهذه المواجهة، فالعراق يعتمد كثيرا على سد حاجته الداخلية لكثير من المواد الإنسانية والطبية والغذائية على ايران. تشير الأرقام ان التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى مايقارب العشرين مليار دولار سنويا.
ليس هذا فقط؛ فالعراق يعتمد كثيرا على ايران في شراء الطاقة الكهربائية إضافة إلى شراء الغاز الإيراني لتشغيل العديد من محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية.
ومع إعلان إسرائيل استهدافه لحقول الغاز في ايران فان احتمال توقف ايران بتزويد العراق بما يحتاجه من غاز سيكون مهددا وقد يتوقف في اي لحظة، وهذا بحد ذاته سيكون تطورا خطيرا للعراق خاصة في هذا التوقيت حيث تصل درجات الحرارة إلى خمسين درجة مئوية، وحيث لا يمتلك العراق بدائل وخطط بديلة غير الغاز الإيراني حيث يدفع العراق لايران مايقارب خمسة مليارات دولار لقاء شراء الغاز الطبيعي.
كيف يمكن للعراق ان يوظف علاقاته المتوازنة اقليميا سواء معرايوان او الولايات المتحدة لتفادي الانجرار إلى اي من طرفي النزاع؟
لا خيار أمام حكومة بغداد سوى العمل من اجل اقناع طرفي النزاع على تفهم الموقف الداخلي العراقي وإقناعهم بإبقاء العراق والساحة العراقية بعيدة عن اي صراع مستقبلي محتمل، وهذا بحد ذاته سيكون تحديا كبيرا لحكومة بغداد.
والتحدي يمكن أيضا في كيفية السيطرة على الفصائل العراقية وإقناعها أو إرغامها بعدم الانخراط باي عمل مسلح يمكن ان يشكل استفزازا أمريكيا او إسرائيليا يدفع احدهما او كليهما إلى الرد. وهذا التطور سيكون في حالة حدوثه بمثابة إيذان بدخول "العراق غير الرسمي" مواجهة لا أحد يعرف كيف ستنتهي وستحرج كثيرا العراق الرسمي، دبلوماسيا؛ بامكان الحكومة العراقية ان تلعب دورا مهما في تهدئة الوضع وربما ايجاد حلول لهذه الأزمة خاصة وان حكومة بغداد تملك علاقات طيبة مع طهران وواشنطن .
لكن السؤال هو هل ان اطراف النزاع مستعدة لتقبل هكذا دور في هذا التوقيت؟
أعتقد أن طرفي الأزمة غير مستعدان الان للاستماع إلى دعوات الجلوس إلى طاولة الحوار والتعاطي معها بايجابية، وهذا الوضع قد يستمر لفترة قادمة قد تستمر أياما وربما أسابيع. وهذا بحد ذاته سيبقى سيناريو مقلق لانه يعني ان مسارات هذه المواجهة قد تاخذ منحى آخر اكثر خطورة من المنحى الذي تتخده حاليا.
وعندما يقتنع طرفي الازمة ان الوقت قد حان للجلوس إلى طاولة المفاوضات، فان حكومة بغداد ستكون حاضرة للعب دور مهم في هذه المفاوضات.