من كوباني إلى الدويلعة... الإرهاب فكر، والفكر لا يموت.. بقلم: ليلى موسى

بالتزامن مع استذكار الذكرى الأليمة لمجزرة كوباني "ليلة الغدر"، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين العزل من نساء وأطفال ومسنين، عقب صلاة الفجر، وهم نيام في ديارهم أمنين بسلام، بعد مرور عقد من الزمن على هذه المجزرة والتي تحولت إلى وصمت عار على جبين الإنسانية، لما شاهدناه من تواطئ وتورط العديد من القوى والحكومات في دعم الإرهاب والتطرف، خدمة لمشاريعهم التوسعية ذاك الفكر وبنفس العقلية وقبل الذكرى السنوية لمجزرة كوباني بأيام، ارتكبت مجزرة بحق المصلين في حضرة الله في كنسية مار إلياس بالدويلعة.
كوباني التي رفعت راية السلام والانتصار على الإرهاب والتطرف، وهي الحقيقة وجوهر حقيقة الإنسانية والهوية السورية الرافضة للخنوع والاستسلام، وأن الحق لا يسقط ولا يضيق بالتقادم مادام هناك قلب واحد ينبض بالحياة ويناضل ويقاوم. ما حدث في الدويلة بعد عقدٍ من مجزرة كوباني، ما هو إلا تصديق للحقيقة التالية؛ وهي غياب العدالة والمسائلة والديمقراطية.
إرهابيو مجزرة كوباني
إرهابيو مجزرة كوباني وداعميهم طلقاء، إلى هذه اللحظة التي ارتكب فيه تفجير الكنيسة حينها تنصل المجتمع الدولي من مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية، وعمل على تغليب لغة المصالح على العدالة والمسائلة، حينها لو تم محاسبة الفاعلين والداعمين، لما كانت أحدث الساحل بحق العلويين ولا كان تفجير كنيسة الدويلعة بكل تأكيد. إلى الآن يتم التعامل مع ملف سجون ومخيمات تنظيم داعش وعوائلهم بالسبل العسكرية والأمنية في مواجهة الفكر الإرهابي، الذي جمعهم في هذه المخيمات. هذه السبل مجدية في البدايات فقط، أما المواجهة الحقيقية تكمن في طرح مشروع فكري بديل للمنظومة الذهنية المتطرفة الإرهابية.
استغلال الثورة السورية لأجندات سياسية بحتة بعيدة كل البعد عن مصالح ومطالب الشعب في الحرية والعدالة والديمقراطية. نفس العقلية الاستبدادية والاقصائية التي حولت سوريا إلى مرتع لجميع الإرهابيين، لا زالت تسرح وتمرح وتخطط في سوريا وكأنها حديقة خلفية لهذه الأطراف، التي كل همّها هو تحقيق أطماعهم التوسعية وأحلامهم الماضوية (في الخلافة) خارج الزمكان. وبكل تأكيد أن هذه الأطراف آخر ما تفكر به هو نصرة الشعب السوري. وكل ما يتم الترويج له ما هو إلا شعارات ديماغوجية وغوغائية، لا تمت للواقع بصلة. اليوم واستمراراً لنهج الاستبداد والاقصاء يبررون ويصرون على دمج هؤلاء الإرهابيين الأجانب الذين عاثوا في البلاد فساداً وخراباً، بأن يتم تكريمهم وذلك بتجنسيهم ومنحهم رتب في وزارة الدفاع وتأمين كل وسائل العيش الرغيد لهم ولعائلاتهم أيضاً. المشكلة الأساسية تكمن في البنية والمنهجية الفكرية والذهنية، لهؤلاء الجهاديين والإرهابيين، القائمة بالأساس على أحادية الفكر وإنكار الأخر. هذا الفكر مبني على أسس عقائدية واستراتيجية متينة، لا تسقط مع البراغماتية التكتيكية، بحيث تكون مرحلة العبور لأبعاد استراتيجية طويلة الأمد. وان هذا الفكر سرعان ما يفصح عن ذاته، لكون بنية هذه المنظومة الفكرية مبنية على ثنائية "مع أو ضد".
وبالتالي كل ما هو مختلف عنه فهو ضد ومباح هدر دمه. منظومة الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية تلك والتي اتخذت من القوموية أو الإسلاموية نهجاً، تؤدي إلى النتيجة ذاتها. هنا الفارق فقط ربما يكمن في عامل الزمن. الإسلامويين على اعتبار طروحاتهم خارج ظرفي الزمكان، نجدهم يسعون إلى حرق المراحل، وسرعان ما يتم الكشف عن نوياهم، وإن قدموها وغلفوها بوشاح البراغماتية والاعتدال. لأن بنية منظومتهم الذهنية في الأساس ترفض الآخر. على خلاف القوموية التي لديها ربما صبر استراتيجي للمراوغة والتلاعب بالمصطلحات والإحكام بالقبضة الأمنية مع منح هامش من الحريات الدينية مع تزويجها بالنزعة القومية في كثير من الأحيان.
عدم إعلان الحداد في سوريا ما هو سوى انعكاس للمنظومة العقائدية الممسكة بزمام الأمور في السلطة المؤقتة، والتي تعتبرهم "ضحايا عنف وليسوا شهداء". على الرغم من إعلان رئاسة الحكومة الانتقالية العزاء والتضامن مع الضحايا، إلا أن هذه المواقف الخجولة هي التي دفعت البطريارك "يوحنا العاشر" بأن يعلن "الحداد" ليس على ضحايا الكنسية إنما على "الحكومة"، في اشارة ضمنية إلى تورط الحكومة بشكل مباشر في الجريمة وعجزها في حماية المدنيين. أن سوريا بتنوعها الفسيفسائي بحاجة إلى حوكمة رشيدة تستوعب الجميع وتعبر عن الجميع دون اقصاء أو تهميش. هذه الأحداث وغيرها من مجازر الساحل وجرمانا، تؤكد لنا حقيقة ثابتة، بأن الإشكالية تتعلق ببنية نظام الحكم، والتي يجب تغييرها. وأن الثورة السورية دخلت مرحلة جديدة، إلا أنها لم تنتهِ، كما يروج لها، ما لم تتحقق العدالة والمسائلة والديمقراطية.
والتغيير لن يتم إلا عبر طرح منظومة فكرية تُحدث ثورة ذهنية ومجتمعية وأخلاقية قبل أن تكون سياسية وأمنية. وينبغي إعادة النظر في المفاهيم والمصطلحات والعمل على مراجعة نقدية لكل ما هو موجود، وإعادته إلى نصابه ومكانه الصحيح، حينها يمكننا القول بأن سوريا تستعيد عافيتها ودورها الطبيعي في محيطها الإقليمي والدولي. ولتحقيق ذلك على عجالة، ينبغي المباشرة بالتغيير الذي يبدأ من الداخل، عبر حوار سوري –سوري جاد وحقيقي، والخروج بمشروع وطني شامل جامع لكل السوريين بمختلف تكويناتهم القومية والدينية والمذهبية والطائفية، وبعيداً عن الوصاية والتدخلات الخارجية. والتي تسهم في الحفاظ على النسيج المجتمعي والسلم الأهلي. وكذلك رسم ملامح سوريا المستقبلية بإرادة سورية خالصة، تقضي على كل ما يمت بصلة لكل الأرضيات والحواضن، التي كان يتغذى منها الإرهابيين والإرهاب والتطرف.
لأنه من سوريا تبدأ مسيرة الأمن والاستقرار الدوليين، وهذه حقيقة لا تقبل الجدل. لكن في ظل ما يتم اشاعته من مقاربات وتنصل من الحقائق وتصدير أطروحات لا تعبر عن حقيقة وهوية سوريا، كل ذلك ما هو سوى اللعب على عامل الوقت، لفرض سياسة أمر الواقع. وبالتالي ستكون سوريا أمام فصل جديد من الاستبداد والديكتاتورية ومفرخة للإرهاب والتطرف اللذين تهددا الأمن الإقليمي والدولي وليست المحلي فقط.