لماذا تعثر الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل رغم الضغوط الأمريكية؟ (خاص)

أكد المحلل السياسي الدكتور عمرو الهلالي أن فشل المفاوضات التي جرت مؤخرًا بين سوريا وإسرائيل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول الاتفاق الأمني، يعود إلى ضغوط أمريكية غير مدروسة ومحاولة تمرير اتفاق أمني في وقت قياسي، دون تهيئة المناخ السياسي أو الفني اللازم لإنجاحه.
وأوضح الهلالي، في تصريحات خاصة لـ«بلدنا اليوم»، أن المفاوضات جرت في أجواء من العجلة الشديدة بسبب إصرار واشنطن على إتمام الاتفاق قبل أو أثناء الجمعية العامة، ما جعل الوقت غير كافٍ لمناقشة التفاصيل الفنية الحساسة.
وقال: «الوقت الضيق وعدم التحضير المسبق جعلا التفاهم على النقاط الدقيقة صعبًا للغاية، خاصة بعد ظهور مقترحات مفاجئة في اللحظات الأخيرة، مثل فكرة إنشاء ممر إنساني باتجاه محافظة السويداء، وهو طرح لم يكن مطروحًا من الأساس في جدول التفاوض السوري، ما جعل من المستحيل التعامل معه بهدوء في الساعات الأخيرة».
مطالب إسرائيلية تمس السيادة السورية
وأضاف المحلل السياسي أن العقبات الرئيسية التي واجهت الاتفاق تمثلت في مطالب إسرائيلية تتعلق بالممر الإنساني والضمانات الأمنية.
وقال الهلالي: «إسرائيل طالبت بفتح ما تسميه ممرًا إنسانيًا إلى السويداء، وهو ما رفضته دمشق تمامًا واعتبرته انتهاكًا للسيادة السورية. كما طرحت إسرائيل اشتراطات إضافية مثل حماية الأقلية الدرزية، وتقليص حركة القوات السورية والمعدات العسكرية قرب الحدود، بل والقبول برقابة أو مراقبة دولية على المجال الجوي في بعض المناطق، وهذه كلها بنود حساسة تمس جوهر السيادة السورية».
وأشار إلى أن دمشق ربطت أي اتفاق بعودة إسرائيل إلى الوضع قبل 8 ديسمبر 2024، لا سيما في المنطقة العازلة التي حددتها اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، موضحًا أن إسرائيل غير مستعدة للتنازل عن أراضٍ كسبتها ميدانيًا دون مقابل سياسي أو أمني ثقيل.
حسابات داخلية معقدة في دمشق
وحول الحسابات الداخلية للنظام السوري، قال الهلالي إن دمشق لا يمكنها تمرير اتفاق يُنظر إليه داخليًا باعتباره تنازلاً سياديًا، خاصة في بداية عهد نظام الشرع، مضيفًا: «النظام السوري يواجه تحديات داخلية ضخمة على المستويات الأمنية والاقتصادية والطائفية، وأي اتفاق مع إسرائيل ستكون له انعكاسات مباشرة على الشارع السوري والمعارضة والطوائف المختلفة، خصوصًا في الجنوب».
وفي المقابل، أشار إلى أن إسرائيل أيضًا تخشى أن يتحول أي اتفاق إلى غطاء لتحركات إيرانية مستقبلية أو نشر ميليشيات قرب حدودها الشمالية، ما يجعل الطرفين في حالة انعدام ثقة مزمن يعقّد التفاهم السريع.
اتفاق مؤقت برعاية أمريكية – إقليمية
ورأى الدكتور الهلالي أن الحل الواقعي في هذه المرحلة هو اتفاق محدود النطاق ومؤقت زمنيًا، يجري تنفيذه على مدى من 3 إلى 6 أشهر، برعاية الولايات المتحدة وعدد من الدول الإقليمية مثل الأردن وقطر وربما روسيا كضامن إضافي.
وأوضح تفاصيل السيناريو المقترح بقوله: «الاتفاق يمكن أن ينص على وقف الغارات الإسرائيلية مقابل التزام سوري بعدم تحريك معدات أو قوات ثقيلة قرب الحدود، مع تعهد واضح من دمشق بعدم السماح لإيران باستخدام أراضيها عسكريًا. في المقابل، يمكن أن تقدم إسرائيل خطوات حسن نية مثل وقف الغارات الجوية أو سحب بعض وحداتها من مناطق التوغل الأخيرة».
وأشار الهلالي إلى أن الاتفاق قد يتضمن آلية مراقبة دولية محدودة الصلاحيات لمدة أولية تتراوح بين 3 و6 أشهر قابلة للتمديد، مشيرًا إلى إمكانية السماح باستثناءات إنسانية محدودة عبر الأمم المتحدة دون إنشاء ممر أرضي دائم، وهو ما يمثل «خطًا أحمر» بالنسبة لدمشق.
تقييم بعد ستة أشهر
وختم الهلالي حديثه بتأكيد أن الاتفاق المرحلي يمكن أن يشكل اختبارًا للنوايا بين الجانبين، مضيفًا: «بعد ستة أشهر يمكن تقييم مدى التزام كل طرف، ومن ثمّ اتخاذ قرار بتوسيع الاتفاق أو تجميده. المهم أن يُبنى المسار على خطوات صغيرة ومدروسة بدلًا من القفز نحو تطبيع سياسي متسرع».