بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

السيد أحمد البدوي.. ذكرى مولد القطب الصوفي تثير الجدل من جديد

ارشيفية
ارشيفية

عام بعد عام يُثار الجدال حول سيرة القطب الصوفي الكبير السيد أحمد بن علي الشهير بالسيد البدوي، تزامنًا مع الاحتفالية السنوية بمولده التي تقام بمدينة طنطا بمشاركة شعبية واسعة، ولم يكن العام الجاري مختلفا إلى حد كبير سوى في بعض التغطيات الإعلامية التي ركزت بصورة أو بأخرى على "مولد السيد البدوي".

 

ولا يزال الجدل والخلاف بشأن السيد البدوي الذي يعود بالأساس لفترات تاريخية ماضية يُثار، كل عام، وتتحول ذكرى مولده إلى سجالات بين أتباع التيارين الصوفي والسلفي، فمن هو السيد أحمد البدوي؟ ولماذا تحدث هذه السجالات بشأنه كل عام؟

 

شيخ العرب

 

يُعرف السيد أحمد بن علي بن يحي الشهيد بالسيد البدوي بعدد من الألقاب منها شيخ العرب، وأبو العباس، وأبو فراج، والقطب النبوي، وباب النبي، وبحر العلوم والمعارف، والسطوحي، وهو إمام صوفي سني تنسب إليه الطريقة البدوية، وسر تسميته بالبدوي أنه كان دائم تغطية وجهه باللثام وهذه عادة شهيرة من عادات أهل البادية.

 

 ويرجع السيد البدوي نسبه للإمام الحسين بن علي، وذلك وفق ما تذكره عدد من المراجع التاريخية والمعاصرة التي تناولت سيرته منها كتاب الدكتور سعيد عاشور السيد أحمد البدوي شيخ وطريقة والصادر عن الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر عام 1966.

 

وولد السيد البدوي في مدينة فاس بالمغرب عام 596 هـ، حيث ارتحلت عائلته من الجزيرة العربية إلى بلاد المغرب في عهد الدولة الأموية، واستقروا في مدينة فاس عام 535 هـ/ 1138 م، ومكث في مدينة فاس 7 سنوات حفظ خلالها القرآن الكريم وبدأ طلب العلم الشرعي، وانتقلت عائلته إلى مكة المكرمة سنة 607 هـ، بعد رحلة استغرقت 4 سنوات، وفي مكة بدأت رحلته النظامية لطلب العلوم الشرعية.

 

وتعلم السيد البدوي خلال إقامته بمكة تجويد القرآن والقراءات السبع وتفقه على مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي وتعلم الفروسية أيضًا إلى جانب العلوم الشرعية، وبدأ السير على درب التصوف في مكة المكرمة حيث دأب على التعبد والخلوة بجبل أبي قبيس، وكان شيخه في التصوف الشيخ أبو نعيم، أحد تلاميذ الإمام الكبير أحمد الرفاعي، الذي تُنسب له الطريقة الرفاعية.

 

وعندما بلغ السيد البدوي من العمر 38 سنة، انتقل إلى العراق مع أخيه حسن، سنة 634/ 1227 م، ومكث فيها عامًا كاملا ثم عاد إلى مكة مرة ثانية، وفي تلك الفترة بدأ حاله يتغير في العبادة فأصبح كثير الصلاة والصوم ولزم الصمت الطويل وكان لا يتكلم إلا قليلا ويتحدث في الغالب بالإشارة، وفي هذه الفترة ارتدى اللثام، ولذا عُرف بالملثم.

 

انتقاله إلى طنطا وجهاد ضد الصليبيين

 

 تروي المصادر الصوفية أن السيد أحمد البدوي انتقل إلى طنطا التي عُرفت في تلك الفترة بـ"طنطدا"، بعد أن رأى النبي محمد في منامه يأمر بالسير إليها وأن يمكث بها ويُعلم أتباعه التصوف السني، وبالفعل وصل إلى المدينة التي كانت بلدة صغيرة وقتها، عام 636 هـ/ 1239 م، وكان رفيق رحلته الثانية من مكة المكرمة رجلا من "طنطا" تعرف إليه في الحرم النبوي، واستضافه هذا الرجل في بيته أول نزوله البلدة، وطلب منه "البدوي" أن يجعل إقامته على السطح حتى لا يؤذي أهل بيت صاحبه ولا يهتك سترهم.

 

 وتضيف المصادر الصوفية التي تناولت سيرة السيد البدوي أنه كان يُحب الجلوس على السطح حتى لا يحجبه حجاب عن السماء، وخلال مكوثه في "طنطا" بدأ رحلاته الدعوية لأهالي القرى والبلاد المجاورة يدعوهم فيها لحفظ كتاب الله والمداومة على ذكره وينهاهم عن ارتكاب المعاصي ومخالفة الشريعة.

 

وبعد 10 سنوات تقريبًا من استقراره في مصر، بدأت الحملة الصليبية التي قادها لويس التاسع، ملك فرنسا، على مصر، في عام 646 ه، واستطاعت الحملة الصليبية احتلال مدينة دمياط وهب المصريون للجهاد ضدها، وكان السيد البدوي أحد الفرسان الذين انخرطوا في الجهاد ضد الصليبين، مع مريديه وأتباعه وتلاميذه، وتروي المصادر التاريخية أنه شارك في معركة المنصورة التي هُزمك فيها جيش لويس التاسع.

 

وفي تلك الفترة، عُرف السيد البدوي بـ"جلاب الأسرى" لأنه ومريديه كانوا يعملون على تحرير الأسرى المسلمين من أسرى الصليبين، وراجت على ألسنة المصريين الأهازيج الشعبية التي تقول" "الله الله يا بدوي جاب اليسرى" بمعنى أنه فك الأسرى، ولم يكن جهاد السيد البدوي سوى جزء من مشاركة أتباع ومريدي الطرق الصوفية في الجهاد ضد الصليبيين.

 

ابن دقيق العيد والسيد البدوي

 

ولما علا صيت السيد البدوي أراد قاضي القضاة الشيخ الأزهري ابن دقيق العيد أن يختبره ليتأكد من صحة اعتقاده وطريقته إذ كان قاضي القضاة ينكر حال "البدوي"، لذا اتفق مع جمع من شيوخ الأزهر على إيفاد العالم الكبير السيد عبد العزيز الدريني ليختبره في مسائل العقيدة، فلما ذهب إليه السيد الدريني واختبره أجابه السيد البدوي بأجوبة دقيقة وقال له تجد هذا الكلام في كتاب "الشجرة" وهو كتاب وضعه شيخ الإسلام العز بن عبد السلام في كتابه "الشجرة"  في علم التوحيد، ولما راجعوا الكتاب وجدوا المسائل كما قالها فقال السيد عبد العزيز الدريني قولته المشهورة" "البدوي بحر ليس له قرار"، وهذه الواقعة أوردها الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر في كتابه السيد أحمد البدوي.

 

وهناك رواية أخرى أوردها الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه لهذا اللقاء، وتنص تلك الرواية على أن السيد البدوي قال للسيد عبد العزيز الدريني: "يا عبد العزيز من وصل إلى مقام التسليم فاز برياض النعيم، جئت تسأل عن كذا وكذا ولكن قل لقاضي القضاة يُصلح خطأين في مصحفه في موضع كذا وكذا فلما رجعوا لمصحف ابن دقيق العيد وجدوا فيه الخطأين".

 

وبعد هذه الواقعة، زار ابن دقيق العيد السيد البدوي فوجده مغطى على سطحه مغطى بثوب وفي حال أقرب للمغشي عليه، فقال في نفسه: "سبحان الله ما هذا الاعتقاد من الناس في هذا الرجل وما هذه الشهرة وليس هناك ما يُوجب ذلك وما هو إلا مجنون من المجانين"، فرفع السيد البدوي رأسه وقال له: "مجانين ولكن سر جنونهم .. عزيز على أعتابه يسجد العقل"، فأقر قاضي القضاة حينها بكرامة السيد البدوي وقدره الكبير واعتذر له وقبل يديه.

 

طريقته وتربيته لأتباعه

 

وتورد العديد من المصادر منها كتابي شيخ الازهر الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور سعيد عاشور أن السيد البدوي انشغل بتربية مريديه وكانت تعاليمه لهم تنص على الصدق واجتناب الفواحش وعفة النفس وحسن الخلق والعمل بكتاب الله وملازمة الذكر والزهد في الدنيا.

 

ويعتبر شيخ الازهر الدكتور  عبد الحليم محمود أن أكبر كرامة للسيد أحمد البدوي أنه ربى رجالا وأبطالا مجاهدين وأخذ عليهم العهد بالسير على طريق الله وسنة النبي محمد.

 

ويذكر الدكتور سعيد عاشور أن كثير مما نسب للسيد البدوي من الأمور المستهجنة كلبسه ثوب واحد حتى يبلى أو عدم اهتمامه بالنظافة وغيرها من التهم التي يُتهم بها لا تثبت تاريخيا وإنما هي من الأمور التي نسبها له بعض المغالين فيه أو المتعصبين ضده، واصفًا إياه بأنه "طاهر فاضل لا شك فيه" ولكن هناك من أساء له وشوه سيرته عن غير قصد، كما يورد في كتابه سالف الذكر. 

 

 

اقرأ ايضا 

بدء انتخاب اللجان النوعية بمجلس الشيوخ والمكونة من 14 لجنة ب56 مقعد

 

تم نسخ الرابط