قناة السويس تصمد أمام التحديات.. والإصلاح الاقتصادي يحول الخسائر إلى فرص
خبراء: صلابة الاقتصاد المصري تحمي قناة السويس من أزمات البحر الأحمر

في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تطورات متلاحقة تزيد من حدة التوتر، كان آخرها المناورات الإسرائيلية في البحر الأحمر وما تحمله من تهديد مباشر لحركة الملاحة الدولية وسلاسل الإمداد عبر قناة السويس، ويؤكد خبراء اقتصاد أن مصر استطاعت بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادي أن تحول التحديات إلى فرص، وأن تعبر بأمان مطبات سياسية واقتصادية كانت كفيلة بتهديد استقرار أي دولة في المنطقة، مؤكدين أن صلابة الاقتصاد المصري اليوم تمثل حصناً منيعاً يحمي البلاد من ارتدادات الأزمات الإقليمية، ويمنحها القدرة على المضي قدماً في مسار النمو والتنمية المستدامة
وفي هذا التقرير تستعرض بلدنا اليوم مع خبراء الاقتصاد والنقل كيف استطاعت الحكومة المصرية أن تحصن اقتصادها وتؤمن استقرارها بفضل برنامج إصلاحي جريء بدأ مع انطلاق الجمهورية الجديدة.
تنويع مصادر الدخل ساعد على امتصاص الصدمات
في البداية أكد الدكتور ياسر حسين، الخبير الاقتصادي، أن قناة السويس تكبدت خسائر سنوية تراوحت بين 5 و7 مليارات دولار منذ تصاعد التوتر في غزة وتدخل الحوثيين في مضيق باب المندب، وهو ما كان كفيلاً بزيادة الضغوط الاقتصادية على مصر، لولا نجاحها في تنويع مصادر الدخل وتعزيز قدرتها على امتصاص الصدمات عبر سياسات إصلاح اقتصادي طويلة المدى.
واشار إلى أن البرنامج الاقتصاد المصري تمكن من تجاوز سلسلة أزمات محلية وإقليمية ودولية قاسية، بدءاً من تكلفة أحداث يناير 2011 المقدرة بنحو 100 مليار دولار، مروراً باستيعاب عودة نحو 10 ملايين عامل من الدول العربية المضطربة، وصولاً إلى مواجهة تداعيات جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وأزمات النزاعات الإقليمية المتكررة في غزة ولبنان وإيران، فضلاً عن تحمل أعباء نحو 10 ملايين لاجئ عربي من دول الجوار.
رغم التحديات تعافي الجنيه المصري أمام الدولار
واكد "حسين" أنه بالرغم من هذه التحديات، سجلت مصر مؤشرات إيجابية غير مسبوقة تؤكد صلابة اقتصادها، و من أبرزها، تعافي الجنيه المصري أمام الدولار ليصل إلى نحو 48.4 جنيه للدولار، وارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى مستوى تاريخي يقترب من 50 مليار دولار.
وتابع بأن زيادة تحويلات المصريين بالخارج إلى 36 مليار دولار خلال عام واحد، وهو أعلى رقم على الإطلاق، والقضاء على السوق السوداء للعملة منذ مارس 2024 واستقرار سعر الصرف، واستقبال أكثر من 16 مليون سائح في 2024، ما دعم قطاع السياحة بقوة، وتراجع معدل التضخم من 24% إلى أقل من 14%، و تحقيق معدل نمو اقتصادي بلغ 4.2% في النصف الأول من 2025، وهو الأفضل منذ ثلاث سنوات.
وأشار إلى إصدار تقارير إيجابية من مؤسسات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد والاتحاد الأوروبي تشيد بقدرة مصر على تجاوز الأزمات.
مطالب بتقديم المزيد من الحوافز والتسهيلات الاستثمارية
وفي السياق ذاته دعا الدكتور عمرو السمدوني، سكرتير عام شعبة النقل الدولي، إلى تقديم المزيد من الحوافز والتسهيلات الاستثمارية، لتعزيز قدرة قناة السويس على استعادة مكانتها المحورية في التجارة العالمية، بعد التحديات التي واجهتها خلال العام الماضي.
وأوضح السمدوني أن الدولة المصرية قطعت بالفعل خطوات مهمة وقدمت حوافز قوية لعدد من كبرى الشركات العالمية، وهو ما أشادت به المؤسسات الدولية، غير أن المرحلة الحالية تستلزم إجراءات إضافية أكثر جذبًا لضمان استعادة القناة دورها الاستراتيجي كاملًا.
ورغم التحديات وزيادة التوترات أشار إلى أن تحسن الأوضاع نسبيًا في البحر الأحمر، وعودة شركات الشحن تدريجيًا لاستخدام الممر الملاحي، يعزز من فرص تعافي القناة خلال الفترة المقبلة، خاصة مع استمرار ضخ استثمارات جديدة في المناطق الاقتصادية المتصلة بها.
وكشف السمدوني أن قناة السويس تكبدت خلال الأزمة الأخيرة انخفاضًا تجاوز 60% في إيراداتها، لكنها لم تتوقف عن العمل، بل اتجهت لتقديم خدمات ملاحية مبتكرة لم تكن متاحة سابقًا، مثل الإنقاذ البحري، وخدمات الإسعاف المائي، ومكافحة التلوث، وصيانة وإصلاح السفن، بالإضافة إلى خدمات التزويد بالوقود.
تنفيذ خطط استثمارية طموحة لدعم الاقتصاد المصري
وأكد أن الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تواصل تنفيذ خطط استثمارية طموحة لدعم الاقتصاد المصري رغم التحديات، مشيرًا إلى ما أكدته تقارير دولية – بينها "فيتش سولوشنز" – بشأن نجاح مشروع توسيع قناة السويس الذي دخل حيز التنفيذ مطلع 2025، في زيادة طاقتها الاستيعابية بما يسمح بمرور 6 إلى 8 سفن إضافية يوميًا، فضلًا عن رفع جاهزيتها للتعامل مع الطوارئ.
وتوقع السمدوني أن يشهد العام المالي الحالي تحسن ملموس في حركة الملاحة بالقناة، بما يعزز موقعها كممر تجاري عالمي لا غنى عنه