من أجل عبوة لبن يتيمة.. إلى متى يدفع الرضع ثمن السوق الحر؟

على باب صيدلية بسيطة في إحدى حواري مدينة فيصل بمحافظة الجيزة، يقف ياسر وهو أب لطفل رضيع، يعمل سائق توكتوك، يضرب كفا بكف بعد أن تردد على أكثر من صيدلية بحثا عن علبة لبن نوعه خالٍ من اللاكتوز المخصص للأطفال الذين يحملون حساسية الألبان، إلا أنه وجده أخيرا ولكن سعره ارتفع 40 جنيها في أيام قليلة، "جايبها في نهاية الأسبوع اللي فات بـ349 جنيها النهاردة ترفع 40 جنيها مرة واحدة، معرفتش أجيبها، الواد هياكل أيه، دا طفل رضيع مالوش هياخد أيه غير لبن" في عجز تام يتمتم ياسر بهذه الكلمات لـ"بلدنا اليوم".
يعمل ياسر يوم كامل على التوكتوك بمعدل 16 ساعة، ليحصد بنهاية اليوم 200 جنيه فقط، يدخر منها 100 جنيه يوميا حتى يستطيع تجميع ثمن علبة اللبن لطفله، بينما يستمر سعر علبة اللبن في تصاعد، ويوميته كما هي: "100 جنيه بعيش بيها أنا ومراتي وبنتي 5 سنين، ربنا يتولى".
فيما أصبح لبن الأطفال سلعة نادرة وأيضاً في متناول من استطاع إليه سبيلا، الغذاء الوحيد للأطفال لم يعد متوافرًا بشكل كافٍ، وأيضاً في ارتفاع جنوني بشكل يرهق الأسر المصرية، ويضع حياة أطفالهم في مهم الريح بسبب الحلول البديلة التي قد تجبر عليها الأم بعد عجزها عن توفير الغذاء الذي لا بديل عنه لطفلها، فبعض الأمهات تجبر على تخفيف الحليب المبستر بالماء، لتسد جوع طفلها، وأخرى تضع في زجاجة حليبه مياه أرز، لعدم قدرتها على شراء أي نوع لبن غير علبة واحدة بشكل أسبوعي وهي لا تكفي نهائي لطفلها الذي يحتاج من 2 إلى 3 علب أسبوعيا.
تختفي علب اللبن من على الأرفف بلا مبرر، فمفتاح التحكم فقط بيد الوسطاء بين الشركات والصيدليات، حسبما يقول دكتور أحمد إسماعيل صاحب صيدلية في محافظة قنا، ويشير بيده على لُوب الأزمة التي تطيح بمنظومة الألبان الصناعية في مصر.
يؤكد الصيدلاني أحمد إسماعيل، أنه لا توجد تسعيرة رسمية وملزمة للبن الرضع ولا يوجد تنظيم نهائي لهذا الأمر، إذ ترتفع الأسعار طبقا للسوق الحر فترتفع في حالة زيادة الطلب عليها وتنخفض في فترة انخفاض الإقبال عليه، فالمتحكم في السوق هم أصحاب الربح وهم الشركات المستوردة للألبان، دون إلزام أو ضوابط منصرمة لهم.
وعن عدم توافر بعض أنواع الألبان بسهولة في الصيدليات، يوضح "إسماعيل" السبب هو الاستيراد، الذي جعل الأرقام في مكان آخر حسب ذكره، ما جعل هناك نقص في المعروض بالأسواق، وهوسبب رئيسي في الارتفاع الجنوني، مؤكداً اختفاء بعض الأنواع نهائي من الصيدليات، وهو ما يفتح الباب أمام السوق السوداء والتلاعب بالأسعار.
ويشير إلى أن وزارة الصحة رفعت يدها عن الرقابة على توزيع الألبان في الصيدليات، بعد أن كانت هناك "كوتة" محددة لكل صيدلية حد وصفه للوضع في تلك الفترة، مضيفاً أن الأمر أصبح عشوائياً ويعتمد على العلاقات مع الشركات.
ويكشف الدكتور إسماعيل عن أن المشكلة الكبرى وهي أن الألبان التي ترتفع أسعارها بشكل مستمر هي الألبان العلاجية التي لا غنى عنها للأطفال المصابين بالحساسية أو مشاكل في الهضم، وبالتالي لا يوجد بديل للأسر.
وخلال الآونة الأخيرة ارتفع سعر ألبان الأطفال الرضع، بنسبة تتخطى الـ20% لبعض الأنواع و30% للآخر، الأمر الذي تسبب في غضب عدد كبير من الأسر، بسبب شعور العجز لديهم من تلك الأزمة وعدم قدرتهم على توفير الغذاء الوحيد للرضيع.
"النهاردة بوفرها بطلوع الروح بكرة مش عارفة هجيبها من فين"، بهذه الكلمات تروي أنوارـ أم لرضيع ـ حكايتها مع توفير علبة لبن لطفلها الذي لم يكمل عامه الأول بعد، حيث تخطى سعرعلبة اللبن الـ400 جنيه، فكيف يمكن لخياطة ملابس أن توفرها وهي لا تسطيع أن تحصل على أكثر من 150 جنيها في اليوم، عقب جلوسها على مكينة الخياطة التي تتخطى الـ12 ساعة يومياً من أجل حياكة عدد قطع ليس بقليل ولكنها لا تحصل أكثر من بضعة جنيهات على كل قطعة، ما يجعل عملها شاق وغاية في الصعوبة، ولكنها تقطن في قرية صغيرة في محافظة القليوبية، فوضع أنوار لا يختلف عن باقي من حولها ي القرية لذلك لا تقدر على تحصيل مقابل يكفي لسد احتياجاتها حتى الأساسية.
في مطلع هذا العام، أصدر وزير الصحة والسكان دكتور خالد عبدالغفار، شروط مجحفة لتسليم ألبان الأطفال المدعمة، حيث قامت تلك الشروط باستثناء جميع السيدات من الحصول على الألبان، فقط يتم تسليم ألبان للسيدات مريضات السرطان والإيدز وأيضاً المتوفيات وأخيراً التوأم تحصل على لبن يكفي لطفل واحد فقط، الأمر الذي عصف بسوق الألبان التجارية، وقسم ظهور الأسر بسبب استغلال الشركات لهذا الأمر، ورفع الأٍسعار من عام 2024 بنسبة تتخطى 80% من سعرها سابقاً.