بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

مصطفى عبد المنعم يكتب .. مصر التي وُجدت قبل التاريخ

بلدنا اليوم

في أمسية تاريخية مهيبة، شهدت مصر والعالم احتفالية غير مسبوقة بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي والسيدة الأولى انتصار السيسي، إلى جانب ملوك ورؤساء وولاة عهد ورؤساء حكومات ووزراء من 79 دولة حول العالم. كانت المناسبة رسالة واضحة تؤكد أن مصر ليست فقط موطناً للحضارة التي وُجدت قبل التاريخ، بل هي لاعب دولي معاصر يفرض حضوره ويُحتفى به في أرفع المحافل العالمية، وأن الاحتفال بهذا الصرح ليس مجرد استدعاء للماضي، بل إعلان حي عن حضور مصر في الحاضر وإيمان العالم بأنها أم الحضارات.

 

ولا يمكن أن نمر على هذا الحدث دون الإشادة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي استطاع أن يجذب أنظار العالم كله إلى مصر في غضون أيام قليلة بحدثين تاريخيين مترابطين يحملان معاني السلام والحضارة معاً. ففي شرم الشيخ، أرض السلام، تم التوصل إلى اتفاق تاريخي لوقف إطلاق النار في غزة، اتفاق رحب به العالم بأسره بوصفه خطوة جادة نحو إحياء السلام في المنطقة. وبعدها بأيام قليلة دعا الرئيس السيسي ملوك ورؤساء العالم إلى افتتاح أكبر متحف لحضارة واحدة في التاريخ، ليؤكد أن مصر لا تحمل راية السلام فقط، بل تقدم هدية جديدة للعالم تتمثل في هذا المتحف الذي يجسد عظمة الإنسان المصري وقدرته على البناء والإبداع.

 

وقد كانت إطلالة السيدة الأولى انتصار السيسي لافتة للغاية، حملت قدراً كبيراً من الشياكة والوقار، في مشهد يعكس أناقة حفيدات حتشبسوت ونفرتاري، وكأنها رسالة بصرية تقول إن مصر التي تفخر بماضيها تقدم نموذجاً للحاضر والمستقبل. كانت الإطلالة رمزاً للأنوثة المصرية الأصيلة الممزوجة بالعراقة والحداثة.

 

تميز الحفل بأداء موسيقي عالمي المستوى قاده المايسترو المصري ناير ناجي الذي أبدع في قيادة الأوركسترا، وقدم توزيعاً جديداً لأغنية “أنا المصري” في لمسة فنية جمعت بين الأصالة والحداثة، مؤكداً أن مصر تملك اليوم أدوات فنية قادرة على المنافسة في المحافل العالمية. وقد تألق الموسيقار هشام مزيه في تأليف موسيقى الحفل التي جاءت مفعمة بالروح والهوية المصرية رغم طابعها العالمي.

 

من اللحظات التي تستحق التوقف أيضاً، بدء الحفل بكلمات مؤثرة لأربع شخصيات ملهمة لها تأثير كبير في مصر والعالم: الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق وصاحب فكرة المتحف، الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار الأسبق والمدير العام لليونسكو حالياً، السير مجدي يعقوب رمز الإنسانية والعطاء، والناشط البيئي منير نعمت. كلماتهم أضفت على الافتتاح عمقاً إنسانياً ومعنوياً يليق بعظمة الحدث.

 

أما الجانب البصري فكان مدهشاً بكل المقاييس، حيث تألق أداء فرقة الكروغرافيا في مشهد بدا وكأنهم “يرقصون على الماء”، في لقطة جسدت الانصهار بين الطبيعة والحضارة وبين الماضي والحاضر. كما برع المخرج في توظيف الإضاءة والعروض المرئية، خصوصاً عندما ظهرت المسلات المصرية مضاءة في عواصم العالم تزامناً مع لحظة الافتتاح في القاهرة، في إشارة رمزية إلى أن الحضارة المصرية كانت وما زالت منارة تنير العالم.

 

وقد حمل الحفل رسائل عميقة أهمها إعادة الاعتبار للطفل المصري حسين عبد الرسول الذي كان له الدور الحقيقي في اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، إلى جانب هوارد كارتر، وهي إشارة رمزية تستعيد للهوية المصرية حقها التاريخي المسلوب. كما كان ظهور الفنان النوبي أحمد إسماعيل في فقرة غنائية باللغة النوبية دليلاً على وحدة النسيج المصري وثراء التنوع الثقافي الذي تحتضنه أرض مصر.

 

ومن اللفتات البديعة أيضاً الدمج بين الابتهال الإسلامي والترانيم المسيحية في مشهد فني مهيب أكد على الوحدة الوطنية والتعايش الديني في أبهى صوره. وجاءت مشاركة أبطال مصر الرياضيين إضافة مؤثرة تؤكد أن مصر لا تنسى أبناءها وأن قوتها الناعمة تمتد لتشمل الفن والرياضة والهوية.

 

كما أضفى ظهور النجوم كريم عبد العزيز ومنى زكي والفنانين الشباب هدى المفتي وأحمد مالك وسلمى أبو ضيف وأحمد غزي روحاً متجددة على الحفل، بينما شاركت العازفتان ابنتا الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة في أداء موسيقي رائع أعاد التأكيد على أن الفن المصري متوارث ومتجدد

وبرغم أن الحفل بدا موجهاً في كثير من تفاصيله إلى الجمهور العالمي، فإن ذلك لا يُنقص من قيمته، بل يعكس رغبة مصر في أن تقدم تراثها للعالم بلغة يفهمها الجميع. ومع ذلك يبقى التحدي في تحقيق التوازن بين الرسالة الموجهة إلى الخارج وبين الحفاظ على هوية الداخل وروح الانتماء الوطني

في المحصلة، كان الافتتاح حدثاً مهيباً يليق بعظمة مصر وتاريخها، جمع بين الموسيقى والفن والتاريخ في لوحة حضارية نادرة. لقد نجح المتحف المصري الكبير في أن يكون ليس فقط بيتاً للآثار، بل رمزاً لعصر جديد من الحضور المصري في الوجدان العالمي، ورسالة متجددة بأن مصر هي الأصل، ومن عبقها تستمد الحضارات بريقها.

تم نسخ الرابط