بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

أوقاف أسيوط تنظم ندوة بعنوان “السَّلَامُ رِسَالَةُ الإِسْلَامِ”

"السلام رسالة الإسلام".. لقاء دعوي بمسجد الأمير سنان في ديروط بمحافظة أسيوط

أوقاف أسيوط
أوقاف أسيوط

شهد مسجد الأمير سنان بمدينة ديروط لقاءً دعويًا مباركًا، ألقته الواعظة الدكتورة شيماء صالح عبد الحميد، تحت عنوان عميق الدلالة، عذب اللفظ، رقيق المعنى: "السلام رسالة الإسلام".

جاء اللقاء، بتوجيهات الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، وبرعاية الشيخ محمد عبد اللطيف محمود مدير عام الدعوة والمراكز الثقافية بمديرية أوقاف أسيوط، وذلك في إطار السعي الجاد لترسيخ القيم الإسلامية السامية في نفوس الناس، وتفعيل دور المساجد كمراكز إشعاع علمي وروحي وثقافي.

وتناولت الواعظة الدكتورة شيماء صالح عبدالحميد درسها  بأسلوبٍ بليغٍ، وطرحٍ محكمٍ، يجمع بين صدق التوجيه، وجمال البيان، ورحابة الفكر، مؤكدة أن الإسلام ما جاء إلا ليكون رسالة رحمة، وصوتَ عدل، ودعوةَ أمنٍ وسلامٍ لكل الكائنات.

استهلت الدكتورة شيماء صالح عبدالحميد درسها بإن الإسلام لم يبدأ بكلمة "قاتلوا"، بل بدأ بكلمة "اقرأ"، وما نزل جبريل على النبي ﷺ إلا وهو مطمئنٌ بكلمات السلام من رب العالمين، ثم استقرت شريعته على أساسٍ من المودة والإحسان، والعدل والرحمة، والسكينة والطمأنينة. وكيف لا، والله تعالى يقول:{مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ}،فالمسلم إنما هو ابن السلام في اسمه، وسلوكه، ودينه، وتحيّته، وعبادته، بل في صلاته وسكونه وانصرافه منها.

سردت الواعظة الدكتورة شيماء بأسلوبها الرقيق كيف أن تحية الإسلام نفسها عنوان لهذا المنهج، إذ يبدأ المسلم يومه بتحية السلام، ويفتح بها المجالس، ويختم بها الصلوات، ويزرع بها في النفوس المودة، فيلقيها على من يعرف ومن لا يعرف، في سلوك حضاري فريد، قال ﷺ:«أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ»،ليكون السلام شعار المسلم، وكلمة السر في علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، وعهدًا ضمنيًّا بالأمان والمحبة.

وتأملت في ليلة القدر التي اختارها الله لإنزال الوحي، فوصفها بأنها ليلة سلام، فقال سبحانه:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ}،
فما من لحظةٍ في هذا الدين العظيم إلا ويغمرها السلام من أولها إلى آخرها.

ثم انتقلت إلى الحديث عن قواعد السلام في الشريعة، وكيف أن الإسلام لا يُلقي بالسلام عبثًا، بل يُؤسسه على قواعد العدل، ويربطه بالعهود والمواثيق، ويوجب الوفاء بها، فقالت ببلاغةٍ عميقة: "ليس السلام أن تستسلم للباطل، ولا أن تترك الحقوق تضيع، بل هو أن تنال حقك بعقلٍ راشد، وحكمةٍ متزنة، ومنهجٍ رباني لا يعتدي ولا يُفسد"، مستشهدةً بقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ}، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}،فهو سلمٌ شامل، لا يقبل أنصاف الحلول، ولا يسمح أن يكون السلام مجرد ورقة سياسية، بل هو التزامٌ ديني، ومنهج حياة.

وأشارت إلى أن هذا السلام ليس فقط بين الإنسان وأخيه الإنسان، بل هو أيضًا بينه وبين بيئته، بينه وبين الأرض، بينه وبين الحيوان، وبين كل ما أوجده الله في هذا الكون، فالرسول ﷺ نهى عن الإفساد، وحذّر من الضرر، وقال: «لا ضرر ولا ضرار»،أي لا تُفسد، ولا تردّ الفساد بالفساد، بل ازرع في الأرض خيرًا، وانزع منها الشر، وخذ بحقك دون أن تتحول إلى صورة من ظالمك.

وتألقت الواعظة في إبراز قيمة التضحية، مبينةً أن السلام لا يثبت إلا بالتضحية، وأن من أراد بناء مجتمع مستقر، فلا بد أن يبذل شيئًا من نفسه، أو ماله، أو وقته، وأن طريق السلام لا يمهده الكلام فقط، بل تشقه دموع المخلصين، وعرق المجتهدين، ودماء الشهداء الذين بذلوا أرواحهم ليعيش غيرهم آمنًا مطمئنًّا.

وبيّنت أن التضحية ليست ضعفًا، بل شجاعة راقية، ووعي عميق، وفهمٌ للحياة، وأنها مقام عالٍ لا يصل إليه إلا من باع دنياه ليشتري رضا الله. قالت: "إذا أردت أن تفهم معنى التضحية، اقرأ قول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ... وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}، فمن آثر الآخرة، ضحّى بكل ما هو دنيء من أجل ما هو عند الله خير وأبقى".

وفي لمسة وطني مليئه بالحب، استحضرت صورًا مشرقة من واقعنا، حيث ضحّى طيّار بحياته كي لا يصيب المدنيين، وسائق شهمٌ جاد بنفسه ليدفع كارثة عن المارة، وقالت: "هؤلاء هم أبناء مصر، الذين صدّقوا عهدهم مع الله، فكانوا مناراتٍ للأجيال، وأمثلةً حيةً لمعنى السلام الذي يُبنى على الفداء".

ثم ختمت اللقاء بدعاء  تضرّعت فيه إلى الله أن يحفظ البلاد، وينشر السلام في القلوب والبيوت والمجتمعات، وأن يجعل كل فرد في هذه الأمة شعلة نورٍ، وسفيرَ رحمة، وبذرة خير، وأملاً متجددًا في زمن امتلأ بالصخب والضجيج.

تم نسخ الرابط