بين الماضي والحاضر.. كيف كانت «سيزوستريس» حلقة الوصل بين النيل والبحرين

كانت فكرة ربط البحرين الأبيض والأحمر قديمة قدم الحياة التجارية علي أرض مصر، من ثم جاءت قناة سيزوستريس لتأكيد هذه الفكرة حيث تعتبر أول قناة مائية تربط بين البحرين عن طريق أحد فروع نهر النيل " الفرع البيلوزي".
أنشأت قناة سيزوستريس حوالي١٨٥٠ ق.م في عهد الملك سنوسرت الثالث خامس ملوك الأسرة الثانية عشرة "الدولة الوسطي"، حيث سميت بقناة سيزوسترس نسبة للتسمية الإغريقية للملك سنوسرت الثالث، حيث امتدت ذراعا القناة من الفرع البيلوزي من دلتا النيل بالقرب من مدينة باستت في الزقازيق، لتمر غربا بوادي الطميلات ثم تتجه جنوبا وتتصل بالبحيرات المرة، ومنها إلي خليج السويس عبر قناة كبريت، أدى ذلك إلي زيادة حركة التجارة بين مصر وبلاد بونت، وبين مصر وجزر البحر المتوسط "كريت وقبرص"، كما قام سنوسرت الثالث بحملات بحرية علي سواحل البحر الأحمر لتأمين القناة الجديدة من غزوات الآسيويين.
قناة سيزوستريس، التي تُعرف أحيانًا باسم قناة الفراعنة، هي قناة مائية يُعتقد أنها حُفرت في مصر القديمة خلال عهد الملك سنوسرت الثالث "حوالي 1878-1839 ق.م" من الأسرة الثانية عشرة في الدولة الوسطى، حيث كان الهدف منها ربط نهر النيل بالبحر الأحمر، مما يسمح بتسهيل التجارة والنقل البحري بين مصر ومناطق مثل بلاد بونت ومصر، ومع ذلك هناك نقاشات بين المؤرخين حول طبيعتها الدقيقة ومدى ارتباطها بقناة السويس الحديثة، ولا توجد نصوص مصرية مباشرة من عصر سنوسرت الثالث تؤكد حفر قناة بعينها تربط النيل بالبحر الأحمر، لكن هناك إشارات غير مباشرة، مثل كتابات في جزيرة سهيل تُشير إلى أعمال حفر قنوات لأغراض الري أو النقل.
كيف اعتمدت بلاد بونت علي تجارة النقل البري؟
نصوص من عهد حتشبسوت (الأسرة الثامنة عشرة) وبردية هاريس (من عهد رمسيس الثالث) تُظهر أن التجارة مع بلاد بونت كانت تعتمد في الغالب على النقل البري من النيل إلى البحر الأحمر، مما يشير إلى عدم وجود قناة دائمة تربط البحرين في تلك الفترات.
المؤرخون الإغريق والرومان:
هيرودوت (القرن الخامس ق.م) لم يربط قناة معينة بسنوسرت الثالث مباشرة، لكنه ذكر محاولات لاحقة لحفر قناة في عهد الملك نخاو الثاني (الأسرة السادسة والعشرون، حوالي 610 ق.م)، مشيرًا إلى أنها كانت تهدف لربط النيل بالبحر الأحمر،ومؤرخون لاحقون مثل ديودور الصقلي واسترابون نسبوا القناة إلى سنوسرت الثالث، وهذه الروايات جاءت بعد قرون من العصر الفرعوني.
وفي العهد الفارسي (حوالي 521 ق.م)، وثّق الملك داريوس الأول (دارا) إعادة حفر قناة تربط النيل بالبحر الأحمر، وهي موثقة باربع لوحات هيروغليفية وفارسية عُثر عليها فى مراحل القناة القديمة. هذه تعتبر أول وثيقة أثرية مؤكدة لوجود قناة وظيفية، بينما في العصر البطلمي (القرن الثالث ق.م)، أكمل بطليموس الثاني القناة، ممتدة من النيل إلى السويس (أرسناو)، مع تحسينات مثل أقفال مائية ( أهوسه) للتغلب على فروق الارتفاع.
بعد الفتح الإسلامي لمصر (642 م)، أعاد عمرو بن العاص حفر القناة تحت اسم "خليج أمير المؤمنين" لنقل الإمدادات إلى الحجاز. استمرت القناة تعمل لاكثر من قرن إلى أن أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردمها عام 767 م لمنع الإمدادات عن الثوار في مكة والمدينة.
النقاش حول القناة:
الاسم والتسمية: اسم "سيزوستريس" هو تسمية إغريقية لسنوسرت الثالث، وقد ربطها المؤرخون الإغريق بالقناة لإضفاء طابع أسطوري على إنجازاته، بعض الباحثين المعاصرين يرون أن هذا الربط قد يكون تعبيرًا عن القومية المصرية في العصر البطلمي.
المسار: القناة لم تكن تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر مباشرة كما تفعل قناة السويس الحديثة، بل كانت تمتد من فرع النيل البيلوزي (بالقرب من الزقازيق) عبر وادي الطميلات إلى البحيرات المرة، ثم إلى خليج السويس عبر امتداد يُسمى "قناة كبريت".
الغرض: كانت تهدف بشكل رئيسي إلى تعزيز التجارة البحرية، وليس بالضرورة ربط البحرين بشكل مباشر، هذا يفسر لماذا كانت تعتمد على النيل كجزء من مسارها.
الأدلة الأثرية: الأدلة المادية الحالية محدودة جدًا من العصر الفرعوني مقارنة بالعهود الفارسية والبطلمية، مما يجعل بعض الباحثين يشككون في وجود قناة فعلية في عهد سنوسرت الثالث، وهذا لا يعنى عدم وجودها وهذا يعزى لقلة المصادر الماديه الموثوقه.
الخلاصة:
المصادر التاريخية عن قناة سيزوستريس تتفاوت بين الروايات الإغريقية والرومانية التي تربطها بسنوسرت الثالث، والوثائق الفارسية والبطلمية التي تؤكد وجود قناة لاحقًا، والإشارات العربية عن إعادة استخدامها، بينما تُظهر هذه المصادر أهمية الفكرة المصرية القديمة لربط النيل بالبحر الأحمر.